TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > ضرورة تمويل البحث العلمي والابتكار

ضرورة تمويل البحث العلمي والابتكار

نشر في: 27 مايو, 2023: 11:46 م

د. محمد الربيعي

في العراق علماء موهوبون بوسعهم ان يتعاملوا مع تحديات البلاد، وان يوجدوا حلولا لمشاكله، لكن الافتقار الى التمويل يعيقهم.

كيف؟، بدون تمويل كاف، يمكن لأساتذة الجامعات وللباحثين من استثمار عقولهم في إيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية والطبية والهندسية والزراعية والاجتماعية العديدة في هذا البلد المنكوب بالآفات والسرقات، وكيف يمكن لهم من التصدي للتحديات التي تواجه الجامعات في مواكبة التقدم العلمي العالمي، وكيف لهم من الاشراف على بحوث رصينة وعالية الجودة تستحق ان يمنح منتجها شهادة عليا او ان يستحق على اساسها ترقية علمية لدرجة أكاديمية أعلى؟

أضحت اليوم قضية انعدام التمويل تشكل عائقا كبيرا أمام تطور البحث العلمي وتقدمه في العراق.فهل يمكن حقا الاستمرار في الطلب من الباحثين العراقيين بتقديم ما يستحيل تقديمه وبدون منح مالية للبحث العلمي، علما ان كثيرا من البحوث العلمية إن لم نقل كلها، تحتاج الى مصادر للتمويل الدائم ومبالغ مالية وفيرة حتى يتم انجازها على اتم وجه؟

لقد مرت سنوات طويلة والبحث العلمي يتم اجرائه بتمويل فردي وبجهود فردية. لا توجد استراتيجية للبحث ولا سياسات مالية، ولا اولويات تمويل حكومية، مع انه توجد دوافع وضغوط على الطلاب والأساتذة لإجراء البحوث لانها المرتكز الاساسي للحصول على الشهادات العليا وعلى الترقية الوظيفية، وكذلك على التكريم والتقييم والرقي الوظيفي.

انعدام المنح البحثية نتج عنه ظواهرسلبية كانتشار دكاكين تجارة الرسائل والأبحاث العلمية والجامعية، وشراء اوراق البحوث الجاهزة دون بحث، ودون بذل اي مجهود للحصول على المعلومات في المكتبة او المختبر او الحقل. وكنتيجة انصرف الباحثون نحو تمويل ذاتي للنشر العلمي في مجلات الوصول المفتوح والمجلات المفترسة والتجارية، وهو النشر الذي لا يخضع الى رقابة ذاتية صارمة ونزيهة مثل النشر في المجلات التقليدية.

الحكومة العراقية ووزارة التعليم العالي مطالبة اليوم اكثر من اي وقت مضى بتخصيص منح بحثية، وأموال للبحث والابتكار والتطوير، وبوضع آليات ملائمة لاستخدام هذه المنح في تنفيذ سياسات رائدة لانجاز بحوث ممولة لباحثين، وعلماء عراقيين فرديا او جماعيا وفق خطط شفافة وأولويات هدفها دفع عجلة البحث العلمي نحو تحقيق الريادة في التقدم العلمي والتكنولوجي في المنطقة والعالم.

البحث العلمي الرصين يحتاج الى اموال لتوفير مستلزماته من مختبرات وأجهزة ومعدات ومواد ومكتبات، كما يحتاج الى عقول مؤهلة ومتوثبة دائما للتعلم ومواكبة التطور العلمي وعن طريق التعاون العلمي العالمي، والمشاركة في المؤتمرات العالمية المهمة. وهذا كله يحتاج بدوره الى تمويل حكومي واسع لكي يتمكن كل الباحثين من ترويج نتائج بحوثهم عالميا ومواكبة التطور العلمي والتربوي والتكنولوجي ولكي ننفض رداء الحصار الذاتي، ومشاركة الباحثين في العالم جهودهم لخدمة الانسانية.

التمويل الحكومي مهم ايضا لتثمين جهود الباحثين ومكافأتهم كما هو مهم في توفير البيئة التحتية لإجراء البحوث وتطبيقها وتسجيلها عالميا كابتكارات واختراعات مما يحفز الباحث والطالب ويشجعهما على الاستمرار في مسيرتهما البحثية لأنهم سيدركون ان مجهودهم لن يترك سدى بل سيؤخذ به ويطبق ليكون له الاثر في تقدم العراق والعالم.

ولي أمل كبير في ان تتضمن الموازنة الجديدة اموال مخصصة للبحث العلمي والابتكار، كما اتمنى ان تتبنى وزارة التعليم العالي والجامعات العراقية فكرة التعاقد مع الوزارات والمؤسسات والشركات اي الطلب من الباحثين الاتصال بالجهات المستفيدة وطرح المقترحات البحثية عليهم والطلب منهم تمويل هذه الابحاث، وهنا لابد من الاشارة الى المشاكل التي تواجه التنفيذ. المشكلة الاولى هي صعوبة اختيار المشاريع البحثية المناسبة للجهة المستفيدة لعدم تمكنها من تحديد احتياجاتها بطريقة صحيحة، والمشكلة الثانية انه بعد الوصول الى اتفاق على المشروع البحثي تحتاج الجهة المستفيدة سنة او سنوات لتوفير التمويل. وتكمن المشكلة الثالثة في ان معظم البحوث التطبيقية لحل المشاكل المحلية غير ملائمة للنشر العلمي، وهو ما يتعارض مع سياسة الوزارة في تأكيدها على اهمية نشر نتائج البحوث لأغراض الترقية الوظيفية.

باختصار، تحتاج النخب العلمية في العراق الى دعم وتمويل حكومي كاف للتمكن من العمل على انجاز الابحاث ذات الاولوية والأهمية العالية بدلا من العمل على بحوث سطحية وغير مجدية. وعلى الحكومة ان تعيد النظر في سياستها المالية وتعطي الاولوية لتمويل البحوث العلمية والابتكار، وتوفر الدعم المالي والموارد اللازمة للعلماء والباحثين العراقيين لتمكينهم من الاسهام في تطوير البلد وحل مشاكله.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. Souod Alani

    دكتور انا اهنيك على صبرك لانك لازلت تكتب حلول واقتراحات وانت تعلم ان من تكتب لهم لايستمعون او يعقلون ولا يبالون الا لمصالحهم وتحقيق ما تتفضل به ان ولم تحققه العقليات التي تحكم العراق لان مبادئهم في تناقض شديد مع العلم والعلماء؟

  2. د٠سعد سلمان

    لقد اسمعت لو ناديت حيا ولكن٠٠٠٠٠٠٠

  3. حسن عبد المهدي

    المشكلة خاف اموال التمويل تفتح باب جديدة من ابواب الفساد لان العراق صاحب تجربة بالفساد

يحدث الآن

(المدى) تنشر نص قرارات مجلس الوزراء

لغياب البدلاء.. الحكم ينهي مباراة القاسم والكهرباء بعد 17 دقيقة من انطلاقها

العراق يعطل الدوام الرسمي يوم الخميس المقبل

البيئة: العراق يتحرك دولياً لتمويل مشاريع التصحر ومواجهة التغير المناخي

التخطيط: قبول 14 براءة اختراع خلال تشرين الثاني وفق معايير دولية

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram