TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: سرقة عامة

العمود الثامن: سرقة عامة

نشر في: 30 مايو, 2023: 12:19 ص

 علي حسين

منذ أن بدأت كتابة هذه الزاوية التي تثير حفيظة بعض السياسيين والمسؤولين، وأنا أسأل نفسي؛ ترى بماذا يفكر المواطن الأوروبي، وهو يقرأ كتاباً أو صحيفة؟، بالتأكيد ستكون اهتماماته متعلقة بأحدث إصدارات دور النشر،

ولأنني لا أريد أن أدخل القارئ في نفق مظلم سأتحدث عن الكتب، فقد وقعت عيناي على خبر يقول إن كتاب "التاو" لا يزال بعد كل هذه السنين يحقق مبيعات متميزة في المكتبات الأوروبية بحيث عد الكتاب الأكثر مبيعاً، والتاو كتاب في الفلسفة كتبه الفيلسوف الصيني لاوتسو، وهو معاصر لكونفوشيوس، ويعده الكثير من الدارسين للفلسفة الصينية الفيلسوف الأول، وقد تصدى لترجمة الكتاب للعربية اثنان من أهم فلاسفة العرب المعاصرين، وهما الدكتور عبد الغفار مكاوي في ترجمة نشرت باسم (كتاب الطريق)، وعمنا هادي العلوي في مختارات من التاو. كتاب التاو عبارة عن قصص وأمثال وحكم ونوادر صيغت بأسلوب رمزي يجمع بين البساطة العميقة والشاعرية الأخاذة. يقول فيلسوفنا الراحل هادي العلوي إن أصل كلمة تاو في اللغة الصينية هو الصراط، وفي الفلسفة يصبح هو الطريق الذي يأتي منه كل شيء. من بين الحكايات التي ضمها كتاب (التاو) في ترجمة مكاوي اخترت هذه الحكاية.

والحكاية تقول: كان في بلاد "تسي" رجل يدعي "كو" وكان غنياً جداً، وكان في بلاد "سونغ" رجل يدعى "هيانغ" وكان فقيراً جداً. ذهب الرجل الفقير إلى الغني وسأله ماذا فعل ليصبح غنياً؟! فقال له "بممارستي السرقة. فعندما بدأت أسرق حصلت، خلال سنة، على ما يفي بحاجتي. وفي غضون عامين أصبحت في بحبوحة، وخلال ثلاث سنوات أصبحت موسراً ثم أصبحت من الأعيان، ولم يطلب الفقير المزيد من الإيضاحات، فودّعه والأرض لا تكاد تسعه من الفرحة وشرع للتو في السرقة، يتسلق الجدران أو يثقبها، مستحوذاً على كل ما يتفق ورغبته، لكن ما لبث أن ألقي عليه القبض، فأعاد ما استولى عليه إلى أصحابه وخسر زيادة على ذلك، القليل الذي كان يملكه من قبل، ولاعتقاده بأن "كو" قد خدعه، ذهب إليه ولامه لوماً شديداً، فسأله "كو"، وقد عقدت الدهشة لسانه: كيف تصرفت؟ وعندما روى له الفقير طريقته، صاح "كو": لم أجمع ثروتي عن طريق هذا النوع من السرقة، فأنا سرقت بحسب الوقت والظروف، فقد استحوذت على الأشياء قبل أن تصل إلى الناس، إن كل ما عندي سرقته، ولكن قبل أن يؤول إلى أي شخص، أما أنت فقد سرقت ما تركته أنا للناس، ما قمت به أنا سرقة عامة لا يعاقب عليها القانون، أما ما قمت به أنت فسرقة خاصة ويعاقب عليها، إن الناس من أمثالي يعيشون من سرقاتهم، دون أن يكونوا في هذا لصوصاً. انتهت الحكاية وأتمنى أن لا يأخذكم سوء الظن وتعتقدون أنني أتحدث عن بعض المسؤولين الكبار.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

 علي حسين عاش العلامة المرحوم محسن مهدي ينقب ويبحث في كتب التراث ويراجع النسخ المحفوظة في مكتبات العالم من حكايات ألف ليلة وليلة، ليقدم لنا نسخته المحققة من الليالي، يقول لنا فيها إنّ...
علي حسين

باليت المدى: شحذ المنجل

 ستار كاووش مازال الوقت مبكراً للخروج من متحف الفنانة كاتي كولفيتز، التي جعلتني كمن يتنفس ذات الهواء الذي يحيط بشخوص لوحاتها، وكأني أعيش بينهم وأتتبع خطواتهم التي تأخذني من الظلمة إلى النور، ثم...
ستار كاووش

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

محمد الربيعي يضع العراقيون امالا كبيرة على التشكيلة الوزارية الجديدة، المرتقب اعلانها قريبا، لتبني اصلاحات جذرية في مؤسسات الدولة، وعلى راسها التعليم العالي. فهذا القطاع الذي كان يوما ما منارة للعلم والمعرفة في المنطقة،...
د. محمد الربيعي

التكامل الاقتصادي الإقليمي كبنية مستدامة للواردات غير النفطية

ثامر الهيمص المرض الهولندي تزامنت شدته علينا بالإضافة لاحادية اقتصاديا كدولة ريعية من خلال تصدير النفط الخام مع ملف المياه وعدم الاستقرار الإقليمي. حيث الاخير عامل حاسم في شل عملية الاستثمار إجمالا حتى الاستثمار...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram