بسام عبد الرزاق
تصوير: محمود رؤوف
أقام بيت المدى في شارع المتنبي، أمس الأول الجمعة، جلسة استذكار للشخصية الوطنية والادبية المعروفة، الراحل عبد الغني الخليلي، سليل العائلة الكبيرة والمعروفة، وصاحب الحضور الابداعي والانساني في تاريخ العراق.
الجلسة التي ادارها الباحث رفعت عبد الرزاق، سجلت شهادتين نوعيتين عن الراحل، وذكر في مستهلها المقدم ان "الحديث اليوم عن شخصية منسية من تاريخ العراق الحديث وما اكثر الشخصيات المنسية في عراقنا، وقد يكون الحديث عن عبد الغني الخليلي غريب عن الجيل الحالي الذي للأسف انتهج نهج الانقطاع عن أعلام العراق الحديث وبناة النهضة الثقافية في العراق".
واضاف، انه "كل من يعرف تاريخ الاستاذ الكبير الجواهري يعرف من هو عبد الغني الخليلي، كان الرجل اديبا وشخصية وطنية وتربويا ثم مصرفيا، ولكن يد الغدر والزمان ابت الا ان يغيب عنا، اولا في الغربة ثم وفاته خارج العراق في السويد".
وأكمل، ان "الخليلي من الاسرة الخليلية الشهيرة في مدينة النجف، والتي قدمت العديد من الاسماء الكبيرة في تاريخ العراق الحديث وظهرت منها مراجع دينية وادبية وصحفية فضلا عن الحضور الانساني".
وتابع، ان "الخليلي ولد عام 1925 في النجف، ودرس في مدارسها الدينية ثم التحق بالمدارس الحديثة في النجف وكان احد اساتذته حسين مروة الشخصية المعروفة، وعمل مدرسا وانتقل الى بغداد اوائل الخمسينيات بسبب قبول شقيقه علي في كلية الحقوق، ومعه انتقلت الاسرة الى بغداد وفي منتصف الخمسينيات انتقل نشاطه الى المصارف فاصبح مديرا للمصرف اللبناني ثم مديرا لمصر ف الرافدين".
ورأى عبد الرزاق ان "من المآسي ان الخليلي اقيمت عليه الحجة بكونه ليس عراقيا، وان اوراقه الثبوتية العثمانية غير موجودة، وكان تقربه من اليسار العراقي ومن الجواهري سببا في تسفيره "الشائن" مع المسفرين عام 1980 والقي على الحدود ثم بقي في ايران اكثر من سنتين وثم غادر الى السويد".
بعدها قدم الاستاذ عبد الهادي صادق مداخلة، بدأها بقراءة بيتين من شعر الجواهري الكبير:
وإنيّ إذْ أُهدي إليكَ تحيَّتي … أهزُّ بكَ الجْيلَ العَقوقَ المُعاصِرا
أهزُّ بكَ الجيلَ الذي لا تهزُّه … نوابغُه ، حتى تزورَ المقابرا
وتابع صادق، انه "تعود معرفتي بالخليلي الى اوائل السبعينيات من القرن الماضي، اذ جمعني واياه عالم الوظيفة، وفرضت علي الوظيفة ان اكون قريبا منه مكانيا وروحيا. كان مكتبه يقع امام الغرفة التي اعمل فيها، وتوطدت العلاقة بيننا حيث لمس مني وهو الاديب والشاعر وراوية الجواهري، لمس مني حب الشعر وخاصة قصائد المتنبي والجواهري".
وأكمل، انه "بالتزامن مع قيام مهرجان ابي تمام في الموصل آنذاك، اطلق عليّ الخليلي كنية ابي تمام، وكنت اقضي كل ما سنحت الفرصة وقتا في مكتبه نتحدث ونتبادل الشعر، وبحكم تجربته وانغماسه في الشعر كان يلقي عليّ اشعار الجواهري التي يحفظ معظم قصائده ويترنم بها، وكيف لا وهو راوية الجواهري".
واضاف، انه "فتح لي الباب لدخول عالم الجواهري، وتوطدت العلاقة اكثر وكنت احيانا اوصله الى داره في كرادة مريم، كما كنت اجلس معه وولديه الصغيرين فارس وسامر، وكانت زوجته الفاضلة تقوم بواجب الضيافة والكرم"، مبينا انه "كنا نذهب معه الى المطاعم في بغداد فضلا عن سفرات جميلة الى الكوفة والحلة، وكان ظريفا وطريفا ويسعدنا بقفشاته الحلوة، وذهبنا سويا الى حفلة الفنانة فيروز في قاعة الخلد في السبعينيات".
وبين انه "مرة دعاني الى مكتبه واذا افاجأ بوجود الجواهري في مكتبه، وقدمني اليه وكنت فرحا وخجلا وقلقا كوني وجها لوجه امام هذه القامة الكبيرة، قال له الخليلي واشار نحوي انه يحفظ ابياتا من قصائدك يا ابا فرات، فأجبته باني احتفظ بدواوينك، وطلب مني ان اجلبها له، فأتيت بها في اليوم الثاني فقام بتوشيحها بالذكرى".
من جانبه تحدث في الجلسة، الاستاذ ماهر عبد الجبار الخليلي، سليل الاسرة الخليلية، قائلا: "الحديث عن الخليلي يعيدنا للذكريات والمآسي التي مرت بها هذه العائلة، اذ كان الخليلي من الشخصيات المرهفة الرقيقة جدا في تعامله وصداقاته وحتى مع عائلته".
واشار الى ان "تهجيره من العراق كان في ليلة ظلماء ومعه فقط والدته، وكتب الخليلي عن هذه الرحلة بطريقة ساحرة، وكيف حمل والدته عبر الوديان والضفاف، وكيف كانا يقتاتان على نبات الخباز البري، حيث واجهت والدته صعوبة عدم وجود الماء".
واضاف، ان "الباحث رشيد الخيون يقول فيه، انه لم اجد اديبا يمر بهذا الظرف الصعب مثل هذا الشخص الذي يتفاءل في عز الموت والمأساة".
وأكمل، انه "اعددت كتابا عنه اسميته امير الاوفياء، فكان صديقا وفيا لكل اصدقائه من الادباء والفنانين، ومن بينهم يوسف العاني وجعفر السعدي وسامي عبد الحميد، ومن اصدقائه ايضا الشعراء مظفر النواب وسعدي يوسف ومصطفى جمال الدين، وبينه وبينهم رسائل، وتميز بأدب الرسائل وفي كل رسالة هناك بصمة ادبية راقية وشفافة تعكس روح الادب لدى الخليلي، وكان مولعا بالشعر كتابة وحفظا، وكان يرتجل في كل موقف ابياتا من الشعر".
ويذكر ان "الخليلي قال، ان لديه اكثر من الفي بيت شعري مخطوط في مكتبته، عندما غادر تركها في المكتبة وذهبت في ادراج الرياح، لكنه كان يعتقد انها محفوظة في صدور بعض الشخصيات، وفعلا ظهرت هذه القصائد في دواوين بعض الشعراء".
اترك تعليقك