TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: هنا الموسيقى..هنا الحياة

العمود الثامن: هنا الموسيقى..هنا الحياة

نشر في: 6 يونيو, 2023: 12:05 ص

 علي حسين

يجلس الموسيقار روحي الخماش في قاعة الدرس بمعهد الدراسات الموسيقية مرتدياً بدلته الأنيقة وممسكاً بآلة العود، يتذكر في هذا المكان كيف صاغ الالحان ابتهالات رمضان التي كان العراقيون يرددونها "يا إله الكون"، و"لبّيك قد لبّيت لك". يتلفت الموسيقي الكبير حوله فيجد النظارة وقد عادت إلى المعهد الذي قضى فيه أجمل سنوات حياته، ويتمشى في الأروقة ليذكرنا بالأيام التي عاشت فيها بغداد عصر الغناء والطرب، قبل أن يستفحل فيها مرض "الهمرتوفوبيا" وهو المرض الذي يصيب الظلاميين فيكرهون كل شيء يتعلق بالموسيقى والغناء وماجاورهما.

 

في كتابها "الموسيقى في العراق"، تقول الباحثة شهرزاد قاسم: "إن لدى العراقيين منذ القدم ميل إلى الموسيقى والغناء اللذين ازدهرا في كثير من الفترات، وإن أفلاطون كان يفضل الموسيقى الآتية من بلاد النهرين على موسيقى بلاده، ويصفها بأنها خير نموذج للموسيقى الكاملة التي يجتمع فيها التعبير عن الحقيقة والفضيلة والجمال وحلاوة النغم".

كانت الموسيقى ولا تزال افضل توثيق للمكان واللهجة والتاريخ والجغرافيا والعادات والتقاليد، بغض النظر عما إذا كانت الموسيقى عاطفية أم وطنية، فهي تمنحنا وثيقة تظل شاهدة على حياة المجتمع، تشكل الموسيقى ملامح مجتمعنا.

في موسيقى روحي الخماش وصالح الكويتي وناظم نعيم وطالب القرغولي وسلمان شكر ومنير بشير ومحمد جواد أموري نعثر على ذكرياتنا، هذه الذكريات التي سعت مؤسسة المدى للدفاع عنها وإعادة الألق لها من خلال المساهمة في مشروع إعادة تأهيل وإعمار معهد الدراسات الموسيقية بالتعاون مع برنامج تعافي.

بعد ربع قرن بالتمام والكمال على رحيل روحي الخماش، كانت الأنظار تتجه إلى هذا الصرح الثقافي وهو يبحث عن منقذ وكتبت الصحافة كثيراً لاتقاذ مدرسة تخرج منها أبرز أعلام الموسيقى والغناء في العراق. وفي شباط من هذا العام تقرر مؤسسة المدى وبالتعاون مع برنامج تعافي إعادة البهجة إلى بناية المعهد من خلال عمل مدروس لا يهدف إلى إعادة ترميم المبنى التراثي، إنما أيضا شراء تجهيزات دراسية وأثاث وآلات موسيقية لإعادة الحياة إلى هذا الصرح العلمي والثقافي.

سينظر زوار المعهد وطلبته وأساتذته إلى البناية التي تعيش اليوم عرسها الفني، البناية الجميلة أيام كان فيها جلال الحنفي يشرح المقامات، فيما يعزف علي الإمام أجمل الألحان، وفي زاوية منها يجلس طارق حسون فريد يضع اللمسات الاخيرة لكتابة الموسيقى العالمية . تعطينا الموسيقى المنفعة والمتعة في هذه الحياة. وتحول لنا الأرض إلى قرية واحدة، موسيقى زودنا أصحابها بالحكمة ومؤرخون حفظوا لنا حكايات التاريخ وعبره، شعراء صنعوا لنا أحلاماً وآمالاً وعوالم جميلة.

لا تودع مؤسسة المدى أعوامها، من دون حدث ثقافي كبير، يتكاتف الجميع على نجاحه واستمراره ، وهذه المرة تطل علينا بلمسة حضارية من كل زوايا بناية معهد الدراسات الموسيقية .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

 علي حسين اعترف بأنني كنت مترداً بتقديم الكاتب والروائي زهير الجزائري في الندوة التي خصصها له معرض العراق الدولي للكتاب ، وجدت صعوبة في تقديم كاتب تشعبت اهتماماته وهمومه ، تَّنقل من الصحافة...
علي حسين

قناديل: في انتظار كلمة أو إثنتيّن.. لا أكثر

 لطفية الدليمي ليلة الجمعة وليلة السبت على الأحد من الأسبوع الماضي عانيتُ واحدة من أسوأ ليالي حياتي. عانيت من سعالٍ جافٍ يأبى ان يتوقف لاصابتي بفايروس متحور . كنتُ مكتئبة وأشعرُ أنّ روحي...
لطفية الدليمي

قناطر: بعين العقل لا بأصبع الزناد

طالب عبد العزيز منذ عقدين ونصف والعراق لا يمتلك مقومات الدولة بمعناها الحقيقي، هو رموز دينية؛ بعضها مسلح، وتشكيلات حزبية بلا ايدولوجيات، ومقاولات سياسية، وحُزم قبلية، وجماعات عسكرية تنتصر للظالم، وشركات استحواذ تتسلط ......
طالب عبد العزيز

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

سعد سلوم في المقال السابق، رسمت صورة «مثلث المشرق» مسلطا الضوء على هشاشة الدولة السورية وضرورة إدارة التنوع، ويبدو أن ملف الأقليات في سوريا يظل الأكثر حساسية وتعقيدا. فبينما يمثل لبنان نموذجا مؤسسيا للطائفية...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram