خاص/ المدى
منذ أيام، يصطف المواطنون، في طوابير امام شبابيك البنوك بغية سحب ايداعاتهم ولكنهم تفاجأوا بان المصارف ترفض تسليم المبلغ بالدولار وانما بالعملة العراقية وبسعر الصرف للبنك المركزي.
فيما تتعكز المصارف على قرار حكومي يقضي بمنع تداول الدولار والتعامل بالدينار العراقي فقط، ما يعتبره مراقبون بداية أزمةٍ اقتصادية جديدة في البلد.
واكد البنك المركزي العراقي، يوم الخميس، ان إيداعات المواطنين في المصارف العراقية بالدولارات الامريكية حق مضمون للمواطن.
غياب المعايير
ويعاني العديد من المواطنين ورجال الاعمال في البلد غياب المعايير الدولية في المصارف العراقية بسبب ضعف الأنظمة المصرفية فيها، حيث يتم التعامل مع مصارف الدول المجاورة في تعاملاتهم التجارية والشخصية بسبب عدم ثقة اغلبهم بالمصارف العراقية، بينما يضطر المواطنون العراقيون لادخار الأموال في منازلهم بدلا من المصارف الحكومية والأهلية التي تنتشر في عموم البلاد.
مراقبون اكدوا ان ازمة الدولار وإصلاح النظام المصرفي لا يتحققان بدون السيطرة على مزاد العملة بسبب بيعه كميات كبيرة من الدولار.
عقوبات
وفرض بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك قيودا أكثر صرامة على المعاملات الدولية بالدولار من جانب البنوك العراقية التجارية في تشرين الثاني 2022 في خطوة للحد من غسيل الأموال والسحب غير القانوني للدولار إلى إيران وغيرها من دول الشرق الأوسط التي تخضع لعقوبات شديدة.
وقد تعين على المصارف العراقية وبموجب الإجراءات الجديدة تقديم تحويلات بالدولار على منصة جديدة على الإنترنت مع البنك المركزي العراقي، والتي تتم مراجعتها بعد ذلك من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي.
مسؤولون أميركيون اوضحوا، أن النظام يهدف إلى الحد من استخدام النظام المصرفي العراقي لتهريب الدولارات إلى طهران ودمشق وملاذات غسيل الأموال في أنحاء الشرق الأوسط.
فوضى مالية
الخبير الاقتصادي الدكتور احمد الحسيني يوضح لـ(المدى)، ان "أسباب ازمة الدولار هو خلق فجوة كبيرة من قبل نافذة بيع العملات بين عرض العملة الصعبة والطلب عليها، وبالرغم من ان هذا الامر كان جزءا من حل في ذلك الحين واقصد في عامي 2007-2008، حيث كانت هناك حاجة ماسة لوجود هذه النافذة (مزاد العملة)، وبهيمنة من قبل الدولة، لكن بعد ذلك تم إعطاء اجازات جدا واسعة لطيف من المجتمع العراقي لفتح المصارف الخاصة، لذلك كانت الشرارة الأولى للازمة من قبل نافذة بيع العملات".
يضيف الحسيني، ان "هناك أسباب أخرى خلقت هذه الفوضى المالية بسبب عدم سيطرة البنك المركزي العراقي على الجهاز المصرفي العراقي وأيضا كانت الضوابط والقوانين والتشريعات المنظمة لعملية تداول العملة الصعبة غير كافية ووافية بذات الوقت للسيطرة على العملة الصعبة، وكل هذه الأسباب مجتمعة أدت الى انفجار فقاعة الدولار".
"دولرة" السوق
ويتابع الدكتور الحسيني حديثه لـ(المدى) "استدعت هذه الفوضى المالية ضرورة تدخل الخزانة الامريكية باعتبار ان الدولار هو عملة أمريكية وليست عملة عراقية وبالتالي من حق الولايات المتحدة الامريكية باعتبارها المصدرة لهذه العملة ان تحافظ على عملتها لان قيمتها تعكس سيادة الدولة كما في بقية عملات البلدان الأخرى". مشيرا الى، ان "ازمة الثقة بين المواطن العراقي والنظام المصرفي العراقي ليست وليدة اليوم بل ما يقارب الثلاثة عقود، وبسبب الحروب العديدة التي خاضها العراق، وعدم استقرار النظام السياسي فيه، انعكس هذا على الواقع المصرفي، وهذه الأسباب كافية لكسر ثقة المواطن العراقي بالجهاز المصرفي العراقي". منوها الى انه "اذا حاولنا ان نستطلع اراء المواطنين فكم مواطن عراقي مستعد ان يضع امواله في المصارف العراقية؟، وانا متيقن بان من كل 10 مواطنين سيخرج 8 منهم برفضهم لإيداع أموالهم في المصارف العراقية، حيث يحدث ذلك لأسباب مختلفة منها لعدم ثقتهم بالجهاز المصرفي والنظام السياسي فضلا عن عدم ثقتهم بالعملة العراقية".
ويكمل الخبير الاقتصادي ويقول: إن "هناك ظاهرة موجودة في الأسواق العراقية تسمى "دولرة السوق"، أي ان معظم البضائع خصوصا المعمرة منها مثل السلع والسيارات والأجهزة الكهربائية والطبية.. الخ يتم تقييمها وتباع ويشتريها المواطن بالدولار وان كان يتم دفع قيمتها بالدينار العراقي لكنها قد قيمت مسبقا بالدولار، وهذه الظاهرة تنشأ من ضعف ثقة المواطن العراقي بعملته المحلية". منوها الى، ان "الحل ببساطة لدى الحكومة المتمثلة بالبنك المركزي، ففي الوقت الراهن ان من الأفضل ان تكون الحكومة هي الوكيل التجاري للتجار وذلك من خلال طريقتين، اما فتح اعتماد مستندي يكون بالسعر الرسمي للصرف وهو 1320، او انه يقوم بتوكيل البنك المركزي من خلال فتح الأخير مكاتب في المحافظات يستطيع من خلاله التجار تقديم طلباتهم بواسطة وصولات او مستندات بالسلع التي يروم التاجر استيرادها، وبذلك يتم حصر التعامل بالعملة الصعبة بيد الحكومة العراقية من جهة ودخول البضائع غير المسجلة لدى الحكومة عن طرق الكمارك من جهة اخرى، وأيضا تتم الاستفادة من قضية السيطرة النوعية ودخول المواد والسلع الخاضعة لقوانين السيطرة والنوعية، فضلا عن الخلاص من قضية المنصة او ان الشركة يجب ان تكون مسجلة مما تدفع هذه الإجراءات الشركات المتوسطة والصغيرة الى الاحتيال على البنك المركزي وحصولهم على العملة الصعبة بطرق غير مشروعة وغير قانونية".
الخلاص بالاتمتة
يختتم الحسيني حديثه بأن "أي عمل يتدخل فيه الانسان يخضع الى الفساد، فاليوم عملية اتمتة النشاط الحكومي هي الحل لكل الازمات في العراق، ونحن كدولة لا نختلف عن بقية الدول لتحقيق هذا الهدف، فوجود العقول والأدوات مثل الانترنت يحقق ذلك، وهذا المشروع ليس بصعب على الحكومة العراقية مع التريليونات التي تصرف من خلال الموازنة العامة فان تم صرف البعض منها في مشروع اتمتة النشاطات الحكومية بذلك نكون قد قيدنا الفساد وقدمنا الخدمات وهذه بداية الحل لجميع الازمات، لكن السؤال الأكبر يبقى، هل هناك إرادة وطنية فعلية لتحقيق ذلك؟، هل ان المنتفعين من الفساد سوف يسمحون بذلك سواء كانوا من الطبقة السياسية او التجار الفاسدين؟".
قرارات ولكن
واوضح مسؤول كبير في البنك المركزي العراقي أن البلاد ستحظر السحب النقدي والمعاملات بالدولار الأميركي بدءا من الأول من كانون الثاني 2024، وذلك في أحدث مسعى للحد من إساءة استخدام احتياطات البلاد من العملة الصعبة في الجرائم المالية والتهرب من العقوبات الأميركية على إيران.
ويبين خبراء اقتصاديون ان القرارات الحكومية الأخيرة جميعها تتماهى مع تهريب الدولار، ولا تخدم المواطن او الاقتصاد العراقي، بل إنها تؤدي إلى ضعف التعامل المالي ما بين العراق ودول المنطقة والعالم.
بينما نظّم العشرات من أصحاب شركات الصيرفة، صباح اليوم الخميس، تظاهرة أمام البنك المركزي العراقي وسط العاصمة بغداد مطالبين برفع العقوبات المفروضة عليهم جراء تعاملات مالية مخالفة للقانون.
يشار الى ان سعر الدولار في السوق غير الرسمية وصل إلى 1680 دينارا لكل دولار، بعد ان كان قبل الازمة مقابل 1450 دينارا.