TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > باليت المدى: الجمال هو الذي يبقى

باليت المدى: الجمال هو الذي يبقى

نشر في: 8 أكتوبر, 2023: 09:45 م

 ستار كاووش

معارض الرسم كثيرة وتقام بلا إنقطاع، حيث تفتح متاحف العالم أبوابها لتعرض أعمالاً فنية متنوعة تنتمي لكل الأساليب والمدارس والاتجاهات، ومع هذا التنوع تمضي عجلة إقامة المعارض في هذا المتحف أو ذاك دون توقف.

وهذه الأيام يُقام في هولندا معرضاً جديداً وفريداً من نوعه بكل معنى الكلمة، يحمل عنوان (ماتش). حيث تمَّ اختيار إثنتي عشر لوحة من المجموعة الدائمة لمتحف رايكس الذي يعتبر الأهم في هولندا، وتم توزيع هذه التحف على إثني عشرة متحفاً من متاحف البلد، وقد عرض كل متحف، اللوحة المختارة في قاعة خاصة، وتقابلها في نفس القاعة لوحة أخرى من لوحات المتحف ذاته، تم اختيارها بعناية فائقة لترتبط بعلاقة مع لوحة متحف رايكس، وهكذا عُرضت كل لوحتين في متحف. وبذلك للمهتمين التجول بين هذه المتاحف، لإلقاء نظرة على تاريخ الفن الهولندي، ويقارنوا بين لوحات تنتمي الى فترات متفاوتة. وقد نجحت هذه الفكرة بشكل مدهش وصار الناس يتنقلون بين اثني عشرة متحف لمتابعة هذا الماتش أو المباراة الابداعية بين كل لوحتين رسمتا بزمنين مختلفين. وقد طبع كتاب أنيق ضَمَّ اللوحات مع إثني عشر نصاً لكتّاب من هولندا حولَ تفاصيل الأعمال المشاركة والتعريف بفكرة المعرض وسبب إختيار هذه اللوحات دون غيرها. الفكرة بشكل عام تقوم على تطابق الفن وتباعدة، تناغمه وتنافره، انسجام الاعمال أو تضادها مع بعضها، وكذلك المعالجات المختلفة لموضوعات تبدو متقاربة. ومثلما تتلاقى أجيال الفنانين في المعارض فها هي هذه اللوحات الأربع وعشرين تلتقي في مناسبة واحدة رغم السنوات التي تفصلها عن بعضها، والتي تصل إحياناً الى عدة قرون.

فيعرض متحف هاينماهاوس لوحة الزفاف لفرانس هالس، ويقابلها عمل فني من نوع مختلف، وهو كأس فضي يعود الى القرن السادس عشر ومصنوع في مدينة هارلنغن الموجود فيها المتحف. وهنا يمكننا ان نرى العلاقة بين الزواج الذي رسمه فرانس هالس والكأس الذي كان يستخدم في فترة رسم اللوحة بمناسبات الزواج فقط.

ونذهب الى متحف خروننغن حيث عرضت لوحة فتاة مع وجبة الإفطار، للفنان ليوتارد، وقد عُلقت بمواجهتها لوحة فتاة عند المصحة للفنان ماتايس موريس، وهكذا نرى فتاتين من وقتين مختلفة، غارقتان في التفكير أثناء أداء اعمالهما المنزلية.

وفي متحف خارج المكان، عرضت لوحة سيرينادا لفنانة عصر الباروك جوديت ليستر، وواجهتها لوحة الفنانة المعاصرة أولغا فيسي. وهكذا نشاهد في هذا العرض المدهش كيف ان لوحة مرسومة في القرن الواحد والعشرين تقف بفخر أمام لوحة تعود الى القرن السابع عشر. وفي مدينة كامبن حيث متحف ستيدليك، إلتقتْ لوحة (مهمة الأم) للفنان بيتر دي هوس مع لوحة (عاطفة الأم) للفنان هاين كيفير، وهنا ايضاً يلتقي القديم بالجديد، لكن تبقـي المشاعر واحدة، وفي اللوحتين نرى مشاهد داخلية من منزلين هولنديين تفصل بينهما سنوات طويلة جداً، والأم وعاطفتها هي مركز اللوحتين وثيمتهما الأساسية. وكان نصيب متحف هنرييت بولاك في مدينة زوتفن، هي لوحة (الفتاة ذات الكيمونو الأبيض) الشهيرة للفنان جورج برايتنر، ومعهآ عُرضَ بورتريت ليزبيت ويزلار للفنان آري شيبرز. أما متحف ألكْمار، فقد عرض لوحة الفنان يان فان سكوريل تعود للقرن السادس عشر والتي استقى موضوعها من الكتاب المقدس، ومعها لوحة العشاء الأخير التي رسمها كورنيلس بايز. وهنا نرى التواشج والحميمية بين العملين.

وقد إختار متحف خودا اللوحة الشهيرة، فتاة باللون الأزرق، للفنان يوهان فيرسبرونك، والتي يُطلق عليها مؤرخو الفن (أفضل بورتريت لطفل في القرن السادس عشر) ومعها عرضت لوحة الشقيقتان للفنان تولين، ويفصل بين اللوحتين مائتي سنة تقريباً. وقد ظهرت الصبية في اللوحة الأولى كإمرأة صغيرة بالغة، تنظر نحو الرسام بخجل، وترتدي فستاناً مزيناً بالذهب مع ياقة من الدانتيل الساحر، فيما أكمَلَتْ مروحة الريش ترف المشهد. وفي اللوحة الثانية رسم تولين المراهقتين إليزابيت ودورا، على أريكة حمراء اللون، وقد بدتْ الفتاتان غير مباليتان بالرسام الذي كان أيضاً يعطيهن دروساً بالرسم في ذلك الوقت. الملابس السود للفتاتين ومدفئات الأذرع مع الأغطية البيض تمنح المشهد نوعاً من الدفء.

وهكذا عرضت بقية المتاحف لوحات تتداخل وتتقارب ثم تتباعد عن بعضها، لكن يجمعها الابداع وخبرات السنوات الطويلة من الرسم في هذا البلد الذي ولد فيه فنانين عظماء وكبار مازال تأثيرهم باقياً حتى اليوم. يُعتبر هذا المعرض مصباح صغير وجزء يسير من الضوء الهولندي الباهر للفن، وهو التماعة لطيفة في هذه الأراضي الواطئة جغرافياً، والعالية ابداعياً، والتي تضم أكثر من تسعمائة متحف. الفن هو الذي يبقى والجمال هو الذي يسطع وسط الظلمة، ليجمل حياتنا التي تتسارع اليوم وسط التكنلوجيا والأنترنَت ومواقع التواصل الاجتماعي. فنحن بحاجة الى هذه الواحة الملونة وهذا التوازن وهذه الفتنه العالية… وأقصد الرسم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: حكاية علي الوردي وشباب الناصرية

العمودالثامن: طائفي موسوعي

العمودالثامن: مــن ســرق أحلامنا؟

العمودالثامن: هلاوس الناطق السابق!!

العمودالثامن: مهاتير عراقي !!

العمودالثامن: هلاوس الناطق السابق!!

 علي حسين ليس صحيحاً أن الحياة السياسية في العراق كلها قاتمة، فهناك جوانب مضحكة كثيرة، بل وساخرة، ولمن لا يصدق عليه متابعة " الجنرال " السابق عبد الكريم خلف الذي كنت أظن أنه...
علي حسين

كلاكيت: المخرجون عندما يقعون في غرام الأدب

 علاء المفرجي 1 -في هذا الحيز سنسلط الضوء على بعض الأعمال الأدبية والتي عولجت في السينما، مرات ومرات، من وجهة نظر سينمائية بالطبع، وكذلك عند بعض مؤلفية هذه الأعمال، التي لم تلفت نظر...
علاء المفرجي

المقاييس العربية وأهميتها في مواجهة التحيز اللغوي في مؤشرات التأثير الأكاديمي العالمية

د. طلال ناظم الزهيري في ضوء إعمام وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية الأخير الذي يلزم الجامعات العراقية بسحب الاعتراف من معامل التأثير العربي ومعامل التأثير والاستشهادات المرجعية العربية بحجة المحافظة على الرصانة العلمية...
د. طلال ناظم الزهيري

قناطر: يحدث في ميناء الفاو الكبير

طالب عبد العزيز ميناء الفاو الكبير وما أدراك ما ميناء الفاو الكبير! كلما كثر الحديثُ عن أهميته، ونسب الإنجاز فيه كثر الحديث عن التشكيك به والتقليل من شأنه. ما ينشرُ عنه في الصحف، ويتحدث...
طالب عبد العزيز
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram