المدى/ علي الحمداني
تُقدّر أعداد العمالة الأجنبية في العراق بمليون عامل، لم يسجل منهم رسمياً في وزارة العمل سوى 103 آلاف عامل،
فيما يؤكد مختصون أن تسرب العمالة الأجنبية الى البلاد وراء اكتساح فرص المواطن المحلي، حتى بات أكثـر من 6 ملايين شاب عراقي عاطل عن العمل وفق تقديرات الجهات المعنيّة. ويشكو الكثير من الشباب من وجود العمالة الأجنبية في سوق العمل ومنافستهم على وظائفهم في القطاع الخاص، كما هو الحال مع العامل العراقي شلال جاسم (32 عاماً) من بغداد.
قصة من الواقع
يقول جاسم لـ(المدى): "كنت أعمل في إحدى محطات غسيل السيارات ومعي عدد من العمال العراقيين، لكن مع دخول العمالة الأجنبية إلى البلاد وتشغيلهم في مراكز التسويق المختلفة، بدأنا نشعر بالقلق من تهديدهم لمصادر رزقنا، وكان قلقنا في محله".
ويضيف "حيث قام صاحب المحطة التي كنت أعمل فيها بتوظيف عمال أجانب من الجنسية الباكستانية، وذلك لقبولهم بأجور أقل مقارنة بالعامل العراقي، فضلاً عن استعدادهم للقيام بأي مهام أخرى إضافية، وبالأجر نفسه".
ويوضح، أن "العامل العراقي كان يتقاضى في المحطة 20 ألف دينار في اليوم الواحد، وبعد توظيف العمال الأجانب معنا انخفضت الأجور إلى 15 ألف دينار، وبدأ صاحب العمل يقارن بين عمل العامل المحلي مع نظيره الأجنبي".
ونتيجة لقلّة الأجور، يقول جاسم: "قدمت شكوى لصاحب المحطة، لكنه قال إن العامل الباكستاني يقوم بهذا الأجر - الـ15 ألف دينار - بالعمل نهاراً والحراسة ليلاً، وقررت بعدها ترك العمل للعامل الأجنبي والبحث عن عمل آخر، في مركز للتسوق لكن المنافسة تكررت في ظل وجود الأجنبي".
استقدام العمالة الأجنبية بعد 2003
أصبحت العمالة الوافدة ظاهرة مصاحبة لحالة التطور التي يمر بها المجتمع العراقي، لاسيما بعد التحولات الجذرية التي حصلت نتيجة تغيير النظام السياسي بعد عام 2003، وتحوّل الاقتصاد من التخطيط المركزي الشمولي الى اقتصاد السوق الحر، ما سهّل استقدام العمالة الأجنبية.
ونتيجة لانفتاح العراق على العالم الخارجي، وتماشياً مع توجهات العولمة ومنظمة التجارة العالمية الداعية إلى تسهيل حرية انتقال الأيدي العاملة عبر الحدود دون عراقيل، أدى إلى فتح مجالاً واسعاً لزيادة العمالة الوافدة إلى العراق.
لكن هذا الانفتاح غير المنظم وما يرافقه من انعكاسات على الجوانب الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، يستدعي اتباع خطط وسياسات لتنظيم هذه الظاهرة والحد من مخاطرها.
عامل أجنبي يقابله 6 عاطلين عراقيين
وفي تصريحات سابقة تابعتها (المدى)، كشف رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق، ستار دنبوس براك، إن "هناك عمالة أجنبية تدخل إلى العراق دون علم وزارة العمل، وبحسب الاحصائية الموجودة لدينا فإن عدد العمال الأجانب في العراق يفوق المليون عامل"، لافتاً إلى "وجود أكثر من 6 ملايين شخص عاطل عن العمل".
ويتفق عضو لجنة العمل والشؤون الاجتماعية النيابية، ستار العتابي، مع ما قاله ستار دنبوس براك حول "هناك نحو مليون عامل أجنبي لم يسجل منهم رسمياً سوى عشرة بالمئة "، مشيراً الى "عدم وجود بيانات حقيقية عن أعداد العمال الأجانب في العراق، وعن كيفية دخولهم وبقائهم في البلاد".
فيما يؤكد المتحدث باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، نجم العقابي، أن "أعداد العاملين الأجانب الحاصلين على رخصة عمل وموافقة وزارة العمل تبلغ 103 آلاف عامل"، مبيناً أن "هناك عمالاً أجانب دخلوا البلاد عن طريق السياحة الدينية وانتقلوا إلى سوق العمل، ولا يمكن لأية جهة إحصاء أعدادهم".
آلاف المخالفين
من جهته، يقول المتحدث باسم وزارة الداخلية، العميد مقداد الموسوي، إن "مديرية الأحوال المدنية والجوازات والإقامة، سجّلت دخول ما يقارب من 12658 عربياً وأجنبياً إلى بغداد والمحافظات منذ بداية عام 2023 ولحد الآن".
ويوضح الموسوي لـ(المدى)، "أما المخالفين لقانون الإقامة مرقم 76 لسنة 2017، فقد تم القبض على ما يقارب من 7862 مخالف، وجرى تسفيرهم إلى بلدانهم واستبعادهم بعد دفع الغرامات المقررة في القانون".
كيف يمكن خفض البطالة؟
من جهته، يقول الباحث الاقتصادي، علي دعدوش، إن "عمق التفكير للشباب العراقي ينبع من الحصول على وظيفة في القطاع العام، لما لها من ميزات أهمها استمرار تدفق الرواتب فضلاً عن الراتب التقاعدي. والمتابع يعلم بأن رواتب القطاع الخاص هي أكثر من رواتب موظفي القطاع العام، لما لها من علاقة بتجدد التجارة (البيع والشراء) بصورة يومية".
ويشير دعدوش خلال حديثه لـ(المدى) إلى أن "زيادة أعداد العمالة الأجنبية تؤثر سلباً على سوق العمل، لاسيما العمالة التي لا تمتلك مهارة ولا خبرة، كونها سوف تنافس العمالة المحلية التي تعمل في القطاع الخاص غير المنظم، بالتالي يجب العمل على منع تأشيرة دخول لمثل هذه العمالة".
ويدعو دعدوش الشباب في سوق العمل إلى "استثمار المبادرات الحكومية، فضلاً عن مبادرات البنك المركزي للتوظيف والتسجيل في مواقعهم الخاصة، بما يؤمّن خلق مشروع صغير يخفض من نسبة البطالة في العراق".
نسبة البطالة 16.5%
بحسب آخر مسح نفذه الجهاز المركزي للإحصاء بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، فقد وصلت نسب البطالة في العراق إلى 16.5% بين السكان الذين هم بعمر 18 إلى 63 سنة النشطين اقتصادياً.
وتشير التقديرات الرسمية إلى أن سكان العراق وبحلول نهاية عام 2023 سيتجاوزن 43 مليون نسمة، بعد أن تجاوزوا في العام الماضي 42 مليون نسمة.
يذكر أن الشركة الألمانية "ستاتيستا" المختصة في الإحصائيات الدولية، أعلنت في تقرير سابق معدل البطالة في العراق من 2002 إلى نهاية 2021، لافتة إلى انخفاضه بنسبة 3.71% في العام الماضي 2022 لتصل إلى 15.55%.
وقالت الشركة في تقريرها، إن معدل البطالة في العراق انخفض بمقدار 0.6 نقطة وبنسبة 3.71 بالمئة في عام 2022 مقارنة بالعام الذي سبقه 2021، مشيرة إلى أن عام 2021 شهد أعلى معدل للبطالة للعراق خلال العشرين سنة الماضية والتي بلغت 16.23%.
وأضافت، أن معدل البطالة في عام 2003 بلغ 8.85%، وفي عام 2004 معدل 8.72%، ثم استمر بالانخفاض خلال السنوات اللاحقة ليسجل في عام 2012 أقل معدل للبطالة طيلة 20 عاماً، بمعدل 7.96%، ثم بدأ بالارتفاع مرة أخرى ليسجل في عام 2018 معدل 13.02%، وفي عام 2020 معدل 15.11%.
ويشير معدل البطالة إلى نسبة السكان النشطين اقتصادياً العاطلين حالياً عن العمل ولكنهم يبحثون عن عمل، ولا يشمل معدل البطالة الأشخاص غير النشطين اقتصادياً، مثل العاطلين عن العمل لفترة طويلة أو الأطفال أو المتقاعدين.
وكان تزايد أعداد العاطلين من العمل في العراق قد دفع عام 2019، إلى خروج تظاهرات شعبية واسعة، كانت نواتها من هؤلاء، وقد طالب المتظاهرون بتوفير فرص عمل وتقديم الخدمات والقضاء على الفساد.
وبالعودة إلى العامل العراقي شلال جاسم من بغداد، يقول في خضم هذه المنافسة: "بعد تركي للعمل في مركز للتسوق بسبب العمالة الأجنبية، وجدت مؤخراً عملاً في شركة كمندوب مبيعات".
لكن الهمّ لم يفارقه حتى الآن، حيث يقول بنبرة مليئة بالقلق في ختام حديثه: "لا أعلم متى يتم إنهاء عملي على حساب العامل الأجنبي".