متجاوزون على أملاك الدولة في نينوى يفجّرون  عبوات ناسفة  على الشرطة !

متجاوزون على أملاك الدولة في نينوى يفجّرون عبوات ناسفة على الشرطة !

في منطقة تل الرمان جنوب مدينة الموصل، كان جبار شكر سلمان، رافعا إصبعه ويصيح ويهدد غاضبا بقطع الأيدي التي تريد تهديم منزله المبني مع عشرات غيره في أرض كانت معسكراً للجيش العراقي السابق.

كان سلمان يرتجف من الغضب وهو يتحدث عن زيارات لمرشحين في انتخابات مجلس النواب قبل نحو سنتين، وكيف أنهم "وعَدوا بأغلظ الأيمان"، أن المنازل ستملك لهم، أو في الأقل أن أراضي سكنية ستوزع عليهم، ولكن وكما يقول فإن "الوجوه التي صارت تظهر كل يوم على شاشات التلفاز الآن كذبت علينا، ولم نرهم أبداً بعد حصولهم على كراسيهم".

الاعتصام والتظاهر لم ينفع
 سلمان وغيره في مناطق العشوائيات في شمال وجنوب الموصل خرجوا في اعتصامات وتظاهرات مطالبين بإبقائهم في منازلهم، خاصة وأن هذه الاعتصامات قابلها اعتصام آخر من موظفين وصحفيين طالبوا الدولة بإخلاء المتجاوزين على الأراضي التي وزعت لهم قبل أكثر من سنة.
 ويؤكد الموظفون المعتصمون لـ(المدى برس)، أن "موظفي لجنة رفع التجاوزات من القائممقامية وبلدية الموصل، يتعرضون للتهديد من قبل المتجاوزين"، ويتهمون مفارز الشرطة المرافقة للجنة بـ"التعاطف أحيانا مع المتجاوزين وعدم المساعدة في رفع التجاوزات"، معتبرين أن "ذلك يشجع على تفشي التجاوزات واتساع نطاقها من دون رادع".
عبوة ناسفة تؤجّل هدم التجاوزات
لكن "فشل الشرطة" في رفع التجاوزات كما يقول الموظفون المطالبون دفع قوات الجيش إلى "تخصيص مفرزة ترافق لجنة رفع التجاوزات، وتمنع الاعتداء والتهديدات عنهم"، إلا أن قائد الفرقة الثانية من الجيش اللواء الركن علي الفريجي يقول إن "رفع التجاوزات سيقتصر على مناطق في شمال مدينة الموصل"، لتبقى آلاف التجاوزات في جنوب الموصل محولة مناطقها إلى مدن صغيرة.
ومع هذا، فإن الحملة الجديدة لرفع التجاوزات من شمال الموصل بإشراف الجيش "عرقلت هي الأخرى"، كما يقول قائممقام قضاء الموصل  حسين علي حاجم.
ويلفت حاجم في حديث إلى (المدى برس) إلى أن "الإنذارات التي وجهت إلى المتجاوزين، أمهلتهم حتى يوم 18 من الشهر الجاري"، ويضيف "غير أن استهداف آمر قاطع التجاوزات بعبوة ناسفة أرقده المستشفى وهو يهم برفع تجاوزات الحدباء أجل الحملة".
ويوضح حاجم أن "رفع هذه التجاوزات إجراء صعب لأنه يجعل مواطنين عراقيين بلا مأوى"، ثم يستدرك " لكن علينا تطبيق القانون".
وينتقد القائممقام في حديث إلى (المدى برس)، الحكومة العراقية المركزية، لأنها "سحبت من رؤساء الوحدات الإدارية الكثير من الصلاحيات التي كانوا يتمتعون بها، ومن بينها إجبار القوات الأمنية الحصول على حكم قضائي قبل رفع التجاوزات"، مبينا في الوقت نفسه أن "تضارب تصريحات المسؤولين بشأن قضية التجاوزات أدى أيضا إلى تشجيع المتجاوزين على التمادي أكثر".
 ويؤكد القائممقام، "وجود (16000) تجاوز على عقارات وأراضي الدولة في عموم محافظة نينوى"، داعيا حكومة نينوى المحلية إلى "إيجاد حلول بديلة عن رفع التجاوزات، وإعادة تهجير أو تشريد العوائل المتجاوزة، واقترح بناء مساكن واطئة الكلفة، لإنهاء مشكلتهم".
المتجاوزون هجّرهم الدستور
ويطالب عضو مجلس محافظة نينوى، عبد الرحيم الشمري، المجلس، بإصدار "قرار بوقف إجراءات رفع التجاوزات"، ومنع هدم المنازل، والعمل علي إيجاد مساكن ملائمة للمتجاوزين، أو صرف مبالغ لهم، لكونهم "مجبرين لا مخيرين".
ويقول الشمري إن "المتجاوزين في نينوى هم عرب من سكان قرى شمال الموصل التي أصبحت، بعد 2003، مناطق متنازع عليها فاضطروا للهجرة نحو مناطق أخرى وعددهم يقترب من 15000 ألف شخص".
ويضيف الشمري إن "هنالك آخرين هاجروا مناطقهم في غرب وجنوب غرب الموصل، نتيجة للتصحر الذي قضى على 90% من الثروة الحيوانية هناك، ونسبة مقاربة من الأراضي الزراعية، وكثير منهم فقراء لا يقوون على إيجاد سكن، استقروا في أراض تابعة للدولة، داخل وخارج مدينة الموصل".
من جهتها، تقول سيل العمري، معاون محافظ نينوى لشؤون التخطيط، إن "فقراء ومتجاوزين جدداً ظهروا مؤخراً في نينوى نتيجةً لكوارث طبيعية ضربت مناطقها الغربية، منها الفيضانات التي دمرت نحو 1000 منزل في قرى في سنجار، والجفاف الذي أجبر آلافا آخرين  على هجرة مناطقهم في قضاء البعاج وحضر وناحية تل عبطة غرب وجنوب غرب الموصل".

"مشاريع لإسكان المتجاوزين"
 ويبدو أن هناك حلاً ما يلوح في الأفق لحل قضية المتجاوزين، إذ يقول معاون محافظ نينوى لشؤون التخطيط سيل العمري، إن "ميزانية تنمية الأقاليم التي أقرتها وزارة التخطيط تضمنت مشاريع إستراتيجية لمعالجة الفقر"، مضيفة "أن المعاونية قدمت مقترحات لتنفيذ مشاريع سكنية تتضمن دوراً واطئة الكلفة تخصص لإسكان الفقراء مما سيؤدي بالمحصلة إلى تقليص التجاوزات على  أملاك الدولة".وتلفت العمري في حديث إلى (المدى برس) إلى أن "المقترحات ستقدم إلى مجلس محافظة نينوى، للمصادقة عليها، ومن ثم سترفع إلى وزارة التخطيط لإقرارها".
لكن بالنسبة لرئيس لجنة الطاقة والخدمات في مجلس قضاء الموصل زهير الجبوري فإن رفض المتجاوزين التام ترك مساكنهم المتجاوزة، "عطل الكثير من المشاريع في مدينة الموصل وخارجها، ومن بينها مدينة رياضية شمال مدينة الموصل".ويشدد الجبوري في حديث إلى (المدى برس) على أنه "من الخطأ الحديث عن تعويضات مالية للمتجاوزين لأن ذلك سيشكل سابقة، وسيطالب المتجاوزون جميعاً بما سيعتبرونه تعويضاً"، ويوضح "مع أن معظم المتجاوزين فقراء لكن هنالك انتهازيين بينهم، يحاولون الحصول على مكاسب غير مشروعة من خلال بناء منازل بانتظار أن يتم تمليكها لهم  أو تعويضهم عنها في حال هدمت" متسائلا "ما معنى أن نجد منازل ذات طابقين مبنية على أراض تعود ملكيتها للدولة بأفضل مواد البناء وأغلاها بأحدث التصاميم".
وأعلن المجلس الوطني للإسكان حاجة العراق إلى نحو مليوني وحدة سكنية حاليا، في حين اعترفت هيئة الاستثمار بعدم قدرة العراق على بناء تلك الوحدات إلا عبر الاستثمار الأجنبي.
وتقوم منظمة المستوطنات البشرية "الهبيتات" التابعة للأمم المتحدة، بالتنسيق مع اللجنة الوطنية للمستوطنات البشرية في العراق، بإعداد دراسة حول حاجة السكن في العراق، وجمع البيانات اللازمة لها وإجراء التحليلات المطلوبة لتكون أساسا لرسم إستراتيجية الإسكان في العراق.يذكر أن تدهور الأوضاع الأمنية بعد سقوط النظام السابق في العام (2003)، أدى إلى قيام البعض بسرقة معسكرات الجيش ووزارات ودوائر الدولة ومؤسساتها الأخرى، فيما تسببت أحداث العنف التي عصفت بالعراق على مدى السنوات الماضية بتهجير أعداد كبيرة من العراقيين من مناطق إلى أخرى داخل العراق، حيث عمد البعض منهم إلى السكن في دوائر الدولة والبناء في أملاكها، بالإضافة إلى وجود أزمة سكن خانقة بسبب تزايد عدد سكان العراق ومحدودية المجمعات السكنية، إضافة إلى عدم قدرة المواطن على بناء وحدة سكنية خاصة به لارتفاع أسعار الأراضي والمواد الإنشائية.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top