ثقافة المعارضة

ثقافة المعارضة

المدىيبدو من الصراع السياسي الدائر بين أطراف العملية السياسية كما لو أن الهدف الحقيقي هو السلطة، ربما يكون ذلك صحيحا، ويتجلى ذلك واضحا في تصريحات كل السياسيين حول المناصب السيادية وغير السيادية، كما لو أن العمل السياسي في العراق،

همه وهمومه السلطة. وهذا خطأ كبير في العقلية السياسية التي تقود الصراع. حزب المفدال في إسرائيل، وهو متطرف ديني، يستطيع أن يفرض الكثير من شروطه على اكبر حزبين في إسرائيل \"الليكود والعمل\" وهو ما يطلق عليهما مجازا الصقور والحمائم، رغم أن المفدال لا يملك اكثر من ستة مقاعد في البرلمان الإسرائيلي! وهنا تتجلى حقيقة براعة المناورات السياسية، المفدال يلعب لعبته هذه لان احد الحزبين التقليديين في إسرائيل يحتاج إلى مقاعد المفدال لتشكيل حكومة الأغلبية أي \"50 +1\" لذلك يبتزهما حتى التركيع!. الجميع عندنا يتحدث عن حكومة الشراكة الوطنية، وهي تشبه إلى حد بعيد \"الديمقراطية التوافقية\"، لكن الذي يجري، نحن لا طبقنا أساليب ومحتوى التوافقية لمنع الأزمات السياسية، ولا طبقنا حكومة الشراكة الوطنية كما تتمناها جميع الأطراف، لان فهمها يختلف من طرف إلى آخر. الذي نفتقده للتخلص من عنق الزجاجة، هو الفهم الجديد للعملية السياسية الجارية في البلاد، فالجميع، مثلا، مؤمنون أن موقع المعارضة في البرلمان بل وحتى خارج البرلمان، هو تهميش وإقصاء وتدمير للعملية السياسية، لذلك، حدثت انسحابات من الحكومة لتعطيلها وليس لمعارضتها، وتحدث الآن تهديدات بالانسحاب من حكومة لم تتشكل بعد، بدل التهديد بتشكيل معارضة برلمانية قوية لإجبار الحكومة، أي حكومة كانت، على تنفيذ أهداف ربما تكون خارج برامجها. ربما يكون السياق التاريخي لتجربتنا الديمقراطية الناشئة لا يتحمل آلية المعارضات، لكن تأسيس ثقافة لهذا النوع من العمل السياسي ضرورية، وهي ثقافة وسلوك بإمكانهما تخليصنا من الكثير من الأزمات، تصور لو أن طرفا أو طرفين من كتل العملية السياسية اختار المعارضة البرلمانية سبيلا لتحقيق أجندته، نقول دون مبالغة، إن الحكومة ستتشكل خلال أسبوع وربما أيام.المعارضات السياسية السلمية في بلدان الديمقراطية أسقطت حكومات عديدة بأساليب مختلفة منها سحب الثقة أو تعطيل البرامج حتى يقتنع الجمهور أن الحكومة غير قادرة على تنفيذ وعودها، أو من خلال فضائح رشاوى أو فساد مالي وإداري. صحيح أننا بعيدون جدا على هكذا لون من ألوان العمل السياسي الديمقراطي، لكننا، صراحة، بحاجة إلى جرأة وشجاعة في اتخاذ مثل هكذا قرار، لان الذي يجري أمام الجمهور هو استعراض عضلات للحصول على أكثر عدد من المناصب، في مسرحية غير مقبولة من الجمهور الذي ينتظر حكومة قوية ومعارضة أقوى تعيدها إلى الطريق السليم إن جنحت عربتها شمالا أو يمينا!

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top