الافتتاحية:متى تتوقف شكوك مسعود بارزاني وريبته من المركز ..؟ (١)

فخري كريم 2012/12/15 02:40:42 م

الافتتاحية:متى تتوقف شكوك مسعود بارزاني وريبته من   المركز  ..؟ (١)

فخري كريم

يجري بتعمدٍ وتخطيط سياسي  تحويل أنظار العراقيين الى إقليم كردستان، لا لإبراز انجازاته " كامتدادٍ للعراق "، بل بإظهاره كمحورٍ للمشاكل والتوترات،

وربما كعاملٍ معرقلٍ لخروج العراق من حالة البؤس والتدهور والفاقة وغياب الامن والاستقرار.!

وكثيراً ما تُطرحُ تساؤلات مريرة، حول دوافع السيد مسعود بارزاني من حال التشدد بل والتطرف في الموقف من سياسات المركز وتدابيره، والاهتمام دائماً بما يخص اقليم كردستان دون سواه من مناطق العراق الاخرى والاشكاليات التي تعاني منها. ولا يتوقف التساؤل عند هذه الحدود فحسب، بل يتمادى حين يتحول الى تشكيك كلي بما يدور في الاقليم  من اعمارٍ واستثمارٍ وبناءٍ وتدابير لرفع مستوى الامن والامان فيه، كما لو ان ذلك ليس سوى خطواتٍ نحو بناء الدولة الكردية وتقسيم العراق. بل ان الشطط يبلغ بالبعض حد اعتبار هذا التطور الجاري شكلاً من اشكال " التحريض" على المركز والفات نظر المواطنين الى عجز الحكومة الاتحادية في بغداد عن تلبية تطلعاتهم، بل قد يتجاوز الامر ذلك الى تفسير  هذا البعض ان الاقليم يحاول تحريض العراقيين في المحافظات الاخرى للحذو حذوهم.

ان كثرة من ردود الافعال التي تصدر عن الاقليم تحتاج الى اعادة نظر، وعدد من الاجراءات  تبدو في حالة عدم انسجام من حيث الشكل مع الدستور، مثل قضية النفط والشركات المتعاقدة على استخراجه، وقد يبدو مثيراً بعض الاجراءات الامنية التي تتخذها الاجهزة المسؤولة عند مداخل الاقليم، ومثلها ما يتعلق بضمانات الاقامة والتملك والعمل، مع العلم ان في الاقليم اكثر من 200 الف مواطن عربي من جميع المحافظات العراقية بينهم عشرات الالاف يتملكون فيللا وشققا سكنية واستثمارات في مختلف المجالات، اضافة الى 40 الف مسيحي ارغموا على الهجرة من مناطق البلاد المختلفة ووجدوا الرعاية والحماية في الاقليم.

كل هذه الاجراءات هي مظاهر لوضع انتقالي غير طبيعي. لكن ما يشكل اساءة للاقليم وتوجهاته، تضارب التصريحات وتناقضاتها وتعدد الناطقين ومستويات حضورهم وتركيزهم الدائم في بغداد، خصوصاً اعضاء مجلس النواب الاتحادي  حتى عند مناقشة القضايا العراقية على الجانب المتعلق بالاقليم فقط، كما لو انهم غير معنيين بالشأن العراقي وهموم العراقيين، ما يشكل مادة دسمة للمغرضين الذين يتعكزون عليها، والايحاء للرأي العام العراقي بتفسيرات لا مصداقية لها حول حقيقة موقف الاقليم وقيادته. وقد تبدو الصحافة الكردستانية غير مبالية بالشأن العراقي  او قليلة الاهتمام بجوانبه المختلفة، وعند مناقشة ما يدور من خلاف حول الاقليم وسياساته ومواقفه، تأخذ معالجاتها حيزاً لا يخرج عن حدود الاقليم دون ربطها بما يدور من حوله في العراق الاتحادي وما يرتبط بالمعاناة التي تخص أشقاءهم العراقيين. 

لقد ساهمت قيادة الاقليم والشعب الكردستاني بكل تجلياته، في النضال والتضحيات ضد الدكتاتوريات واسقاط آخر معاقلها المنهارة، واحتضنت قيادات المعارضة العراقية وقدمت لها كل دعم سياسي ومادي، ومن جانبها، قدمت القوى الديمقراطية العراقية تضحيات  جسام في الذود عن الشعب الكردي والانخراط في نضالاته المسلحة في مختلف مراحل كفاحه، لكن القيادة الكردستانية. للأسف لم تواصل الاهتمام بتحالفاتها مع القوى  الديمقراطية، والانتباه لما تواجهها  من صعوباتٍ وتعثرات، وبدت في احيان غير قليلة كما لو انها لا تكترث بها  اصلاً، على اساس انها لم تعد تشكل قوة فعل في المعادلة السياسة التي نشأت بعد  صعود الاسلام السياسي بتركيبته الطائفية والمذهبية.

ويمكن القول انها وقعت هذه المرة ايضاً في خطأ استراتيجي يتمثل في النظر الى القوى المحركة وتوازناتها ودورها، ليس بوصفها  كائنا متغيرا  بل كحقيقة جامدة، تعكسها حالتها الظاهرة. كما ان الانخراط دون توازن في تحالفات  طائفية، رغم ان  التحالف مع قوى منها في ظرف معين صحيح، لكن اعتبارها قاعدة ثابتة للعمل والنشاط  وتزكية توجهاتها دون تمحيص  ودون الأخذ بدواعي ما يجري فيها ومن حولها من متغيرات ومصالح أدى الى تشوهات في الحياة السياسية عبر تكريس المحاصصة الطائفية  ونسيان مقتضيات العمل للانتقال الى دولة المواطنة المتساوية، وما تقتضيه من تحولات سياسية ديمقراطية.

ومن بين الأخطاء الفادحة لبعض القيادات الكردستانية التي ظهرت بعد سقوط النظام السابق الاستخفاف بالعمل الفعال في بغداد  وعدم ايلاء اهتمامٍ استثنائي بكل ما يدور فيه من تغيرات وتتخذ فيه من اجراءات ومن قوانين وغير ذلك، من منطلق تكريس الجهود بالشأن الكردستاني. وقد  رافق هذا الخطأ الفادح  الصياغات المخلة للخطاب الكردستاني في غالب الاحيان.

ومن بين هذه الاخطاء  ما يتعلق بردود الافعال حول مزاعم حكومة المالكي حول عقود النفط والغاز  على سبيل المثال. فبدلاً من تسليط الضوء على تمنع البرلمان، ليس بمعزل عن ضغوطات كتلته، لإقرار قانون النفط والغاز الذي جرى الاتفاق على صياغته منذ عام  ٢٠٠٧، ظلت المحاججة تدور حول حق  الاقليم في القيام بذلك، والحال ان اقرار القانون من شأنه خدمة الاقليم اكثر من الابقاء على الوضع الملتبس الراهن، وهو ما تحرص عليه حكومة المالكي لغرض مواصلة توجيه الاتهام الى حكومة الاقليم بخرق الدستور والزعم بالتصرف في الثروة الوطنية الخاصة بكل العراقيين  دون الاشارة الى ان النفط المستخرج يصب في انابيب الحكومة الاتحادية ويسوق من خلال شركة سومو الاتحادية  وعائداتها تدخل  في الخزانة المركزية.

ويظل بعد هذه الاستدراكات  ما يدور في بال الرئيس مسعود بارزاني من شكوك وهواجس  تدفعه الى التوجس من نهج حكومة المالكي  و التي تدفع الى ردود افعال، قد لا تُفهم  او تثير الالتباس، وتشكل ما يشبه كمائن، يعتاش عليها اركان المالكي والمحيطون به.

واذا كانت تحفظات بارزاني وشكوكه حول النوايا المبيتة  قبل شهور محط اعتراض، فان ذلك سرعان ما تراجع بعد ان  اسفر  المالكي عن وجوهه الخبيئة ومزاعمه وتوجهاته المعادية للشعب الكردي  وبعد ان اتخذ  استهدافه لوجوده مظهر التلويح  بقوة الجيش المغرق  بعناصر البعث الصدامي  والاعلان السافر الذي لم يجرأ عليه صدام حسين نفسه بالتشكيك بالطابع الكردستاني  للمناطق المستقطعة من الاقليم، والظهور السافر  لنواياه الشوفينية المقيتة  وتحريضه على اثارة الفتنة  بين الطوائف وادعاءاته الزائفة المكشوفة حول احتضان المكون السني، كل ذلك عزز من شكوك حكومة الاقليم وكل القوى والاوساط الشعبية في الاقليم.

لكن الخطأ في هذا السياق هذه المرة ايضاً يكمن في عدم التركيز بوضوحٍ وشفافيةٍ، على الاطار العراقي كأساسٍ لمعالجة كل ما يعترض الوضع برمته وعواقب ذلك على اقليم كردستان والعملية السياسية الديمقراطية ومآلها.

تعليقات الزوار

  • الاستاذ الدكتور محمد معارج

    مع كل الود والاحترام للاخ ابو نبيل ولكن يؤسفني القول بان طرح مثل هذه الافكار من قبله او من غيره جاءت متاخرة وان السكوت عن ما يجري في العراق عموما كانت ولاتزال من الاسباب الرئيسية لهذا التمادي لسياسي وامراء الطوائف والابتعاد عن مفهوم الوطنية وحقوق المواطنة

  • سعد الساعدي

    لقد حاول السيد رئيس التحرير تأكيد موضوعيته من خلال خلال تناول الازمة بين الاقليم والمركز ففي الوقت الذي تناول في مقالاته السابقة مواقف رئيس الوزراءونواب دولة القانون بالنقد اللاذع والهجوم الشرس وطالب بلجم الرئيس وحاشيته ..حاول ان يتوجه بالنقد الاقليم والس

  • سالم بغدادي

    مقال متميز فعلا وهو قد يبدو جلدا للذات ولكنه تشخيص بحاجه الى مراجعه عميقه. الاستاذ فخري كريم ينطلق من متبنيات حريصه على مستقبل الوضع الكردي في عراق مابعد سقوط الدكتاتوريه معتبرا ان مصلحه الكرد تكمن في عراق ديمقراطي قوي يستطيع حمايه نفسه ومكوناته وان اي تق

  • حسن مشكور

    المقال باخذنا الى حد الاشتداد اذ لا قرار نحن ابناء الجنوب العراقي انخرطنا بالعمل الوطني والديمقراطي منذ مراحل الدراسة الابتدائية وتعلمنا من معلمينا حب الحياة والناس وكذلك الدفاع عن القضية الكردية وخرجنا نطالب بالسلم في كردستان واصبح اليقين لنا ان حل القض

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top