لا يمكن تخيل مصر إلا دولة مدنية

لا يمكن تخيل مصر إلا دولة مدنية



لأنها مصر المختلفة، عنا، نحن أبناء الشرقين الأدنى والأقصى، فتاريخها فرعوني يمتد بعيداً في آلاف القرون، قيل عشرة وقيل خمسة، وحتى لو قيٍل ثلاثة أو اثنين فهي مرجع حضاري للعالم بأسره.

أما ثقافتها فمتوسطية نهلت من اليونان والرومان ومن ثم إيطاليا، وتداخلت الضفاف، رغم البحر الأجاج، العريض، الخالد، فهذا قسطنطين كفافيس، اليوناني، ابن الاسكندرية، وذهب أحد أكبر أستاذتها إلى أبعد من هذا، وهو طه حسين الذي قال بعدم عروبة مصر، أصلاً، في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" سنة 1938، مصر ثقافيا وحضاريا، "هى دولة غربية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من دلالة. فالعالم ينقسم إلى حضارتين لا ثالث لهما. الأولى، تأخذ جذورها من الحضارة المصرية القديمة وفلسفة اليونان والقانون الرومانى والثانية تأتى من الهند.. وإذن فالعقل المصري القديم ليس عقلا شرقياً اذا فهم من الشرق الصين واليابان والهند وما يتصل بها من الاقطار".. وفي صبانا شاهدنا سينما مصر وفيها شخصيات يونانية تتحدث العربية المكسرة، وسينما مصر زخرت بصور المدنية الحديثة فلا تحتاج إلى أن تبحث عميقاً لتعرف من أزياء الممثلات والممثلين وأغاني المغنين وموسيقى الموسيقيين، وحفل أم أكلثوم الغنائي صوراً للمجتمع المصري المدني فلا ترى محجبة واحدة بين مئات النساء الحاضرات الحفل.. وفي الأدب والعلم كانت مصر السباقة، بل لم تزل، وهي تسترجع مدنيتها الراسخة بمواجهة فاشية دينية، سلفية، بلطجية، متفشية، ويقف مثقفوها في قلب أحداث مصر اليوم، عندما صارت وزارة الداخلية مؤسسة سيادية ورمزاً مقدساً من رموز الدولة، بينما المحكمة الدستورية تتعرض لعدوان حزب رئيس الجمهورية ومن معه في خظواتهم الأولى نحو استبداد ديني مدروس وهدف آيديولوجي معلن.
شهادات ومواقف
"ألقى بمسؤلية ما يحدث، هذه الأيام،  "على كل القوى السياسية وليس فقط على الإخوان والرئيس ، لأنهم شاركوا أيضاً في ما حدث من سفك لدماء وفوضى، مضيفا أن الشهداء من الجانبين فلابد أن نراعي كل الجوانب ونتسم بالعدل حينما نحلل الأحداث ولا نحمل الأخوان والرئيس والحكومة، وحدهم، على رغم تحملهم المسئولية الأساسية وبعد ذلك ما يستدعي المسئولية الأساسية من تبعيات القوى السياسية الأخرى" - صلاح عدلي السكرتير العام للحزب الشيوعي المصري.
 تصريح شجاع لأن القوى السياسية المصرية الفاعلة، بمجملها لم تنقل اللحظة الثورية إلى نقطة الحسم الضرورية، بسبب تفككها وضعفها الجماهيري وغياب برنامجها الوطني الواضح وهدفها المفترض: الدولة المدنية التي هي الكيان الوطني السياسي والقانوني حاضن الجميع من دون تفريق أو إقصاء أو تمييز، وعلى أساس صفة مواطن حر في دولة حرة تؤمن بـ، وتؤمّن، السلام والأمن والديمقراطية لممارسة الحياة العامة، بما في ذلك انتخاب الحكومة والمشاركة فيها لإدارة المجتمع.
لا يمكن تخيل مصر إلا دولة مدينة، وهو خيال لا ينطلق من الماضي السعيد لهذه البقعة المباركة قدر ما يعززه تمسك فئات واسعة من الشعب المصري التي قد تكون خسرت معركتها مع نظام حسني مبارك، لأسباب عديدة، لكنها تستعيد صورتها اليوم بتمسك المصريين في ميدان التحرير في صفحة ثورية جديدة لاستكمال مشوار الثورة، نحو الدولة المدنية الحقيقة لا الخيال.. بعيداً عن خلط الدين بالسياسة وابتعاداً عن احتياز الدولة والمجتمع وقسره دينياً وفق آيديولوجية حزبية واحدة ووحيدة، ليصبح الدين "شأناً" سياسياً يسيء استخدامه (ويسيء له) المتدينيون أكثر من غيرهم.
"أحمل رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسى مسئولية دماء المعتصمين.. سيكون الثمن باهظًا يا مرسى.. مرسى مثل مبارك سيعين رؤساء الأجهزة الرقابية، هل يستطيع رئيس جهاز رقابى عينه مرسى أن يعترض على ميزانية الرئاسة أو تمويل الإخوان..دستوركم باطل. – الروائي علاء الأسواني.
"التأسيس لدكتاتورية سياسية دينية وانقسام المجتمع المصرى.. فى سابقة هى الأولى من نوعها فى تاريخ مصر، وبعد ثورة عظيمة جعلت من الحرية والمساواة هدفها الأسمى، وضحى من أجلها الآلاف من شباب مصر العظيم، أصدر رئيس الجمهورية إعلانا دستوريا يكفل له الجمع بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتأمين الحصانة له، وعدم جواز الطعن على قراراته ما صدر منها، وما هو آت فى سابقة دكتاتورية غير مسبوقة فى التاريخ الحديث.. دعا حزب الرئيس، ومن يحالفه إلى تظاهرات مؤيدة لقراراته، فى مواجهة تظاهرات المعارضة، على عكس ما هو معروف فى تاريخ الأمم الديمقراطية، من أن المظاهرات والاحتجاجات هى لمن ليسوا فى الحكم" - بيان نادى القلم الدولي برئاسة الكاتب إبراهيم عبد المجيد.
مثقفو مصر يقفون إلى جانب شعبهم الغاضب، غاضبين، لا انفكاك بين الثقافة والسياسة عندما يصبح الوطن على حافة الهاوية، ومن هنا لا يمكن أن نتخيل مصر إلا دولة مدنية، حتى لو طوى العسكر ، منذ يوليو (تموز) 1952، أو حاولوا تغييب مدنية مصر ومسيرتها الخلاقة، وإرغامها على أن تكون دولة بوليسية يقودها دكتاتور مهووس بعنصرية قومية أراد لها أن تشمل الوطن العربي كله، فسقط بعد أول معركة مع أعداء القومية العربية في إسرائيل.
مصر تستعيد صورتها طال الوقت أم قصر، طالما يتمسك أبناؤها بالروح المدنية للدولة ويخوضون معركة الديمقراطية إلى جانب شعبهم.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top