متى نكبر؟

سعدون محسن ضمد 2012/12/28 08:00:00 م

متى نكبر؟

تعرَّفت، بحكم انتمائي لبلد تسكنه أغلبية عربية مسلمة، على الكثير ممن يعيشون أوهام المؤامرة، ممن يعتقدون بأن العالم لا هم له إلا الجلوس في الغرف المظلمة من أجل حياكة المؤامرات التي تستهدف عروبتنا وديننا وثرواتنا. لكن أطرف هؤلاء كان استاذاً في السياسات الخارجية، تعرفت عليه في اربيل خلال اشتراكي بمؤتمر عقده نشطاء مدنيون، ومكمن الطرافة أنك تنتظر من المختص في السياسات الخارجية أن يعطيك ما هو أكثر من المؤامرة عندما تسأله عن أسباب تردي الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في العراق. تنتظر منه أن يعطيك سبباً يليق بمختص، لا أن يردد أمامك، وبشكل ببغائي، كلمة واحدة؛ الغرب الغرب الغرب....
الغرب هو الذي استبدل الحكم العثماني باحتلال غاشم واستبدل الاحتلال بملكية عميلة، ثم اغرى الضباط بالانقلاب من أجل أن يشغلنا بالقلاقل ويسرق ثروتنا بهدوء، ثم ورطنا مع إيران ثم مع الكويت، ثم احتلنا من جديد تحت ذريعة انقاذنا من صدام، ثم فتح حدودنا أمام المتطرفين ليعيثوا خراباً في بلدنا ثم ثم ثم الخ.
كل شيء ممكن في (مخلمة) التحليل هذه إلا أن نتحمل، ولو بشكل صغير، جزءاً من مسؤولية مصائبنا! الطائفية جاء بها الغرب، و"ملحمة" الحواسم سببها الغربي الذي فتح أبواب المؤسسات أمام فقراء الشعب لينهبوها، وأخيراً الغرب هو الذي لا يسمح بالرخاء الاقتصادي خوفاً من ماردنا الذي سيلتهمه إذا استيقظ.
العجيب أن أمثال استاذ السياسات الخارجية هذا، يُحكمون رصَّ الأحداث بشكل يجعلك تقتنع أن ثمة مؤامرة بدأت منذ فجر التاريخ وستنتهي يوم القيامة، سيناريو يُحكم كتابته وتنفيذه رجال لا يراهم أو يشعر بوجودهم أحد. الأحداث مرتبة ويجري تنفيذها على واقع اشبه بالمسرح الذي يتقن ممثلوه الانضباط لأدق الحركات والسكنات المرسومة لهم.
سالت صديقي هذا في احدى الحوارات التي جرت بيننا على الانترنت بعد أن فارقته: لماذا لم تستطع العلوم الإنسانية، بما فيها علم السياسة، أن ترسم خططاً تنموية يجري تنفيذها بشكل دقيق للنهوض بواقع البلدان المتخلفة؟ فقال: لأن المجتمعات البشرية لا تشبه الأشجار أو الصخور، ولذلك لا يمكن أن نتكهن بما سيؤول إليه مآلها. ومهما وضعنا خططاً محكمة فنحن لا نستطيع أن نضمن نتائجها، إلا بنسب قليلة. ثم اردف: لا يمكنك أن تضمن الرخاء الاقتصادي بمجرد التحول إلى نظام السوق الحر، مثلاً. إذ قد يؤدي هذا التحول إلى انهيار البلد. الحراك الاجتماعي موضوع معقد ولا يستطيع أن يضبط ايقاعه أي أحد. فعاجلته قائلاً: طيب لماذا لا تستطيع خطط التنمية أن تسوقنا لرخائنا بينما تستطيع خطط المؤامرات الغربية أن تسوقنا لخرابنا؟! عندها أحسَّ صديقي بالمأزق، لذلك حول الموضوع إلى مزحة اتهمني خلالها بمحاولة إنقاذ مجرمي الغرب من جرائمهم، فقلت له: لا يا صديقي، لكن تحميل الآخرين كامل المسؤولية عن عطالتنا وفشلنا، يجعلنا كسالى وخاملين، ويصور لنا العالم وكأنه لعبة كبار، لا دور لنا فيها إلا تنفيذ الأدوار.

تعليقات الزوار

  • حسين

    I like it

  • ali

    الاستاذ سعدون المحترم/كلامك جميل ولكن الا تعتقد ان خيوط اللعبة (الاساسية) تكون بيد الدول العضمى (غالبا)( لما تمتلكه من امكانيات كبيرة )وتترك للشعوب باقي التفاصيل وحسب التكوين الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للبلد نفسه/مع فائق الاحترام

  • كاظم الأسدي

    نعم وصحيح جدا أن الآخرين لايتحملون كامل المسؤولية عن عطالتنا وفشلنا، لكن ذلك لايبرء ساحتهم ولاينفي دورهم التآمري لتحقيق مطامحهم الإقتصادية في ثروات البلدان المتخلفة ؟ في الوقت الذي لاننفي فيه تخلفنا وكسلنا وقصر نظر قوانا السياسية المخلصة وتخلخل الثقة في

  • MOhammed SHukur

    بالامس كثر الحديث عن صدام وطغيانه وكانت الاراء الساده تتجه نحو ملخص ان الشعب هو من صنع هذا الطاغي والهه . فهل حقا نحن شعب صانع للطغاة نستولدهم من رحم بدويتنا ودهاليز ديننا العظيم . نعم نحن شعب تعلمنا التطرف في كل شي حتى عُرف التطرف بنا وبالفطرة ؟ هل كا

  • ابوحسين الخزعلي

    نعم مسؤليتنا كبيرة نحن شعب نتحرك ببط او فوضى لم نستطع اخراج قادة لكونهم ينتهون في خضم الفوضى بالقتل ولولا النفط لكنا في خبر كان ومقارنه بسيطة بيننا والشعب الصيني سنكون في اسفل السلم تحياتي لك ولكل المتنورين امثالك

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top