هل سبب تيهنا الآن جدل العلاقة بين القومية والإسلام؟

هل سبب تيهنا الآن جدل العلاقة بين القومية والإسلام؟

شاكر النابلسي قبل الخوض في جدل العلاقة بين الإسلام والقومية، دعونا نسترجع، ما قاله ساطع الحصري المفكر القومي اليمني/العراقي، و(فيلسوف القومية العربية) في محاضرة ألقاها في عام 1948، حيث يقول: أظن أن كل من يقارن بين أحوال العالم العربي الآن وبين الأطوار التي مرّت بها بعض الأقطار، يضطر إلى التسليم، بأن فكرة \"القومية العربية\" لا تزال في حالـة نـزاع وكفاح مع النـزعات الإقليمية. إنها لم تتغلب على تلك النـزعات، ولكنها لم تستسلم لها، ولم تكفَّ عن مصارعتها ومكافحتها (\"محاضرات في نشوء الفكرة القومية\"، ص 170).

فهل ينطبق هذا الكلام الذي قيل قبل أكثر من نصف قرن على واقعنا الحالي، ونحن على عتبات القرن الحادي والعشرين، وكأن لا شيء قد تغير فينا حتى الآن، بل ازددنا إقليمية وتعصباً عما كنا عليه في النصف الثاني من القرن العشرين؟إن القارئ الذكي يدرك أن الحصري كـان صادقاً، ولكنه كان متفائلاً كثيراً، حين أكد أن الحركة القومية لن تستسلم، ولن تكفَّ عن المصارعة والمكافحة في معركتها مع النـزعات الإقليمية. ولكن ما شهدناه في نهايات هذا القرن، قد خيّب آمال الحصري فينا وفي حركة القومية العربية ودعاتها وطوائفها وعشائرها المنتشرة في أنحاء الوطن العربي، والتي يدافـع كل منها عن ماء القبيلة وحدودها، والذي عبَّر عنه الشاعر العراقي المعاصر عبد الوهاب البياتي (1926-1999) بقوله في ديوانه (عيون الكلاب الميتة، ص 23): طحنتنا في مقاهي الشرق حرب الكلماتوالسيوف الخشبيةوالأكاذيب وفرسان الهواءشغلتنا التُرهاتفقتلنا بعضنا بعضاً وها نحن فتاتجدل العلاقــة بين القومية والإسلامظلت العلاقة بين الإسلام وبين القومية العربيـة لدى معظم المفكرين العرب ملتبسة وغامضة وغير محددة الملامح منذ نهايات القرن التاسع عشر عندما ظهرت أولى بواكير الدعوة القومية وإلى الآن.فمن الصعب أن نعزل الإسلام عن الحركة القومية. ومن هنا كـان الإسلام في فكر بعض القوميين يحتل المرتبة الرابعة من عناصر التكوين القومي بعد الجغرافيا واللغـة والتاريخ. في حين اعتبر مفكر وسطي توفيقي كحازم نسيبه أن الإسلام ركن أساسي من أركان بناء الدولة والتاريخ القومي والحضارة كذلك. وقال المفكر الفلسطيني/السوري فايز صايغ (1922-1980) مردداً صدى أقوال المؤرخ والمستشرق الإنجليزي جب Gibb من أن المسلم وغير المسلم لا يمكنه أن يخطئ إدراك ومعرفة أن البعث القومي كان مع ظهور الإسلام. وأن الإسـلام رسَّخ تلك الحضارة التي بناها العرب في العصر الذهبي. كما أن الإسلام هو الذي شكَّل الحياة العربية الآن بجميع أبعادها. وقد أقر صايغ بأن دور الإسلام في الحياة العربية يمثل جذر وأصل القومية العربية والحضارة العربية. كما أن الإسلام يمثل رؤية العرب إلى العالم وإلى الحياة. ولكن صايغ أدرك أن الدعوة القومية في العصر الحديث لم تنشأ بفضل الإسلام ولكنها نشأت بفضل القيم والأفكار العَلْمانية الغربية.إلا أن بعض المفكرين في هذا العصر عادوا وربطوا الفكرة القوميـة بالإسلام من جديد كما كان الشأن في الماضي. وقال بعض المفكرين في هذا العصر أن القومية العربية قد نشأت مع بزوغ فجر الإسلام، حيث ظهـر الإسلام عن طريق نبي عربي، بلسان عربي، وعلى أرض عربية.لماذا التوفيق والربط بين الإسلام والقومية؟كانت لمحاولة عدد من المفكرين العرب التوفيق والربط بين الإسلام والقومية في هذا العصر أسباب عدة منها:1. الارتباط التاريخي بين الإسلام الذي كرّس سيادة قريش كقـوم دون غيرهم، وحصر الزعامة السياسية في أبنائها. وقد تمَّ لقريش ذلك، فحكم أبناؤها من خلال الدولة الراشدية والدولة الأموية والدولة العباسية والدولة الفاطمية ما يقارب ألف عام. وكان بين الإسلام والقومية تماثل وتقاطع وتكافل خلال هذه الفترة. وظلت زعامة قريش بعد ذلك -كرمز للقومية - في الوعي القومي العربي سائدة على مر التاريخ العربي وحتى العصر الحـديث، حيث كان يناجيها مفكرو عصر النهضة من حين لآخر، ومنهم عبد الرحمن الكواكبي الذي كان يردد في مطلع هذا القرن بحماسة شديدة:\"إني أحب العثمانيين للطف شمائلهم، ويقظة الشعائر الدينية. ولكن النصيحة للدين تستلزم قول الحق، وعندي أن آل عثمان العظام أنفسهم إذا تدبروا، لا يجدون وسيلة لتجديد حياتهم السياسية أفضل من اجتماعهم مع غيرهم على خليفة قرشي.\" ( الأعمال الكاملة، 315).وكان الكواكبي قد قال من قبل، ومن بعد:\"أن كتب الفقه الأساسية تذكر أن من بين شروط الخلافة النسب القرشي\" (أم القرى، ص 206).وقـد التقط الهاشميون في بلاد الشام والعراق والعلويون في المغرب الذين يعتبرون أنفسهم من قريش ومن آل البيت، مقولة الكواكبي هذه، وتمسكوا بها، ونادوا بها، وكتبوا عنها، بأن ربطوا ربطاً محكماً بين العروبة والإسلام لهذا الغرض، ولتحقيق المُلك العضوض الذي قال به معاوية بن أبي سفيان (603-680) . فالملك عبد الله بن الحسين الأول (1882-1951) ملك الأردن يكتب قائلاً:إن أول مبدأ لحياة العرب السياسية الرضوخ للقرآن والسنَّة.كذلك ربط نوري السعيد (1888-1958) رئيس وزراء العراق الهاشمي في \"الكتاب الأزرق\" القومية العربية بشعور الأخوة الإسلامية، كما يقول المؤرخ المعروف البرت حوراني ( \"الفكر العربي في عصر النهضة\"، ص 355).2. زادت اللغـة العربية والتي تعتبر لغة الإسلام وعباداته وكتابه من خصوصية العلاقة بين الإسلام والقومية العربية. واللغة العربية هي أول العناصر المكونة للقومية العربية كما أجمع بذلك المفكر

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top