خزعل الماجدي..  محاولة فـي اصطيـاد النسيـم

خزعل الماجدي.. محاولة فـي اصطيـاد النسيـم

علي حسن الفواز خزعل الماجدي شاعر بالغ الحساسية، يستفزنا في قراءته دائما، تلك القراءة المفتوحة على الغواية

  يكتب بسخاء وكأنه متعدد الاصوات، يحتفي بكل شيء، اليوميات، الاساطيرالجسد، ثوب المرأة وعريها، يتلذذ بهذا الاحتفاء، حتى يبدو مشبوبا بهذا التلذذ حدّ الانصات الى اصواته الداخلية، السرية الصاخبة في شهواتها وسيولتها.لذ أحسبه الشاعر المسكون بشهوة الانصات، والذي يتلمس الطريق الى القصيدة، اذ يمارس عبر سيرتها مغامرته في التأمل والحلول، تستغرقه لعبة هذه السيرة بنوع من الخصب البالغ الحساسية، له دائما مجساته الداخلية، تلك التي ينشد من خلالها على طريقة العرفانيين نشيد مزاميره الباعثة على  الشغف والمحو والتلذذ والتغوّي، يحمل الكثير من الاحلام الفائقة، وربما يحمل الكثير من الامنيات، والطريق الى الامنيات لايمرّ الاّ عبر تلك الاحلام.ربما هو اكثر شعرائنا انصاتا الى صوت (المستقبل) اذ يهجس عبر بياناته الغامرة، بياناته التي تضعه دائما عند الحافات، حافة الشعر، والحلم، واللغة، والسحر، لذا هو الاقرب الى كاهن اللامرئيات كما يؤطره بتسمية شبيهة الشاعر والاس ستيفنسن، حيث تكون اللامرئيات هي هاجسه المثير للقلق والرعب والتجاوز..  فكيف بهذا الشاعر المحتشد والمسكون بمستقبله واحلامه وانصاته وامنياته ان يفقد في لحظة فاجعة القدرة على مواصلة الحلم وعلى التمني، ويتحول الى صانع مندبات ورثائيات واسئلة مريبة، احسبها مندباته ورثائيته وموت انصاته ونشيده؟ الشاعر خزعل الماجدي  ادرك منذ مغامراته المبكرة ان الشعر هو لعبة في ابتكار الطرق الى سرائر العالم والكتابة والتاريخ والجسد و كل مايحوطها، وهذه اللعبة ليست الاّ  لعبته الحاذقة والغمضة المتسعة لهجرات غامضة في اللغة والاساطير والشفرات، تلك التي لا يعرف اسرارها وشفراتها الاّ هو، اذ يتصور ان هذا العالم اسطورة خلق كبيرة، وان الطريق لانسنة توحش غيلانها وانصاف الهتها وكهانها وبغاياها  ومعرفة اسرار مدوناتها ولقاها وتعاويذها  هو الطريق  ذاته المؤدي الى كشف جوهر الانسان، هذا الانسان المتسائل والمعذب والمؤمن والشكاك، صانع الاخطاء والحروب والفجائع.. لعله ادرك مبكرا ان الشعر هو ايضا سر معرفته، وعمق مايمكن ان يمثله سحره الخاص من علامات واصوات محمولة استعاريا على شحنات عالية من التأويل، تلك التي تجعله الاكثر قدرة من شعراء العراق على تلمس الطريق المضاد للحرب والموت،  فضلا عن ما يمكن ان يتمثله  رمزيا في مواجهة عوالم غائرة في المكان وطغيانات لاتؤمن الاّ باساطيرها، تلك التي اصطنعت لها حيوات وامجاداً ضالة وبطولات واوهاماُ.الماجدي يبحث بطولات غير ارضية، بطولات تؤمن بعظمة الجسد، وسحر لذته. هذا البحث هو الذي اسبغ على اشتغالاته الاركيولوجية نوعا من المعرفة التي تجسّ الاثر عبر مايتركه من نصوص،  هذه النصوص هي سر ما تركه  لنا انسان  تلك البطولات على الواح الطين ورقى المعابد المقدسة وسير الملوك الابطال، والتي تحولت الى  جزء من سر شعريته  وشفرة عشبة روحه القلقة ونزوعها الى  وهم الخلود، ربما ادرك الماجدي ان هذا الشعر هو الوحيد الذي يملك خاصية تدوين ما يهجس به الانسان، حيث نجد ان كل هواجس هذا الانسان واثاره وعلاماته متروكة على شكل علامات ورموز تشبه مسامير الشعر تماما..  الماجدي يكتب فجيعته الاخيرة، يستعير لها عصا يعقوب وقميص يوسف وعكازة رامبو، يرحل بحثا عن جبّ لايعرف طريق الحرير المؤدي اليه، وعن سيّارة ضلّوا كل الطرق القديمة، مثلما تاهوا في شوارع المدينة الضاجة بالمحاربين واللصوص وفقهاء الظلام، ينشد مساره العرفاني  الى زقورات اور واريدو، وخانات بابل، ومعابد لكش، ينوح عند لعنة الاله مردوخ وكأنه يبكي نفسه. في قصيدة (خطف النسيم) يستشرف الشاعر رؤيته الكابية، ليفصح عن سره الخبيء، سر فجيعته التي قادته الى ان يكون (ناطرا) ازليا ليوسفه البعيد، وناظرا لافق غائم مسكون بحدوسه المرعوبة، تتلبسه شهوة البصيرة في ان يرى الغائب، وان يلمس الروح، وان يحتوي ما تطلقه العبارة من اعتراف وشكوى، يذهب بها الى الاعالي حيث السماء التي تنوش الزقورات، وحيث اللغة التي تشبه قميص يوسفه المدمى، يستحضر عبر شفراتها واسمائها (مروانه) وكانه المعجزة التي تدفعه الى المزيد من التلذذ بالاستعادة.. خزعل الماجدي الذي فقد ابنه البكر مروان تحت يافطة وصايا فقهاء الظلام الذين كفروا الشعراء، وتركوهم  لغناء الفواجع، مازال يستعير تلك المندبة المثيولوجية التي نقض فيها كلكامش اسطورة خلدوده، واطلق دونها بصيرته واصواته الفاجعة بفقدان الخلّ والحبيب والاثير والشطر، ينشده اسحاره، نحيبه، صراخه العاشق، علّها تستحضره، قميصا، او رؤيا. القصيدة تحفل باحتدام الصور وانثيالها، تتسارع الى تشكيل العبارة التي تتسع باتساع الرؤيا، هو لم يضق بها، ب

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top