تخريب الذائقة

تخريب الذائقة

محمد درويش علي بتنا نترحم على سذاجة الأغنيات التي قدمت في تسعينيات القرن الماضي والتي استمرت  ليومنا هذا، من حيث الألحان والكلمات والأصوات، والضحك على الآخرين على اعتبار أنها هي الأغنيات الحقيقية التي نريدها.

أما اليوم فقد ازداد الطين بلة كما يقول المثل وبات تقديم مثل هذه الاغنيات تقليداً مباركاً لدى عدد من القنوات الفضائية،  فقد خرجت علينا قناة الشرقية الفضائية  وضمن برامجها  في شهر رمضان، بمقلد (بتاع كله) كما يقول الاخوة المصريون، للعمل على تخريب الذوق، والاتيان بما هو في خانة الاسفاف، وتقديمه بصوت أجش،وبلحن يطلق عليه جزافاً لحناً،  ليضحك الناس على نفسه بدعوى أنه يقدم الكوميديا، مذكراً ايانا بما كان يقدمه من اسفاف  في المسرح التجاري في الفترة المشار اليها. فهل من المعقول ان تترك الأغنية العراقية الأصيلة التي قال عنها الموسيقار محمد عبدالوهاب بأنها الأغنية الوحيدة من ضمن الأغاني العربية التي تدور في فلك نفسها، معبراً بذلك عن أصالتها وعمقها الانساني، ليقوم هذا الذي يسمي نفسه فناناً زوراً، بتشويهها والحاق الأسفاف بها، وتقديم ايقاعات سريعة للرقص عليها؟  ليس هذا فقط، وانما تقديم واحدة من أجمل أغنيات المطربة الكبيرة نجاة الصغيرة (ازاي أقدر أسهر وازاي تقدر تنام) التي أبدع في تلحينها الموسيقار الراحل محمد الموجي، وشكلت علامة مهمة في حياة نجاة الغنائية فضلاً عن الاغنيات التي لحنها لحنجرتها كمال الطويل وعبدالوهاب وبليغ حمدي وحلمي بكر، بهذه الطريقة الفجة والاتيان بــ (سخلة) ومناغاتها في جو بدوي بباب خيمة،وكأنها الحبيبة التي تستطيع أن تنام ملء عينيها، بينما الحبيب (الذي هو المغني)  يسهر من أجلها، بمصاحبة مجموعة راقصة تردد وترقص. ويستمر مسلسل التخريب الذوقي الذي يجر الجمهور الى منطقة كان على القائمين على القناة ان ينتبهوا اليها وهي ان الفن في ابسط تعريف له هو الارتقاء بذوق المتلقي لا الهبوط به الى الدرك الاسفل، بمفردات تحفظ بسرعة، ولاسيما من قبل صغار السن قبل الكبار،  وتنتشر كالنار في الهشيم، لتؤدي الدور التسفيهي. لاأعتقد، ومعي الكثيرون، بان تخريب الذائقة الفنية يقل شأناً عن التخريب في المجالات الاخرى ومنها السياسي والاقتصادي والأمني، وذلك لارتباط الذائقة الفنية بالجانب الاجتماعي الذي يعد ركيزة مهمة من ركائز بناء المجتمع، لذلك حينما يريد أحدنا أن يشتم أحداً، أو يتعالى في الرد عليه، يقول له: ان اسلوبك سوقي  ولايمكنني الرد عليك،  فهؤلاء يسعون الى تقديم مثل هذه السوقية الى الناس ليتشبعوا بها، وبعد ذلك بامكانك تمرير ماتريد عليهم. وانطلاقاً من هذا الفعل المدروس لهذه الفضائية، أو تلك، فان بعض المشاهدين تحاشوا مشاهدة وسماع مثل هذه الاغنيات، حفاظاً على اذواقهم هم وعوائلهم. ولو جئنا الى برامج أخرى لكانت لنا أكثر من ملاحظة ومنها برنامج يسمى (زنود الست) اذ لم أستطع أن أفهم ما العلاقة بين زنود الست والأغنيات التي تقدم في البرنامج، وهل المقصود الحلويات  المشهورة في بغداد أم المقصود زنود نساء محددات سلفاً؟ أياً يكن المعنى فلارابط بينه وبين تسفيه تاريخ بعض المطربين الذين تم تقليدهم في البرنامج من قبل مغنيته الوحيدة. وأقصد هنا الفنان الراحل الكبير عزيز علي الذي شوهت صورته بطريقة كاريكاتورية، بتقليده من قبل المغنية تلك، بعد تركيب شاربين لها، وكأن الدنيا خلت من المطربين لكي يركبوا لهذه المغنية شاربين لتؤدي أغنياته! فالذي قدم في هذا البرنامج وسواه من قبل القناة المشار اليها، لاعلاقة له بالتسلية ولاالكوميديا وانما له علاقة مباشرة بتخريب الذوق والذي يبدو متعمداً.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top