الإسلام الوطني ..في موازين جدلية الدين والسياسة

آراء وأفكار 2012/10/15 05:25:00 م

الإسلام الوطني ..في موازين جدلية الدين والسياسة

حسب الله يحيى
في الحياة السياسية العراقية الراهنة ، تدور جملة أسئلة منها :
ـ هل نحن بحاجة إلى أحزاب سياسية ذات مرجعيات دينية ، وهل نحن معنيون بأن تكون هناك مرجعيات دينية تعمل لأغراض سياسية ؟
ـ هل يراد بالدين الحنيف أن يكون منطلقاً روحياً ووازعاً أخلاقيا وطمأنة نفسية إزاء أي زوغان سياسي مادي يفضل ويناقش ويعمل من أجل الحياة الدنيا لتكون بديلاً عن الحياة الآخرة القائمة في المخيال الإسلامي ؟
ـ هل كانت للإسلام دولة ، وهل كان الرسول محمد (ص) رجل دين ودولة حتى يمكن حذو مساره ؟
ـ هل كان نظام الحكم بعد وفاة الرسول حكماً عادلاً ونموذجياً .. بحيث يمكن العمل على وفقه لإنشاء دولة إسلامية قوامها الإسلام وتعاليمه ؟
ـ هل يعد نظام الشورى .. نظاماً ديمقراطياً ؟
ـ لماذا هذا الجفاء والقطيعة والصراع بين ماهو ديني وماهو سياسي ؟
ـ الدين من جاذب للبشر ، إلى طارد وقاطع وفاصل بينه وبينهم .. لماذا ؟
هذه الأسئلة وسواها يمكن أن تكون محور نقاشنا حول ( الإسلام السياسي ).
الإسلام الوطني :
لم يشهد الإسلام انشقاقاً وجفاء ، إلا عندما فكر أهله بالسلطة ، وما كانت السقيفة إلا المنطقة البكر التي مزقت الإسلام والمسلمين .. ذلك أن المسلمين تخلوا عن العبادة ، وانصرفوا للتفكير بالسلطة .. حتى إن أبرز القامات الإسلامية التي كان الرسول الكريم يثق بها ويجلها ، تخلت عن دفن جثمانه ، بل واغتنمت هذه الفرصة وانشغال الإمام علي عليه السلام بعملية الدفن ، من أجل الهيمنة على السلطة وتقاسم حكم المسلمين .. كما لم تكن دعوة الحسين الشهيد إلى العراق ، إلا مؤامرة للتخلص من تيار معارض لأولئك الذين ينشدون السلطة .
الفتنة إذن كانت من أجل السلطة ، لا من أجل الدين ، فكل الأطراف تزعم أنها تنطلق عن حق ديني .. فالخليفة عثمان بن عفان قال لمعارضيه : " كيف أخلع قميصاً ألبسنيه الله " .
فيما يقول الخليفة عبد الملك بن مروان : " والله لايأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه " فيما رأى معاوية وابنه يزيد أن كلاً منهما : " خليفة الله " وأكد معاوية : " الأرض لله ، وأنا خليفة الله ، فما أخذت فلي وما تركته للناس فبفضل مني " وعد يزيد والده " سيد البشر " .
كيف يمكن لمن يفكر على وفق هذا المنظور أن يحكم وينشر الدول بين الناس ؟
إن السياسة فن وعلم ومعرفة وتسييس الأمور بمعنى مسايرتها باتجاه ما يحقق مصلحة البلاد والعباد .. كذلك ظل الرسول الكريم رجل دين .. يعالج ما يشغل بال المسلمين وما يواجههم من مشكلات بالحكمة والموعظة الحسنة .
فكيف يمكن للإسلام أن يحدد للعباد طرق مسارهم الذين يعدونه هو الطريق الصحيح ودونه خاطئ ،فيما يرى أقوام من غير المسلمين أن الطرق التي يعتمدونها هي الطرق الأسلم والأصح ؟
وهذا يعني أننا نحتاج إلى من يجعل من الدين الذي يؤمن به وينتمي إلى رسالته ، مسألة خاصة ومحددة بقناعاته وليس من حقه فرضها على الآخرين بأي شكل من الأشكال ،وينطلق باتجاه أن مايجمعه بالآخرين .. قاعدة عامة تقوم على الوطن والمواطنة أولاً وآخراً .
وفي هذا المنطلق لايراد بالإسلام تحديداً أن يكون على الضد من السياسة ومن العلمانية التي تتقاطع مع ازدواجية الدين والسياسة ولا مع الإسلام الليبرالي .
لا .. فالمسلم مواطن ، شأنه شأن أي مواطن آخر ينتمي إلى أديان وقوميات وبيئات مختلفة .. وليس من المقبول جعله منصرفاً عن أمور دنياه ولينقطع إلى إرضاء آخرته بشكل ..
إن هذا يعني تعطيله وتهميشه وإلغاء دوره في بناء قيم الفضيلة من جهة ، وإعمار البلاد على أسس مستقيمة من جهة أخرى .
ومثل هذا الفهم لا يراد به أن يجعل شريعة الإسلام هي المصدر الوجيه في كتابة دستور البلاد وحكم البلاد .. ولا أن يرفع شعار القانون في العلن ، فيما يمارس دور الهيمنة الدينية الأحادية وفرضها على أنماط مختلفة من البشر .. والتعامل معهم على وفق مذاهبهم وأديانهم وقومياتهم ومناطقهم وألوان بشرتهم وجنسيتهم .
إن تسويق الإسلام في ماركة أو علامة مرغوبة ومقبولة من قبل الشارع العراقي الذي يعنيه أن يسود العدل والأمن وأن يكون القانون سيد الموقف .. لا أن يخادع الإسلام الناس على المظهر فيما يمارس شتى ظواهر الفساد التي باتت واضحة وجلية بحيث أفقدت ثقة الشارع بأولئك الذين يتخذون من الدين ستاراً لتمرير أعمال الفساد على مواطنيهم ..
لذلك وجدنا أن الشارع العراقي انقلب على أولئك الذين يسيسون الدين لأغراضهم الشخصية والضرر بالناس .. بدلاً من اتخاذ منطلقات الدين الحنيف بما يحمله من قيم فاضلة لإحقاق الحق وإزهاق الباطل .
هنا يكمن الخلل .. بين رجل الدين الذي فقد تأثيره وبريق نزاهته بين الناس   
ورجل السياسة الذين جاء بأكثر من هوية من أجل تسييس الواقع السياسي لتحقيق مزيد من المكاسب لذاته .
هذا التضاد جعل المواطن يفقد الثقة بين سياسيين لا يفون بوعودهم في الإصلاح المطلوب منهم ، ورجال دين لا يصلحون أنفسهم وما بها من عصبية وأنانية وضيق أفق ومصالح ذاتية فجة وطموحات شخصية وبالتالي ليس بوسعهم التفكير ـ مجرد التفكير ـ أن المال العام أمانة في أعناقهم وعليهم صرفه على وفق مبادئ وطنية وقوانين منصفة وعادلة ..
ماالعمل ؟
الإسلام الوطني .. هو الحل .. والأديان والأجناس والقوميات والطوائف والقوميات والأطياف كافة .. هي من يملك الحل على أسس الوطن والمواطنة .. وكل الشعوب الحية قد وجدت في الوطن السبيل الأفضل والأهم الذي يمكن أن يوحد البلاد ويصون كرامة الإنسان ويجعل الجميع يعيشون في وئام وانسجام مادام القانون يعدل بينهم .
أما أن تظل راية الإسلام خفاقة فيما تقترف تحت لوائها كل أعمال العنف والفساد فهذا مالا يمكن القبول به ولا العمل على وفقه من أية جهة كانت ..
لذلك .. نحن نعد الأحزاب الدينية .. أحزاب تقوى وورع وطقوس ولها أن تعد جميع عناصرها على هذا الأساس ، أما إذا أرادت أن تحكم وتتسلم السلطة فلها أن تجعل الدين وازعاً من أي خطأ أو زعل ، لا أن تجعله سبيلاً ينزه أصحابه من كل سوء في العلن ، بينما تؤكد الوقائع عكس ذلك تماماً .. لتكون النتيجة بالتالي فقدان المواطن الثقة بالدين والرجال الذين يعتمدونه هوية حياتهم ، مثلما يفقد ثقته بأي توجه سياسي يمكن لهم اعتماده .. لأنه لا يقوم على العدل وإنما يقوم على أغراض أخرى لا شأن للدين بها ، مثلما لا شأن للحكم العادل وسيادة القانون بمعطياتها .
عليه .. نرى أن الأحزاب التي تتقاطع مع الدين .. أحزاب تلغي مواطنين وتريد من المؤمن أن ينزع عنه دينه ، كما لو أنه معطف يلوذ به البرد ، أو قبعة يستجير بها من الحر أو قناع يختفي به من الآخرين .. ليدخل ساحة العمل السياسي ويحق له ممارسة اللعبة التي يفترض أن يلبس الجميع لبوسها .
هذا تحنيط وفهم قاصر وإكراه تمارسه العديد من الأحزاب السياسية التي تعد نفسها علمانية ..فيما هي تمارس بعملية العزل هذه طقساً دكتاتورياً برداء الحرية والليبرالية الديمقراطية .
وعلى العكس منها .. تجد الأحزاب الإسلامية أو القومية نفسها تمارس دوراً مماثلاً عازلاً لمن ينتمي لمذهب مختلف أو قومية مختلفة أو لغة أو منطقة معينة غير التي حددتها تلك الأحزاب لنفسها ..
هذا الواقع المرير المتشظي والمعادي الذي يعاني تضادا وصراعا مع نفسه .. لا يمكن أن يكون سياسياً ماهراً يعتمد العملية والموضوعية والدقة والخبرة ، ولا دينياً عارفاً بأمور دينه ودنياه وعلى وفقها يجب أن يسيس البلاد بالعدل وحكم القانون ..

المفاتيح :
لن نخرج من دوائر الصراع أبداً ـ إن لم نكن نريد عددها ـ إذا بقي الجميع يفكرون بالطرق التي يفكرون بها حالياً ـ هذا إذا لم يهملوا الفكر أصلاً وينصرفوا إلى مخاطبة أنفسهم .
وليس ذلك ببعيد .. فما زال عدد من الإسلاميين يعتمدون النقل ويرفضون الاجتهاد واستخدام العقل ، لأن العقل في رأيهم يقود إلى الخطأ والخطيئة ..
ومن الأفضل والأهم بل والواجب الملزم إكراه الناس على عدم استخدام عقولهم والانصراف كلياً إلى عدد محدود من الناس للتفكير واتخاذ القرارات وحسمها نيابة عنهم ..
هذه جناية على الدين الذي جعل من العقل بصيرة ، وجناية على الإنسان بوصفه عقلاً لا عاطفة مجردة تعتمد أهواءها حسب .. وجناية عن الوطن بوصفه الأرض التي لا تنبت إلا ما يلقى في قلبها من بذور صالحة .. غير فاسدة حتى يصبح بوسعها أن تنبت وتزهر وتثمر .
هذا هو الحل الذي ليس من الصعب إدراكه وليس من الصعب العمل على وفقه .. شرط أن نحتكم إلى قانون عادل ومنطلق نزيه .

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top