تخترق جدران الاستبداد وتابوات المقدس وتستقر في الثقافة الشعبية

تخترق جدران الاستبداد وتابوات المقدس وتستقر في الثقافة الشعبية

بغداد/شاكر المياحتصوير/سعد الله الخالديوقف المحامي (سعدون حسين) امام قاضي محكمة الشطرة مدافعا عن مجني عليه قضي برصاص الجاني الماثل في قفص الاتهام، وبعد ان استرسل في وصف الزمان والمكان وحيثيات القضية، وصل الى لحظة اطلاق النار على المجني عليه ثم علا صوته فقال: (فاطلق الجاني (سلمان الفرهود) عدة اطلاقات نارية من مسحاته اردت الضحية صريعا)

فتعالى ضحك الجمهور الذي حضر المرافعة فامرهم القاضي بالسكوت طالبا من المحامي توضيح الامر، وهل هناك (مسحاة) يمكنها اطلاق الرصاص، ومن اية فوهة فيها؟. مرة اخرى ضج الجمهور بالضحك في حين كست وجهه  مسحة خجل كشفت عنها سحناته التي صارت تظهر الواناً شتى. في اليوم التالي راح اهالي الشطرة يتندرون بشطحة المحامي المثيرة. بعد مرور مدة من الزمن نسجت عليه الكثير من النكات وصار يعرف (بالمحامي ابو المسحاة)، حتى وصل به الامر الى ترك المحاماة والانصراف الى التجارة. بين هذي الحادثة والحاضر  مساحة زمنية تخللتها الكثير من الاحداث الجسام والاحزان والآلام والسخريات من مشعلي حرائقها، تارة بالتورية المازحة الشفيفة والعابرة، واخرى تمثلت بصياغة نكات وطرائف تناولت بالنقد اللاذع السلطة السابقة بجميع رموزها بدأت بالرأس ولم تنته حتى هذه اللحظة. ترى من يصنع النكتة؟ وما هي دلا لاتها الاجتماعية والثقافية والسياسية؟ وهل هي ردة فعل ضد القمع والاستبداد والحزن وما بين كل هذا من وقائع وافعال؟ هذا ما سنحاول الكشف عنه في حواراتنا التالية مع عدد من المثقفين والادباء والتربويين. الشاعر والقاص والاعلامي (كفاح الامين) قال: الواضح بان العراقيين، وفي المجالين  الفلسفي والفكري يمارسون دورين مختلفين في آن واحد، ففي حياتهم هناك حزن عميق يقابله شعور بالفرح لا يقل عنه عمقا، وهذا يعني استمرارية الاصطراع بين الشكلين (الشمس والظلام..الخيروالشر). واعتقد ان النكتة العراقية هي نتاج هذا التضاد، ان يتحول الالم  الى ضده وربما الى استمرائه، وبالتالي هي محاولة لازالته او تجاوزه، والابقاء على عناصر الحياة وديمومتها، وهي جزء من ثقافتنا الشعبية التي تختلف بطبيعتها وصياغتها عن النكات التي تتداولها الشعوب العربية الاخرى، فهي تكاد تكون ممثلة لذاكرة جمعية، فالنكتة التي تستهدف شخصية محددة بذاتها تصير  جزءا من مثل دارج. هل تسهم النكتة في خلق رأي عام؟ افترض بان هناك نكات كثيرة تم تداولها وخاصة بعد عام 1963 الى عام 1968، فعندما تغذي القمع وتنمية الديكتاتورية، تحاول الافكار تغيير اشكالها فهي كالنبع تماما، فعندما يرتفع فيه منسوب الماء ويفيض، فان البعض يظن بانه سيجف، وهو في حقيقته عصي على الجفاف اذ سيجد له منافذ اخرى في باطن الارض او بين شقوقها او صخورها، ثم تتفجر مياهه على مبعدة من مكانه الاول، وهكذاهو الفرح عند الناس وكذلك هي الحرية لا يمكن لاحد ان يلغيهما من حياة البشر او ان يصادرهما مهما بلغت سطوته واشتد قمعه للاخرين. النكتة مهمة وضرورية، ونحن نتميز عن الاخرين في صناعتها والقائها لاننا نمتلك ثقافة تضرب اطنابها في اعماق التاريخ الانساني. هل هناك نكتة كان لها اثر في حياتك؟كثيرة هي النكات التي سمعتها وحفظتها ولا ادري ايا منها كانت مؤثرة في مسيرة حياتي لان جميعها كانت سياسية، واتذكر نكتة محورها الرئيس المصري السابق (انور السادات)، لما سأله احدهم: لم رأسك يتخذ شكلا عرضه اكبر من ارتفاعه؟ فرد: كان هناك من يضربني على رأسي كلما (فتحت بؤي  يضربني على رأسي  ويصيح علي اسكت يا واد). هو عبر عن ذاته لانه كان يتعرض لحالة قمع مع ان لديه جهازاً خاصاً لجمع النكات اليومية التي يتداولها الشارع المصري فتعرض عليه وكان يسميها (نكات الصباح). النكات تهز العتاة والديكتاتوريات المستبدة الاعلامية (آمنة عبد العزيز) اوضحت بان النكتة ترجمة للحياة اليومية، اذ تواجهنا الكثير من المواقف المؤلمة والمحزنة التي تتحول في لحظة الى نكتة او طرفة، ففي قمة انزعاجات الانسان العراقي وذروة ضغوط الحياة عليه يخترع مضاداتها، لان العراقي معروف بروح الدعابة والنكتة وملامسة وقائع يومه  بما يخفف من وطأتها عليه. والنكتة هي قصة قصيرة تعبر عن هذه الوقائع بشكل طريف، وغالبا ما يكون الضحك مجسدا للحزن الذي يعتري وجدان الانسان العراقي، وهذا ما يضفي على النكتة جمالية رائعة، وحياتنا كعراقيين مليئة بالنكات ووجودنا ما يزال لحد الان عبارة  عن نكتة كبيرة. من امض النكات تلك التي تترك اثرا يدوم لزمن طويل ومنها النكات السياسية، فكل العتاة واساطين الديكتاتوريات المستبدة يهتزون لها وتقض مضاجعهم مع انها من دون سلاح، وتخشاها لانها العدو الذي لا تراه، والعراقيون لم يتركوا زعيما سياسيا او رئيسا لحكومة من حكوماتهم المتعاقبة الا وأمطروه بنكات لا ذعة ولاسعة، ربما بسببها اطيح بالبعض منهم، هذه النكات تعكس معاناة العراقيين وبرمهم من الاوضاع التي  تسيدت حياتهم وواقعهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهنا لا بد من الاشارة بان الرئيس (طالباني) وعلى العكس من الطاغية (صدام)، الذي كان يلاحق النكتة في مضاجعها ويزج في السجون المدلهمة متداوليها ووصل الامر الى اعدام البعض منهم، يتمتع بروح دعابة شفيفة حتى

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top