(2-2) في عصرنا كلاهما للفن \"ماذا\" و \"كيف\"، هما كلمتا \"الوعي الشعري\"، الفن والثقافة يقرران الاختيار. وهذا هو الفرق بين ما يريده \"فن الأدب\" أو \"النقد الأدبي\" وما يريده السياسيون.رؤية شاعرنا \"كريم جخيور\" مثلاً، وطريقة عرضها في لقطات رؤية حية تصحبها ملاحظة ذكية وحسية عالية.
وهو في كل ما يكتب، يمتلك كامل اختياره. وانا في عموم شعره، عدا تلك التي يحاصر نفسه فيها بعواطف آنية، وان كانت صافية نظيفة، اقول هو في عموم شعره شاعر جدير بالثناء واعجب الا يكون أكثر حضوراً في المشهد الشعري. لا مجال للتواضع الخافت في مجتمع الميكرفونات والممثلين! انت شاعر جدير بمساحة اوسع. لقد أسهبنا كثيرا في موضوعة المحلية متقدمةً، لكن لا بأس من إيضاح أكثر أظننا بحاجة اليوم إليه. فنحن عموماً، لنا التزاماتنا الفكرية والاجتماعية والعائلية والمنظماتية، ولنا معها كلها التزاماتنا الشخصية جدا. احياناً ننتمي بحماسة لمدرسة فنية ونتحدث بأسلوبها، أو بتيار شعري (فليست الالتزامات سياسية حسب..)، ليكن ما يكون شرط أن يكون الحاجز بين روحك والأشياء شفيفاً حياً وبدرجة من الرقة والمرونة النَفْذية يسمح لان تلامس الأشياءُ الخارجية روحَك وتمر روحُك إليها بحرية. هذا هو خط، مرور الشعر ومنطقة إنتاجه... فما يعجبني في خط كريم الشعري، انه الشغيل- المنتمي لفقراء الشعب، كادحيه، يحمل في الشعر، اعني في الفن، عقلية لبرالية متْقنة فهو يختار موضوعه بوعيه الفردي ويختار صورته ولقطته المحلية وأفكار قصيدته بروح الشعر. الشواخص المرئية، أو الروح المصطفاة، التي يفيض عليها عواطفه، هي عزاء أخير وسط البؤس والخراب اليومي. ونحن علمياً، في كل أحوال الكتابة ومهما اتسع ادعاؤنا في الاختيار، لا نجد كاتباً او شاعراً كامل الحرية في اختياره. فهو ابن لغته الوطنية وتربيته وبيئته قبل ان يمارس حريته في الكتابة. ولذلك فكلامنا في هذا الموضوع، انما هو حديث في الظاهرة التي تمّ عليها التفاهم النقدي، او موجات النقد الادبي. ولذلك ومن دون ان ينتبه، كتب كريم، او وظف لازمات، مثل \"لا يكفي، لا يكفي، لا يكفي...\" وهي ذات انتماء للشعر الشعبي المحلي، وربما الساخر منه. وهذه تكسب شعره بساطة وعفوية تؤكد ثانية محليته. هو لصق الأرض يكتب شعراً، لا كذب ولا ميتافيزيق ولا صناعات لفظية مما نقرأ من المترجمات المقطوعة عن سياقها. لعل أفضل وصف لهذا الشاعر انه فردي يمتلك هوية اجتماعية. وهذا جعل له صلات ذكية بمرئيات بيئته. أظنها ركائز ضرورية لاي شاعر محلي كبير يرحب به الشعر العالمي لأنه يضيف إليه مذاقات وأجواء وصوراً من أمكنة بعيدة لا يمرّ بها. وهذا هو المعوّل عليه في آداب الشعوب. ضمن المدى اللبرالي المتسع اليوم. تتسع علاقاته الاجتماعية ومسؤولياته الأخلاقية، ويكتب شعراً بصفته فردا سيدَ عمله. هو هذا النضج المطلوب من أي شاعر، من أي فنان. وهنا أراني ثانيةً مع هذا الشاعر، القريب إلى نفسي، ومن تلك البيئة التي تحدثنا عنها. لقد قدم وزملاء لـه بصريون ما يشير إلى أنهم يسعون لان يصنعوا من المستنقعات والفقر والجمال الضائع في الأكواخ ومن النخلات العجاف، والمترفات، ومن الأنقاض وآبار النفط والتعاسات البشرية، يصنعون من كل ذلك جمالا شعريا! ونحن إذا لم نجد قصائد متكاملة كثيرة تختفي بالمحلي وتستحق الانتماء إلى \"العالمي\" الجيد، نجد الكثير من الإبداعات تحمل محلية مبهجة ومثيرة والتي يمكن أن تنسجم مع أي عمل إبداعي محترم في العالم. ليس شاعرا عاديا كريم حخيور. هو شاعر جدير بالاستشهاد، جدير بالثناء وهو يخاطب بصرته: \"لشطك يمد لخاصرة الماء لسانَهُ العذب\" فكرة أن المياه العذبة تذهب للملح والبحر، وذهاب الإنسان والأحلام للتيه والضياع، فكرة إنسانية عليا ومؤسية. صورة اللسان العذب يدخل في البحر، الموج اللانهائي والملح، صورة بصرية بامتياز وهي تحمل معها انتباهة الشاعر وابتداعه ليتصل بأي قصيدة متقدمة في الشعر العالمي ولتكون إضافة محلية جديرة بالإشادة صورة أخرى من كريم: بنخيلك يهدل على ظفائره الحمام هذه رسوم محلية مفرح حضورها في الشعر. قدرة شاعرنا على الإبداع تتنامى كلما اقترب من بصرته، من محليته لا من قراءاته الأجنبية: على شاكلة المرعى تمد الطحالب اذرعها نحن رأينا، ونرى، مساحات الاشنات الخضر على شط العشار وعلى ضفاف السواقي الضحلة والشطوط والمنافع. لكن أن تكون \"على شاكلة المرعى، ومرعى مائي، فهذا إبداع من المحلي ومحلي فيه قوة الالتحاق والانسجام بالعالمي. سيتقبله تيار الشعر الإنساني في العالم بفرح وباحترام. إذن نحن نستطيع أن نضيف لجمال العالم، ولثرائه الفني ولسنا فقراء في كل شيء! فضلا عن صور الطبيعة، لنا من الشأن الاجتماعي خزين والشاعر البصري غالبا يعيش في الأحياء الفقيرة. معنى هذا هو في العمق الإنساني البصري. عسر حياة الفقراء يجعلهم ينتظرون \"رأس الشهر\" أو يوم الراتب أو المعاش. لكن ما أن يصل حتى يوزع الراتب الشهري أقساطا وديونا ويعود يوما اعتياديا من أيام بؤسهم. هذه مسألة محلية ذات إنسانية عالية: تأتي الشهور إ
اترك تعليقك