جرائم الحرب والتطهير العرقي

جرائم الحرب والتطهير العرقي

ظهرت تسميات الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والتطهير العرقي في القوانين المعاصرة، وقد تضمنتها أحكام المحكمة الجنائية الدولية، وكانت أول ما تطرقت إليه محاكم (نورمبيرج) في ألمانيا إبان محاكمة مجرمي ألمانيا النازية عام 1944م. التعريفات القانونية للفئ

ظهرت تسميات الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والتطهير العرقي في القوانين المعاصرة، وقد تضمنتها أحكام المحكمة الجنائية الدولية، وكانت أول ما تطرقت إليه محاكم (نورمبيرج) في ألمانيا إبان محاكمة مجرمي ألمانيا النازية عام 1944م.

التعريفات القانونية للفئات الثلاث التي تقدم ذكرها تشمل أنواعاً عديدة من الاعتداءات الإجرامية، وقد لا يمكن حصرها نظراً لأنها قابلة للإضافة حسب ما يستجد من أفعال.

يُشترط في الجرائم ضد الإنسانية أن تكون ضمن عدوان واسع وممنهج، وأن تكون الأفعال الإجرامية جزءاً لا يتجزأ من ذلك العدوان، وأن تكون في سياق متعدد ومتكرر، وأن ترتكب ضد مجموعات مدنية؛ كل ذلك من أجل ترسيخ سياسات دولة معينة أو منظمة ما. وقد يكون مرتكبو الجرائم من رجال الدولة أو من غيرهم، بيد أنه يشترط الفعل أو العلم بحدوث الهجمات وتوفر القصد الجنائي. وحسب المحكمة الجنائية الدولية فإن هذه الجرائم تتمثل في جرائم القتل، والإبادة، والرق، والترحيل أو النقل بالإكراه، والسجن أو تقييد الحرية، والتعذيب، والاعتداء الجنسي أو الاغتصاب، والإجبار على الحمل، والتعقيم وغير ذلك من جرائم العنف الجنسي، واضطهاد جماعات معينة، والإخفاء والتشريد والأبارثيد (مصطلح ظهر في أفريقيا يدل على أفعال لا إنسانية ممنهجة ترتكبها جماعة عرقية معينة ضد جماعة أخرى من أجل السيطرة وتحقيق السيادة عليها). وخلافاً لجرائم الحرب؛ يجب أن تكون الهجمات منفصلة عن الأطراف المتحاربة من حيث الزمان والمكان، وربما تكون جزءاً من ذلك الصراع الحربي. كما يقع ضمن هذا النوع من الجرائم أي استهداف مباشر للمدنيين بأي شكل من أشكال سوء المعاملة.

أما جرائم الحرب فتشمل قتل أسرى الحرب وقيام الأطراف المتحاربة باعتقال المدنيين وقتلهم وجرائم الاغتصاب والإخفاء والخطف والتعذيب وغير ذلك من العدوان ضد المدنيين.

ويشمل التطهير العرقي أو الإبادة العرقية الجرائم التي ترتكب بقصد تدمير جماعة معينة بسبب انتمائها الوطني أو العرقي أو الديني أو الإثني (الثقافي الاجتماعي). ويمكن أن يكون التدمير المقصود بدنياً أو بيولوجياً أو ثقافياً، مثل قتل أفراد تلك الجماعة أو التسبب في الإضرار جسدياً أو نفسياً، أو وضع تلك الجماعة تحت ظروف مدمرة كلياً أو جزئياً، أو منع التناسل بين أفراد الجماعة المستهدفة، أو خطف الأطفال من تلك الجماعة بالقوة وإعطاءهم لجماعة أخرى. ويثبت تعمد الجريمة من خلال القول في خطابات قادة الفئة المعتدية، ومن خلال وقوع الجرائم المختلفة وأساليبها المعروفة، والتعبير عن مشاعر الكراهية ضد تلك الجماعة، وقتل زعماء الجماعة.

دور الطب العدلي يهدف بالدرجة الأولى إلى إثبات حدوث هذه الجرائم؛ وأول ما يستهدف التعرف إلى هوية الضحايا من خلال فحص جثامينهم التي يُعثر عليها عادة في قبور جماعية في مراحل مختلفة من التحلل والتعفن. كما يحدد الطبيب العدلي  سبب وكيفية الموت لتقرير حدوث القتل أو التعذيب الممنهج. وفي حالة التطهير العرقي يقرر الطبيب العدلي ما إذا تعرض الضحايا لعمليات جراحية من شأنها منع التناسل، كإزالة الرحم أو ربط الأنابيب أو الإخصاء. أيضاً، قد يتمكن الطبيب العدلي من تقديم وسائل الإثبات المادية في جرائم الاعتداءات الجنسية، وإثبات بنوة الأطفال الذين يختطفون من ذويهم، وإثبات عمليات التعذيب وغير ذلك من الجرائم التي يتطلب إثباتها وسائل طبية متخصصة.

ويعمل الأطباء العدليون ضمن فرق متخصصة تشكلها مؤسسات المجتمع المدني على سبيل شراكة عالمية على مستوى دولي، وتعمل بشكل شبه تطوعي. هذه الفرق تضم بالإضافة إلى الأطباء العدليين ، مختصين في فحوص البصمة الوراثية (DNA)، ومختصين في علم الأنثروبوجيا، وفنيين في الفحص بالأشعة السينية، وخبراء في إدارة المخاطر والأزمات ومترجمين.

وتقوم هذه الفرق بالسفر إلى المناطق التي يعثر فيها على المقابر الجماعية، وهذه قد تكون مناطق نائية في وسط صحراء مقفرة أو أحراش وغابات خطرة. لذلك كله يتعين على أعضاء الفريق الاستعداد وتهيئة أنفسهم. من الأمور المهمة أن يتدرب أفراد الفريق على التعامل مع المخاطر المختلفة والمحافظة على حياتهم في ظل ظروف قاسية.

يحاول الأطباء العدليون  تبيان وقت وفاة الموتى بشكل تقريبي من خلال مرحلة التعفن أو التحلل، والحالة العامة للتربة المحيطة بالقبور والنباتات النامية حولها. كذلك إحصاء عدد الموتى والتعرف إلى هُوياتهم من خلال الملابس والوثائق إن وجدت، ومن خلال ملامح الوجه حسب مرحلة التحلل بطبيعة الحال، ومن خلال فحص العظام والأسنان ومقارنتها بأوصاف المفقودين الذين يُعتقد بأنهم أصحاب تلك الجثامين أو العظام.

كما يسعون إلى تبيان سبب وكيفية الوفاة من خلال الفحص الطبي حسب المتوفر من تلك الأجساد أو الأشلاء أو العظام؛ فقد يدل على سبب وكيفية الوفاة رصاصة مستقرة بالعظام أو فتحة مرورها من خلال الجمجمة، أو بتر بالأطراف أو تفحم بالعظام إلى غير ذلك من الآثار الإصابية المختلفة.

وتعتبر مهمة التعرف إلى محتوى القبور الجماعية من عظام وأشلاء ضحايا الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والتطهير العرقي مشابهة إلى حد كبير  مهمة التعرف إلى جثامين وأشلاء قتلى الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والطوفان والبراكين وغيرها، بيد أن فرق العمل الطبية العدلية تحظى بتعاون سلطات الحكومة في المهمة الثانية دون الأولى؛ بل غالباً ما تجافي الحكومة فريق العمل في الحالة الأولى، بل تحاول إعاقة عمل تلك الفرق بطرق عديدة تصل إلى حد تسليط جماعات إجرامية على العاملين فيها .

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top