قصتي مع السيبرنطيقا

قصتي مع السيبرنطيقا




د. جبار خماط حسن

(6)
الإرسال اللفظي

ترى (كرسينا ستوارت) إن عدد الكلمات التي يعالجها الدماغ خلال الدقيقة الواحدة ، حوالي (500) كلمة ويستطيع الفرد أن يتكلم حوالي (150) ، أما الفرق بين الرقمين والذي هو (350) فيمثل الكلمات الضائعة بين المرسل والمتلقي ـ والناتجة عن انشغال المستقبل بأفكاره ، الأمر الذي يؤدي إلى انقطاع خطوط الاتصال بينه وبين المرسل . وتضيف (كرستيا ) قائلة ان بعض خبراء الاتصال يرى إن باستطاعة الإنسان أن يسمع في الظروف العادية ما معدله 25% فقط بشكل فعال ، بمعنى ان الإنسان لا يفهم أكثر من ربع الحديث الذي يتحدث به الآخرون .والكلام نظام فكري معقد ، يتبنى كيانا لفظيا ينتظم بوحدات صوتية إرسالية محددة ، كل وحدة لها قصد فكري وعاطفي محدد ، وتتوزع هذه الوحدات على متسلسل خطي صوتي يتوقف مع انتهاء المعنى ، ويبدأ مرة أخرى مع باعث جديد للكلام .ولأهمية هده الوسيلة الفاعلة ـ يتحتم القائم بالكلام أو الاتصال معرفة الآلية الداخلية التي يعمل بها أثناء قيامه بإرسال الكلام نحو المستقبل ويصف لنا البروفسور (Johansson  ) هذه العملية على النحو الآتي : إن ما يعنينا هنا هو لغة الكلام ، بمعنى ما يمر عبر الموجات الصوتية ما بين المرسل والمستمع ، في حالة كون المتكلم مرئيا للسامع ، وتكون موجات الكلام غامضة لأنها تحمل إشارات ضمنية ترسل بوساطة التنغيم الذي يراد منه نقل التأثير الروحي أو القيمة أو  المكانة من خلال نوعية الطبقة وقوتها ، الأمر الذي لا يحقق الاتصال الفعال أو التأثير المطلوب في حياتنا اليومية وهذا ما يعرف بدرجات الغموض ما بين المرسل والمتلقي ، الأمر الذي يربك عملية التواصل بين الطرفين ، لذا يكون البديل النوعي لعملية الاتصال اللفظي هو ما يحدث على خشبة المسرح من إرسال واستقبال ما بين الممثلين ـ فالخطة المسبقة والمعالجة الإخراجية والفهم المتفق عليه لدى الممثلين هو ما يسمح بوجود اتصال ذو قابلية تواصلية منضبطة ، لأنه ببساطة محكوم بمهام أربع : إعلامية مرة وأخرى ضبطية، وثالثة إقناعية ورابعة تكاملية ، أما الإعلامية فتظهر من قابلية الاتصال المسرحي على تدفق المعلومات من مساويات العمل المسرحي كافة ، إذ نجد أن العاملين والقائمين بالأدوار بحاجة إلى الكثير من المعلومات المرتبطة بأدائهم الوظيفي داخل العرض المسرحي . وأما ضبط الاتصال المسرحي ، فيقصد به ، سير العمل داخل العرض المسرحي بوساطة مزاولة الكثير من العمليات الإدارية من ضبط وتحكم تنسيق بين أنشطة العاملين في العرض المسرحي ، وبالتالي وجود مخطط مسبق يمثل سير الاتصال بشكل فعال داخل التنظيم المسرحي .  والإقناع في الاتصال هو غاية المرسل أو بحسب ما يؤكد عليه أرسطو " خلق الاقتاع بأي وسيلة ، من خلال التأثير عن طريق العاطفة والفكر "فالرموز التي ترسل على نحو رسالة  هي حاصل جمع الفكر والعاطفة معا ، وهنا تتم المهمة الاقناعية  للاتصال . وأخيرا نسعى نحو تكاملية الاتصال من خلال التعبير عن الممارسات المختلفة لكل العاملين في إيجاد العرض المسرحي على خشبة المسرح في تكامل نوعي مادي وفكري ، إذ تساعد المهمة التكاملية على سيادة روح الوحدة في بنية العرض المسرحي ، عن طريق ما يعرف بالأداء الطاقمي أو ألفرقي .
 إن الحوار اليومي العادي يختلف عن الحوار المسرحي  في كون الأول غير موجه للغير من قاموا به تحديداً ، بينما يكون الثاني موجها للثالث الغائب الحاضر وهو  المتلقي.ولأن الاتصال هو الجهاز الباث للأفكار  المتحركة . أو هو عملية بث المعاني بين الشخصيات ،  لذا فأن الحوار الدرامي يعد من أهم أجزاء العمل المسرحي ، لأنه يتخذ من الفكر والشعور أو  العاطفة المتقدة أو الخاملة جسرا للتواصل مع الآخر  لذا يضع المخرج من فرضية  الحوار المنضبط داخليا بوصفه وحدة اتصالية تسعى إلى التأثير  وتمكين الممثل من التعبير عن الشخصية المراد تقديمها ، وما يمتلك من خبرة  وما يتحرك في داخله من أحاسيس ولهذا فأن الحوار الدرامي الذي يضمن تواصلا فعالا هو السبيل لتحقيق هذا الهدف ، لذا  يتخذ الحوار على خشبة المسرح أشكالاً عدة فهناك الحوار بين شخصين أو بين ثلاثة أو بين شخص واحد ومجموعة من الأشخاص أو أن شخصاً يحدث ذاته  أو يتحدث إلى ما حوله من الأشياء أو حوار الفرد مع ربه . وعلى وفق ما علمناه من مميزات الحوار المعلومة نجد بأن الحوار الدرامي يجب أن يكون على جانب كبير من الموضوعية والإيجاز منطلقا من بد يهات الشخصيات التي رسمها أو تخيلها الكاتب ، لأنه يؤدي مجمل تحولات في داخل النص العرض، لعل من أهمها تعريف  المشاهد ، بالشخصيات وأبعادها الثلاثة،المادي،والاجتماعي،والنفسي،مضافاً إلى ذلك وجوب أن يلقي الحوار ضوءاً على ما بعد هذه الأبعاد وأسبابها أي أننا إزاء الحوار ينبغي أن  يقدم لنا الدافع  أو المبرر ، الذي يؤدي إلى الفهم وإتمام فعل الاتصال بالمشاهد .

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top