توهج الذاكرة  .. مسرحة الشعر أم الرؤيا المسرحية؟

توهج الذاكرة .. مسرحة الشعر أم الرؤيا المسرحية؟

 نوقشت الكثير من المواضيع على خشبة المسرح العالمي في الأزمنة  التي تلت الإغريق والمختلفة جذريا عن التي سبقتها. فشكسبير عالج الإنسان في شموليته الزمنية والتاريخية، لهذا فإنه ما زال يقلقنا بل هو معاصرنا حقا .
 وفي أزمنة لاحقة تميز المسرح بمعالجة المشكلات الاجتماعية بسخرية مرة بما فيها معالجات مسرح القرن السابع والثامن عشر. وأكدت الكثير من الأعمال المسرحية على رفض المظالم الاجتماعية.   
لكن التطورات العظيمة في القرن العشرين، أعطت إمكانيات جديدة للمسرح فارتبط بالتطور التكنولوجي وأشر تنامياً متزايداً للوعي الثوري والفلسفي في معالجته لشتى المشكلات الاجتماعية والفردية ضمن الواقع المضطرب.
ولهذا فإن مؤلفي ومنظري المسرح الطليعي ( اللامعقول ) بيكيت ويونسكو وغيرهما، وكذلك التجارب الآنية كمسرح الصورة أو مسرح الحداثة وما بعد الحداثة المتأثرة بفكر ورؤى آنتونين آرتو ومايرهولد،  تميزوا  بالوعي الشعري والشمولي لمعالجة أي ظاهرة، وأصبح الشعر جزءاً من  الفضاء المسرحي.
 إن الشاعر في المسرح يتحدث عن ذلك الوجود الافتراضي ـ البصري أو عن الوجود غير الواقعي الذي هو في ذات الوقت وجودا واقعيا أيضا. وتتحكم في الشعر والمسرح حالة من الحلم الواعي.
وبما إن الشعر لا زماني فهو يدلل على زمان ما خارج المكان بل يتجاوزهما. والمسرح يدلل أيضا على زمانه الذي يتجاوز المكان أو على مكان خارج الزمان. فهذه العلاقة الهارمونية المتناغمة بينهما ستشكل خللاً حقيقياً عندما تستخدم بجهالية أو بوعي ناقص من قبل فنان المسرح .
وفي الكثير من العروض المسرحية العربية يتكيف الفضاء المسرحي لشروط مكونات القصيدة وهذا يضيق من مجال الرؤيا سواء في الشعر أم المسرح، وسبب هذا كون المؤلفين الذين كتبوا للمسرح الشعري هم شعراء في اغلبهم، فهم يمتلكون فهما فائقا لقوانين كتابة القصيدة لكن ليس لديهم أدنى فهم لمكونات الفضاء المسرحي وأسراره الإبداعية. فأصبح من المعتاد كتابة ما يسمى بالمسرحية الشعرية أي مسرحية القصيدة التي تتكون من مجموعة من القصائد المكتملة والمنفصلة عن الرؤيا الشعرية للفضاء والحدث المسرحي، أي أن حوارات الأبطال تكتب شعرا بدلا من أن تكون نثراً حتى يطلق عليها مسرحية شعرية.
ومن جانب آخر يقوم بعض المخرجين بإعداد قصائد للمسرح، ويبقى الشعر فيها منفصلا عن الفضاء، والحدث المسرحي منفصلا عن الشعر بدون أن يكون الشعر والقصيدة الشعرية جزءا من لحمة ومعمارية ودرامية البناء والفضاء المسرحي. والشرط الحقيقي والذي يشكل بنائية الكتابة المسرحية هو أن تتخلى القصيدة عن قوانينها الأدبية وتتحول إلى رؤيا شعرية تشكل جزءا من معمارية الفضاء وتتحول إلى شعر بصري داخل فضاء بصري هو المسرح.
فالحدث الدرامي لا يخضع لشروط القصيدة حتى وان كانت قصيدة نثر وإنما الفضاء المسرحي يهتم بتلك اللغة التي تتخلى عن كونها لغة أدبية أو شعرية للتتحول إلى لغة شعرية ـ بصرية في الفضاء البصري ـ الدرامي.
وهذا هو الذي يحدد العلاقة ومن ثم طبيعة الخلل في فهم المعادلة الآتية:  مسرحة الشعر أم الرؤيا الشعرية البصرية في المسرح.
فليس المهم أن تكون لغة المسرح شعرية، إنما الأكثر أهمية هي أن تكون هناك رؤيا شعرية بصرية في المسرح.  

تعليقات الزوار

  • salma

    ladaya chye mohim a9raoho

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top