في ظل تواصل اندلاع الفوضى و العنف على المشهد المصري منذ حلول الذكرى الثانية لثورة 25 كانون الثاني, و استمرار حالة"الغيبوبة" السياسية المسيطرة على جماعة الإخوان و حزبها السياسي- الحرية والعدالة- و موظفها داخل الرئاسة محمد مرسي ..و أبرز مظاهر حالة الانفصال السياسي هذه صدور أوامر الجماعة إليه.. بإلقاء خطاب تهديد للشعب و اتخاذ إجراءات أمنية – إعلان حالة الطوارئ و فرض حظر التجوال في مُدُن القنال- بهدف قمع حركة الاحتجاج والثورة التي عمّت مصر بكل محافظاتها.. تبع هذا الخطاب "الكاريكاتوري"!! في الشكل والمضمون قرار من النائب العام الجديد-الإخواني- بالقبض على أفراد التكتلات الثورية التي ظهرت مؤخرا ، مثل البلاك بلوك و البلاك ماسك ,رغم السرية المُحاطة بأعضاء هذه الجماعات! أمام هذه المعالجة السطحية للأزمة, لم يكن مستبعداً وصول هيبة و مكانة الرئاسة والحكومة إلى أدنى مستويات التحقير والاستهزاء بدرجة لم يعرفها الشارع المصري عبر تاريخه المعاصر .. مدن القنال عبّرت عن استخفافها بالقرار في شكل خروج جماعي إلى الشوارع لممارسة أنشطة فنية و رياضية و تظاهرات تطالب مرسي بالرحيل , تحديدا مع بدء ساعات الحظر , ثم العودة إلى المنازل مع بدء السماح بالتجوال! البلاك بلوك تحشّدوا أمام دار القضاء العالي في تحدّ سافر لقرار النائب العام الذي لم يُكلف نفسه عناء إصدار حتى قرار هزيل حين هاجمت التيارات الإسلامية مقر جريدة الوفد و أحرقته. و حين اعتصموا أمام مدينة الإنتاج الإعلامي و تعدوا على بعض المترددين عليها!. قرارات مرسي زادت العنف اشتعالا بعد أن فقدت مصداقيتها ،وهو يطلب من الشعب احترام القضاء والقانون بعدما خرج هو و جماعته عن القانون والدستور وانتهكوا هيبته و قراراته و رجاله.
محاولات الإنقاذ لوقف نزيف العنف أثمرت الأسبوع الماضي عن عدة مبادرات و "مفاجآت" من عدة أطراف سياسية.. بدأت مع رفض أقوى تكتلات المعارضة-جبهة الإنقاذ الوطني- دعوة مرسي إلى الحوار حرصا على عدم الوقوع في فخ الخداع ثانية بعدما تبين لهم عقب الاجتماعات التي عقدها مع قادة الجبهة في قصر الرئاسة و استماعه لآرائهم , أنها لم تكن أكثر من جلسات صورية تهدف إلى إيهام الغرب بوجود ممارسات ديمقراطية.. السبب الآخر وراء الرفض ، رغبة قادة الجبهة امتصاص غضب أعضائها من جيل شباب الثورة الرافض لأي مهادنة مع حُكم جماعة الإخوان ..غضب يزداد كلما ارتفعت حدة ممارسات القمع ضدهم. د.محمد البرادعي-رئيس جبهة الإنقاذ- طرح مبادرة للخروج من أعنف أزمة تمر بها مصر.. تتضمن تشكيل لجنة قانونية لتعديل دستور هشّ فرضته التيارات الإسلامية بعيدا عن أي توافق اجتماعي أو شعبي عليه, تشكيل حكومة إنقاذ وطني ، إقالة النائب العام الجديد و المُعيّن من قِبل مرسي خلافا لما نص عليه الدستور والقانون ، إيقاف قتل المتظاهرين وإلغاء إعلان قانون الطوارئ سيئ السمعة.. ثم أعلن البرادعي في خطوة نحو المزيد من حث المساعي على إيقاف العنف المتواصل, عن مبادرة عقد لقاء بين قادة المعارضة والأحزاب ومرسي ، مع حضور وزيري الجيش والشرطة كي تكون هذه المؤسسات الأمنية الطرف الضامن لجدية تنفيذ الحلول المقترحة والالتزام بالقرارات الصادرة عن هذا اللقاء.. إلا الحساسية تجاه عودة الجيش إلى ممارسة دور سياسي قد تُشكل ذريعة تتمسك بها الجماعة التي سبق لها إفشال لقاء حاول وزير الدفاع عقده منذ فترة بين الرئاسة و المعارضة.
المفاجأة الأكثر إثارة للتساؤل خلال أسبوع المبادرات هي الانقلاب الإسلامي ضد جماعة الإخوان.. فقد أعلن حزبي النور- السلفي- والبناء و التنمية-التابع للجماعة الإسلامية- تخليهما عن دعم الإخوان، وقدم حزب النور مبادرة مشابهة في غالبية بنودها لتلك التي أطلقتها جبهة الإنقاذ ، كما تمت لقاءات بين هذه الأحزاب-التي تمثل أقوى الأحزاب الإسلامية- و بين قادة الجبهة ، أسفرت عن تنسيق سيترك جماعة الإخوان مع بعض الأحزاب الهامشية التي لا ثِقل لها في الشارع ، في مواجهة غضب و كراهية الشارع لهم. أسباب الانقلاب السلفي المفاجئ تقع في دائرة احتمالين لا ثالث لهما : الأول يتعلق بكلمة السر"ابحث عن التمويل" .. فالمعروف أن تمويل أكبر حزبين سلفيين يأتي من السعودية التي يبدو أنها مارست ضغوطا على الحزبين كي يتجها نحو التحالف والتنسيق مع جبهة الإنقاذ..أما الثاني فيكمن في أن القيادات السلفية قليلة الخبرة بالسياسة و تميل في ممارساتها إلى كفة "الدروشة" أكثر من دهاليز ومكر السياسة..قد ضاقت ذرعا من دور "المطية" التي مارستها سياسة الإخوان في التلاعب بهم.. هم بالنسبة للجماعة مجرد كتلة بشرية يلجأون إلى استرضائها عند الحاجة والمصلحة.. عندها ينهمر على السلفيين سيل من الوعود البرّاقة التي تتعهد بها الجماعة.. لكن ، ما أن ينتهي دور المصلحة تُلقي بهم الجماعة إلى أقرب سلة مهملات!!
وفي انتظار المزيد الذي قد تحمله الأحداث المتوالية على الشتاء المصري الساخن..تبدو كل الاحتمالات مفتوحة أمام التكهّن.
كاتبة عراقية مقيمة
في القاهرة
اترك تعليقك