خِطابُ البُلَهاءُ

آراء وأفكار 2013/02/03 08:00:00 م

خِطابُ البُلَهاءُ

مازال خطابنا السياسي هزلاً ، خطاب لا يرتقي لمستوى خطاب حضاري يساهم في بناء دولة مدنية ديمقراطية ، يُصاغ بردة فعل وبأسلوب غير حضاري مورث من عقل مستبد ، يتحدث بعقلية التهمة والمؤامرة والإدانة، يعتمد فيه على أهل"الثقة" بدلاً من أهل"الخبرة".هدفه السياسي الوحيد تقديم تبريرات من الأزمة و أخطائها ورمي التهم على الآخرين . تقول تجلياته ، إن اللغة التي يوظفونها الآن ، واحدة من لغات الفكر السياسي القديم التي كانت سائدة ، كالتي أخبرنا بها حنا بطاطو في موسوعته المعروفة "زعيمنا المحبوب(....) ، لقد استأنا كثيراً مما حصل مؤخراً ، إننا ننتظر أوامر حزبنا بفارغ الصبر ، إننا جاهزون وبكلمة منكم لقطع أعناق الخونة بأسنان مناشيرنا".مثل هذه اللغة لا يصلح صاحبها أن يكون مدير دائرة حكومية بسيطة ، وليس زعيماً سياسياً!

هكذا بات دعاة الدولة المدنية ، دولة القانون والمؤسسات ، جزءا من حاجز مادي يعيق بناء العراق التعددي – المدني ، هم قبل الجميع مطالبون بإصلاح داخلهم "المريض" ، والعمل على تغيير سياستهم وأفكارهم ، والتمرس على مواجهة الأزمات والمشكلات بنقد ذاتي يمنع من إلقاء التهم على الآخرين .علينا أن نبدأ من أنفسنا ، كادرنا ، حزبنا. وإلا كيف نفهم ما كتبه القيادي في دولة القانون سعد المطلبي عندما وجه دعوة لخروج تظاهرة لنصرة "مختار عصرهم" ، يقول المطلبي "ليروا أنا قادرون على إقامة خميس حاشد يرهبهم ويقمع ضلالهم وبغيهم وليرى العالم أن هؤلاء الشراذم ما هم إلا أقلية خاسئة حاقدة، هبوا ياعراقيون لنصرة دولتكم يوم الخميس القادم".؟ و لم تخبرنا "دولة القانون" الجهات التي وصفها المطلبي بـ"الشراذم والأقلية الخاسئة والحاقدة"، وبالتالي هل من الصحيح أن نبني دولة مدنية ، نقوم بإرهاب وقمع الآخر ؟ بربكم ، أليس المطلبي ومن معه يشبهون هؤلاء الذين يدعون التقدم من جهة ، ومن جهة أخرى ينتظرون أوامر زعيمهم ، لقطع أعناق الخونة بأسنان مناشيرهم ؟!
أما عن مختار عصرنا الذي ابتلانا الله به أشد بلاء، فقد خبرنا تناقضاته  أيام 25 شباط ، والآن في تظاهرات المناطق الغربية .السيد يتعامل مرة بالعصا ومرة بالجزرة ، بالقوة مع المتظاهرين ومرة بالمرونة والتجاوب مع مطالبهم . في وقت يعلن عن أن"المتظاهرين يطالبون بأشياء لا تجد الحكومة ضيراً من أن تتحرك بقوة لتفعيلها وتنفيذها خدمة لهؤلاء المواطنين لأنهم لا يحملون  أجندات سياسية لا طائفية ولا يريدون إلغاء الدستور"، وفي وقت آخر يصفهم "بالفقاعات  وخرجوا بمئة دولار " ، ولديهم "أجندات خارجية" ،وهددهم قائلا "الانتهاء قبل الإنهاء"، أشار إلى وجود "أجندات خارجية لبث الفوضى داخل البلاد". أحد الصحفيين قال"هو يهدد باستخدام القوة لفتح الطرق، ثم يطلق بعض المعتقلات من أهالي الأنبار. يشكل لجاناً للتدقيق في ملفات المعتقلين كبادرة حسن نية، ثم يلوح للطيف السياسي المعارض بـ «ملفات الفساد والإرهاب»، ويقول إنه ينتظر «نضوجها» لعرضها أمام القضاء. يحمل البرلمان مسؤولية إلغاء القوانين التي تثير غضب السنة مثل «الاجتثاث» و «الإرهاب»، ويعتبر رئيسه أسامة النجيفي «فاقداً للشرعية» بسبب تأييده التظاهرات".
المختار ، تارةً يبشرنا أن شبح الطائفية قد ولى ، وتارةً أخرى يقر بوجودها ، و في مرة قال "أن الحكومة العراقية الحالية والدستور العراقي بنيا على أساس قومي وطائفي" ،ويضيف "الدستور كتبناه وكل منا أراد أن يثبت انتمائه وقوميته ومذهبه بأشياء يضعها في الدستور"، "لكننا اكتشفنا أخيرا أن لم يكن منذ البداية أننا زرعنا فيه ألغاما وليس حقوقا".
يا مختار عصرنا ، اعلم بأنك تشعر بغثيان وتنزعج ، وراء اطلاعك على مثل هذه الكلمات ، وعمر كاتبها بعمر أحفادك أو أصغر ، واعلم بأن الأزمة لا تتمحور بشخصك ، وإنما هي أزمة حكم . ولكن يا مختار عصر القانون ودولة المؤسسات .  ألا ترى فيك عورة الشخص الإمبراطوري ، المستبد ، المنعزل ، المتعنت ؟ عورة أهلكت العراق ودمرت شعبها ووضعته في مؤخرة العالم  ؟
انفتح ، وافتح عقول أتباعك على الآخر ، كن مختاراً وسطياً مرناً ، يساهم في بناء نخبة تداولية ، تعددية .
تغيّر يا مختار لكي تسهم في تغيير الآخر ....
تغيّر وغيّر، لكي لا تروق لجنودك قطع أعناق الخونة بأسنان مناشيرهم !!
عن "السفير" اللبنانية

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top