عُري النظام

آراء وأفكار 2013/02/05 08:00:00 م

عُري النظام

يبذل الفنانون جهوداً خارقة كي يتوصلوا إلى تخليق رمز يستجيب له الناس ويعترفون به عنوانا على مرحلة ما أو قضية ما. ونادراً ما تقدم ممارسات نظام حكم عملا يصبح هو في حد ذاته رمزا لها يتداوله الناس كعلامة مميزة لهذا النظام في فترة تاريخية غالبا ما تشهد أحداثا درامية برائحة التراجيديا كما هو الحال في المرحلة التي نعيشها من حكم الإسلام السياسي الذي قدم لنا الرمز جاهزا ومصورا ومعروضا على العالمين.

والتقط الفنان العبقري «عمرو سليم» ذلك الرمز وحوله إلى قطعة من الفن الجميل عن عري النظام القائم وهو العري الذي يحتمل تأويلات شتى بعد أن قام بعض رجال الشرطة بتعرية مواطن وسحله جهارا نهارا ليشهد العالم كله فضيحة هذا النظام الذي لم يعرِّ الرجل الذي لا حيلة له فحسب وإنما عري نفسه، وظهر على حقيقته مجردا من الإنسانية ومن الأخلاق ومن الدين الذي يتاجر به. وزاد الطين بلة حين قام سدنة النظام بتهديد الرجل وإجباره على الشهادة الزور حتى يبرئ الشرطة قائلا إنها هي التي أنقذته من أيدي المتظاهرين الذين قاموا بتعريته وسحله.

وسرعان ما انكشف التدبير الساذج الذي أكد الفضيحة ولم ينفها بل زادها اشتعالاً.

وربما لو كانت هذه هي الصورة الوحيدة لعري النظام لهان الأمر، ولكن الوقائع المتتالية تؤكد هذه الصورة وتحفرها في الوجدان الشعبي الذي فقد الثقة في حكم الإسلام السياسي ولم يعد يتوقع منه أي خير.

فإذا ما توقفنا أمام أشكال البلطجة التي مارسها الإسلاميون ضد مؤسسات الدولة وعلى نحو خاص ضد المؤسسة القضائية بحصار المحكمة الدستورية العليا لمنعها من إصدار أحكام كانت متوقعة بإبطال الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور وإبطال مجلس الشورى الذي حوله الرئيس بقرار منه إلى مجلس للتشريع ثم عزل النائب العام دون وجه حق والإتيان بنائب عام جديد في عدوان صريح على استقلال القضاء وقيام هذا النائب العام الجديد بأداء تمثيلية ركيكة لا تضاهيها إلا تمثيلية الاعترافات المزورة للمواطن المسحول، ووقع النائب العام استقالته بخط يده، وما أن انصرف وكلاء النيابة الذين طالبوه بالاستقالة احتراما لاستقلال الموقع، ورفضا لتدخل السلطة التنفيذية في شؤون القضاء، إلا وعاد النائب العام المفروض على القضاة إلى مكتبة قائلا إنه كان عرضة لضغوط الوكلاء حتى يستقيل وأنه كان مرغما وبتنا كأنما نشاهد تمثيلية من قصص ألف ليلة وليلة عن المراوغة وأساليب الحوار في التلاعب وابتكار الحيل والخداع المرتب للفوز على الطيبين الذين قال عنهم فؤاد حداد :

دايما الطيبين يستشهدون الأول

وها نحن نشاهد والقلوب تقطر دما شبابا في عمر الزهور يسقط كل يوم دفاعا عن ثورته وحلمه كما قال أحد أصدقاء الشهيد محمد حسين كريستي.

وبنفس القدرة على التلاعب والخداع كتب الإسلاميون نصوص دستور مشوه. وفرضوه في استفتاء مزور على البلاد متصورين أنهم يضعون ختم الشرعية عليه ما دام الاستفتاء قد تم وأخذوا يدفنون وجوههم في الرمال ويصمون الآذان عن احتجاجات الثوار الذين لم يقتصروا على الشباب وحدهم وإنما أصبحوا يمثلون كل قوى الشعب وأطيافه وفئاته بل ورتبوا العمليات الخسيسة لاصطياد الثوار وقتلهم بادعاء أنهم أي الثوار يمارسون العنف الذي دبروا هم له على طريقة العصابات الإجرامية حتى أصبح الناس يتساءلون ما علاقة كل هذا بالدين الذي وضعوه ستارا يختفون وراءه وهم ينفذون المخطط الموضوع سلفا للاستيلاء على الدولة وإخضاعها لأهدافهم وصبغها بأوهامهم عن الخلافة والحكم الإسلامي وهم يحرسون المصالح الاستعمارية والصهيونية في المنطقة بكل شطارة.

تعري النظام إذن وإن بثمن باهظ من دم الشباب ولن يذهب هذا الدم سدى لا فحسب لأنه عري النظام الذي يزداد طابعه الإجرامي بروزا كل يوم بالموازاة مع عجزه عن حل أي من المشكلات الكبرى التي تواجه البلاد، وإنما أيضا لأنه العنوان الساطع على أن هذا النظام وهو يستولي - غلابا - على مؤسسات الدولة واحدة بعد الأخرى ويحدث الخراب أينما حل هذا النظام عجز عن الاستيلاء على روح الشعب أو كسر شوكة المقاومة وأسسها المعنوية أو تلويث منابعها الأخلاقية العميقة بعمق تاريخ هذا الشعب وإسهامه في بناء الحضارة الإنسانية هو الذي عرفت الإنسانية فجر الضمير عن طريق إنجازه العبقري وهو الشعب الذي سوف يعرف جيدا كيف يعبر هذه المرحلة المعتمة من تاريخه ويحولها إلى جملة اعتراضية سوداء وعابرة مهما كان الثمن المطلوب منه وهو الشعب السخي على مر العصور.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top