روايتــه الأولــى بعد نوبل..مو يان يرسم صورة مجتمع يتغذّى على الفساد

روايتــه الأولــى بعد نوبل..مو يان يرسم صورة مجتمع يتغذّى على الفساد

في أواخر العام الماضي تم منح الكاتب الصيني مو يان جائزة نوبل للآداب. النظر إلى حالته - كمفضل لدى الحزب في الصين، و تصريحه الذي يقارن الرقابة على المطبوعات بأمن المطارات ، على انه بارع في وسائل الإعلام الصينية و متخبط في الغرب – دفعه إلى وسط المسرح وأعاد إذكاء الجدل الدائم حول العلاقة بين السياسة و الأدب .

"باو" هي روايته الأولى  التي تظهر باللغة الانكليزية منذ تكريمه بجائزة نوبل . بعيدا عن السياسة، فان هذا الكتاب يبدو انه يمثل كل الأخطاء في أعمال مو يان، و ربما على نطاق أوسع، كل ما ضل طريقه في الأدب الصيني على مدى السنوات الثلاثين الماضية.

في سنوات التسعينات، ذكر الكاتب الصيني (وانك زيابو) الذي يحظى بملايين الأتباع، أن الكتابة بالنسبة له تشبه الاستمناء – شيء تقوم به برغبة عارمة و ينتهي بفراغ ممتع . يبدو أن إزعاج  أو تسلية مو يان ككاتب مرموق في الصين اليوم، تؤكد تلك الملاحظة . في النهاية، فان رواية  باو – يبدو الاسم مضحكا – تذكّر القارئ بأن مثل هذا العمل كان يجب أن يكون عملا شخصيا و ليس مطبوعا .

تبدأ الرواية بشاب يحكي لراهب عجوز قصة عائلته، و يقلب المعادلة المعروفة لقصص الطفولة التي يحكي فيها راهب عجوز قصة لشاب صغير. خلال السرد القصصي يظهر عدد كبير من الشخصيات التي لا يمكن تفسيرها و هي تمر أمام ناظري الراوي : ثعالب تتقمص طبيعة البشر تأكل لحما قامت حورية بطبخه؛ شبح أنثى شابة تعرض نفسها للراوي، نصفها بشكل أم و نصفها الآخر بشكل حبيبة ؛ رجل بلا اسم ينخرط في عربدة مع حفنة من العاهرات . ينضم الراهب إلى تلك الصورة و يتلوى جسده بمهارة لكي يتمكن من أداء الجنس الشفهي مع نفسه لإحياء روحه العجوز،  تاركا الراوي الشاب في روع من أمره .

منذ فترة طويلة هناك إجماع على أن أعمال مو يان متأثرة بالواقعية السحرية لغارسيا ماركيز؛ جاء في الصحافة الرسمية أن لجنة جائزة نوبل قد أثنت على " واقعيته المهلوسة " التي " تدمج الحكايات الشعبية بالتاريخية و المعاصرة ". خيط السرد القصصي للرواية يعج بالهلوسة : ثعالب – التي تحتل مكانة بارزة في الحكايات الشعبية التقليدية ( حيث تظهر في عائلة من ثلاثة يجلسون لتناول العصيدة ) – تشبه الدببة الثلاثة في غولدلوكس ؛ رهبان و أشباح تمتلك قوى جنسية غير طبيعية ؛ سيارات مترفة مستوردة ؛ بار كاريوكي يستخدم أيضا كبيت للدعارة تحت الأرض . كل هذه معروضة بأمانة في خليط غير متجانس من الكوابيس، لكن ما هي الغاية ؟ من الذي يحتاج إلى مثل هذه الهلوسة المبتذلة ؟ . من المؤكد أن مو يان هو الذي يحتاجها، لأنه بدونها سيواجه تحديا كبيرا : معالجة الواقعية الرخوة لعالمه الخيالي . الخلفية الدرامية للرواية هي أكثر صلابة و تمثل المأساة المعاصرة للصين . عائلة الراوي، مثل الكثير من العوائل القروية ، تتوقف عن الزراعة و تتحول إلى القصابة. تستخدم القرية – التي تخضع لسيطرة احد منظمي المشاريع – كل أنواع الغش : حقن الماء في اللحوم ليزداد وزنها ؛ إضافة الفورمالدهايد و الألوان الاصطناعية ليبدو اللحم طريا و جديدا. تزدهر العائلة لفترة من الزمن، حتى يقوم الأب بضرب زوجته بالفأس و يقتلها أمام أطفالها وعشيقها. تتشابك مع مأساة هذه العائلة صورة الصين المعاصرة – مجتمع سفاح يتغذى على الجشع و الخداع و الفساد و الانحطاط المادي .

لا يمكن القول إن مو يان لم ينتقد الصين في تصويره للقرية، لكن بدلا من استكشاف التيارات القاتمة في المجتمع أو في أعماق الشخصيات،فيبدو انه جعل هدفه البقاء على السطح . لقد استنزف الكاتب الكثير من طاقة الرواية على أوصاف طويلة حسية للذبح و الطبخ و الأكل و غيرها من وظائف الجسم . كما أن هناك الكثير من القصص التي تجبر القارئ على أن يشاهد تلك الشخصية أو تلك و هي تتبول، و أن يتحمل الوصف الطويل للبول .

في نهاية الرواية يحاول الراوي الانتقام لوالديه عن طريق إحراق شظايا هاون قديم من الحرب العالمية الثانية بالقرب من عشيق أمه . المقاطع الطويلة عن محاولاته الإحدى و الأربعين – " 41 إطلاقة " كان العنوان  الصيني الأصلي للرواية و الذي تحول إلى باو – يمكن قراءتها على أنها إجراء يائس لإطالة الرواية دون المس بجوهر القضية. إنها لا تقدم أكثر من استعراض مكرر لما حدث، و هو أمر لا يجوز لكاتب واثق من نفسه أن يجبر قراءه على إعادة قراءته .

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top