عن تفجيرات الأمس..

عن تفجيرات الأمس..

المدى لم يبلغ الاستهتار بمصير الناس وحياتهم وأرزاقهم ما بلغه لدى الكثير من السلطات العربية والإعلام العربي المأجور الذي لم يستطع أن يخفي تشفيه بالدم العراقي، وهو يجد (المسوغات) للتفجيرات التي تستهدف العراقيين وأماكن تجمعاتهم وأعمالهم.

الصمتُ الذي هو شكل مخزٍ من أشكال التواطؤ مع الجرائم الإرهابية يأتي معبِّراً عن ذلك الاستهتار..بينما تأتي (التسويغات) التي تلقي باللائمة على الوضع السياسي العراقي وإشكالاته وتعقيداته، وقد تحمَّله مسؤولية الجريمة، معبرةً عن محاولةٍ أكثر خزياً لإيجاد مظلة يتبرر معها القتل والإبادة الجماعية التي يتعرض لها العراقيون في بغداد ومدن أخرى. في كل حال لا يمكن تبرير جريمة قتل، لكن الإبادة الجماعية ستتجاوز جريمة القتل العادية وغير العادية، وسيكون قبول النظام السياسي والإعلامي العربي بها تعبيرا عن تورطٍ بفعلٍ عدائي وإجرامي لا سابقة له سواء في التعايش أو التخاصم بين الدول والمجتمعات. لن يكون هذان الصمت والتسويغ تعبيرا عن سوء تفاهم أو عن تخاصم سياسي بين النظام العراقي الجديد وجواره ومحيطه الإقليمي..لقد اعتاد الجو السياسي الإقليمي على أنماط من الخلافات التي تأخذ من التآمر الحكومي والعزل والنبذ وسائل لتصريف الخلافات وتأجيجها، لكن أن يُستهدَف شعبٌ بهذه الطرق التي استُهدِف بها شعبنا طيلة الأعوام الستة الماضية فإن ذلك تعبير عن أزمة أخلاقية وسياسية تؤسس لمستقبل أسود من العلاقات القائمة على التكاره والقطيعة التي لن يردم آثارها أي جهد مطلوب للإصلاح. وفي الداخل الذي لا يُعدَم أن تُسمَع فيه أصواتٌ دموية لا تخجل من أن ترمي اتهاماتها جزافاً من دون أية رغبة حقيقية في تأشير مصادر الجرائم وبواعثها ومحفزاتها الحقيقية..فإن المشكلة تتوزع بين أكثر من طرف، وسيكون أكثرها مسؤوليةً في استمرار ما يحدث من إرهاب هو وجود قوى سياسية تميل إلى التبرير والقاء التهم، فيما تتحمل السلطات وأجهزتها الأمنية والعسكرية مسؤولية أساسية في منع الجريمة واستئصال بؤرها وقطع وسائل إمدادها، وهذا ما لم يتحقق حتى الآن. لقد سمح الشعب بإنفاق غير محدود على تلك الأجهزة وغض الطرف عن امتيازات هائلة مقبولة وغير مقبولة تمتع بها القادة وكبار الضباط ، وكان ينتظر مقابل هذا أن تنجح قواته الأمنية والعسكرية في المهمات التي أنشئت من أجلها.صحيح أن تطوراً نوعياً حصل في أداء هذه القوات وفاعليتها، لكن أن يستمر تبرير حصول الجرائم فهو ما يجب أن لا يُسمَح به في كلِّ الظروف، مثلما لا يُسمَح بأي تقصير أو إهمال في التخطيط أو التنفيذ الأمني الذي تمرّ عبره الجريمة والمجرمون.لا يحتمل الأمر تهاوناً أو تساهلاً في المحاسبة عن أفعال وسلوك ولا أبالية أو جهل أو عمد ثمنها الدم والأرواح. وما جريمة الأمس إلا نتاج مباشر أو عرضي لكل تلك المشكلات الخارجية والداخلية التي ما زالت تنتظر الحلول.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top