قصتي مع السيبرنطيقا

قصتي مع السيبرنطيقا

(10)

Cybernetic

   يعيش المجتمع المعاصر نوعاً من الآلية المتحركة في المتطلبات والأهداف، معتمدا على أنظمة معقدة من العلاقات التي تتحكم بها قرارات وعمليات تكنولوجية تسعى إلى التسهيل والسيطرة على تفاعل الفرد مع المجتمع وتفاعل المجتمع مع الطبيعة . فالتكنولوجيا هي التطبيق المباشر للعلم والتي تساعد المجتمع – على اختلاف مراحل تطوره –  في الاتصال والتعامل مع الموجودات الإنسانية والطبيعية . والتكنولوجيا سبقت العلوم ، إذ بدأها الإنسان بوضع أدواته البسيطة دون أن يعلم آليتها وطبيعة وأسرار المواد المستخدمة التي يستعملها، وقد تميز الإنسان منذ القدم بصنع الآلات حتى نعت – الحيوان صانع الأدوات . وإذ ترتبط التكنولوجيا بالعلم ، فلابد من التأكيد واستنادا إلى المراجع التأريخية ، أن التكنولوجيا مرت بثورتين رئيسيتين هما :

الأولى : تمتد زمنياً من القرن الثامن عشر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى ، وقد ظهرت فيها القوة الكهربائية التي ساهمت في التقليل من الجهد الإنساني والفعل العضلي .

الثانية: تمتد مع فترة الحرب العالمية الأولى والثانية وما بعدهما وتميزت باكتشاف الحاسبة الإلكترونية ومنظومات الأتمتة لوسائل الإنتاج.

ويبين( فؤاد زكريا ) ماهية عمل النظم التفكيرية والتكنولوجية لتلك الثورتين فيصور لها أنموذجين هما :

عمل الثورة الأولى وفق الأنموذج الأولي الذي يتلخص باستطاعة الإنسان تفسير الظواهر على نحو أفصل ، تمكن من تنظيمها في نسق فكري تكون فيه كل منها مؤدية إلى الأخرى بطريقة آلية صرفة .

عمل الثورة على وفق علم جديد يسمى (السيبرنطيقا ) الذي ابتكره وطبقه عمليا العالم ((نوبرت فينر)) عام 1948 ، وكانت فكرة هذا العلم تستند إلى تطبيق ما يحدث في الإنسان – بوصفه جهازا حيا متكاملا- على الآلات من اجل الوصول إلى مرحلة متقدمة من الأداء

إن بدايات هذا العلم ترجع إلى الأصول التاريخية إلى الاستعمال اليوناني ، إذ تدل اللفظة اليونانية (كوبرنتيك Kubarnetic) على قائد السفينة أو الملاح الذي يكون عمله بين الربان الذي يقول أين يجب الذهاب وبين موجه الدفة . ومن هذا المنطلق بدأت رحلة هذا العلم التي توقفت مدة، إذ لم يستعمل هذا المصطلح إلا في بدايات القرن التاسع عشر من قبل العالم ((أندريه ماري أمبير)) الذي وضع تعريفا له في كتابه (مقالات في فلسفة العلوم) إذ عرّفه " علم إدارة المجتمعات الذي يهيئ للعالم فرصة الاستمتاع بالعالم " ثم غاب المصطلح لفترة من الزمن ليظهر بعدها عام 1948 ، عندما نشر العالم  الأمريكي (نوبرت فينر) كتابه  (السيبرنتك Cybernetic ) بوصفه علماُ يربط العلوم مع بعضها البعض داخل إطار نظرية التحكم . وقد عرفه (فينر) بأنه " علم التحكم والاتصال في الحيوان والآلة " فالأجهزة الإلكترونية تشابه آليتها آلية الدماغ البشري كونها تعتمد وظيفة الذاكرة ، أي قدرة الاحتفاظ بنتائج العمليات السابقة بقصد استعمالها مستقبلا ، لذلك تكون السيبرنظيقا العلم الذي يشرح فيه المهندسون للفسيولوجيون كيفية بناء الآلة ، ويشرح فيه الفسيولوجيون للمهندسين كيفية سير الحياة .ويوضح (كارل وديتش ) مبدأ أساسيا في المنهج السيبرنطيقي ،إذ يؤكد على عدم وجود أي نظام (فرديا كان أم جماعيا) بدون اتساق الفعاليات ، كما يتعذر الاتساق أو التنظيم من أي نوع دون تبادل المعلومات . وبالتالي يكون النظام الإنساني والآلي هو اعتماد تبادل اتصالي بين الأجزاء تحت رقابة داخلية تتقيد  بالمعلومات الأولية والعمليات التي تفسر وتعيد أو تحول تلك المعلومات إلى مخرجات جديدة . ونستطيع أن نأخذ التعريف الآتي ، بوصفه شكلا أدائيا داخليا يتبعه النظام ،إذ تكون السيبرنطيقا " علم نقل الإشارات التي تعتمد التحكم الذاتي " ولهذا يكون الفرق بين المدخل والمخرج من النظام صفرا في الأجهزة الإلكترونية والآلية ، وتختلف عنه في النظم الإنسانية لأنها تعتمد على الفعل الإرادي والنفسي وأثره على نوعية الأداء . ولكن كلا النظامين، الآلية والإنسانية يعتمدان الاتصال في تبادل المعلومات بين أجزاء النظام الذي يتحول باستمرار بفعل تغير القراءات وتوجيهها نحو الأهداف ، والاتصال يتحفز بالمعلومات الواردة إلى النظام وتتطور إلى مخرجات تمثل القصد أو غرضيه النظام .

   لقد أخذ العالم المعاصر يعي أهمية (السيبرنطيقا) واستعمالاتها في الوسط الحياتي على مقدار من الملاحظة العملية للفعل الإنساني وعلاقته بإنتاج الفعل الموقف الاجتماعي أو الفني وخضوع عملياته الداخلية إلى مفاهيم جديدة ، مثل الضبط والتوجيه لجملة العناصر المكونة للنظام وضمانية تحقيق الأهداف .ومع زيادة رقعة العلوم التطبيقية المعاصرة للسيبرنظيقا المكونة من النظم البايلوجية والاجتماعية والآلية ، أصبح للسيبرنطيقا ظروفه العملية والعلمية في تسيير نشاط الأنظمة المختلفة مما يخلق نوعاً من التواصل والضمانية ما بين البرنامج المخطط والحاصل من النتائج . ويمتاز علم السيبرمطيقا عن  باقي العلوم الأخرى ، أنه استبدل مفهوم الدافع في الأنظمة السلوكية بمفهوم (الموجه) أو الضابط ، إذ تهتم باتخاذ القرارات وضبط السيطرة ، وكذلك تعتمد عملية التوجيه الذاتي على (التغذية المرتدة ) كرد فعل  للأداء الناتج عن النظام، فضلا عن مفهومي التحكم والقيادة اللذين لا يتطابقان إلا عند القيام بعمل معين .

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top