ومثلما دفعت انتفاضة البحرين ثمن الاستقطابات الإقليمية في المنطقة والصراع بين إيران والسعودية، كانت هناك مخاوف من أن تدفع احتجاجات العراق ثمن ترتيب الاستقرار في المنطقة في أعقاب انسحاب القوات الأميركية من العراق والاستعداد لملء الفراغ بعد
ومثلما دفعت انتفاضة البحرين ثمن الاستقطابات الإقليمية في المنطقة والصراع بين إيران والسعودية، كانت هناك مخاوف من أن تدفع احتجاجات العراق ثمن ترتيب الاستقرار في المنطقة في أعقاب انسحاب القوات الأميركية من العراق والاستعداد لملء الفراغ بعد انسحابها من قبل دول الجوار... وفي مقدمتها إيران.
جاء شعار تظاهرات البحرين " لا سنية ولا شيعية بل وحدة وطنية" في إطار دفاعي ضد وصم التظاهرة بالطائفية، ولمنع تحويلها إلى مواجهة بين أغلبية شيعية وأقلية سنية حاكمة، وتكرر الشعار ذاته في تظاهرات العراق في محاولة من المتظاهرين لتجاوز الطائفية السياسية التي حجرت على العملية السياسية وشلت قدرتها على إنتاج الإصلاح.
متاجرة سياسية بالثورات
وفي حين كان شباب شباط يتبعون خطى ثورتي تونس ومصر، تحولت ثورة البحرين إلى مزايدة سياسية علنية في عالم الطائفية السياسية في العراق، فانغمست قيادات سياسية ودينية في توظيف انتفاضة البحرين لتحقيق مكاسب سياسية، فقد دعا السيد عمار الحكيم رئيس المجلس الأعلى مؤيديه ومناصريه من الشعب العراقي بالخروج إلى ساحة الخلاني في بغداد لنصرة الشعب البحريني... ولكنه لم يدع لتظاهرة ترفض الفساد المستشري بين النخب السياسية برغم تعاطفه مع مطالب المتظاهرين.
ووجه زعيم التيار الصدري "مقتدى الصدر" بانطلاق تظاهرة في بغداد لمساندة ما وصفه بـ"ثورة إخوتنا وأهلنا المسلمين في دولة البحرين لرفع الظلم والحيف عنهم". كما انتقد في وقت سابق على دعوته بالتظاهر، إرسال قوات خليجية إلى دولة البحرين لقمع الانتفاضة واصفا إياها بـ"قمع إرادة الشعب البحريني"
إلا أن التحرك الذي خطف الأنظار في استثمار انتفاضة البحرين كان ما فعله "أحمد الجلبي" زعيم حزب المؤتمر العراقي، الذي نصّب نفسه كـ "رئيس المؤتمر العام للجنة الشعبية لنصرة شعب البحرين"، وقام بالتحضيرات اللازمة لتسيير سفينة مساعدات إنسانية للمعارضة في البحرين أطلق عليها اسم "المختار"، وقد حاول رئيس الوزراء نوري المالكي تجنب أزمة مع دول الخليج بإصداره أمرا بعدم السماح بإبحار سفينة "الجلبي" للمساعدات الإنسانية إلى البحرين إلا في حال موافقة السلطات البحرينية على استقبال السفينة، في وقت اعتبرت فيه السلطات البحرينية سفينة الجلبي محاولة للتدخل في الشؤون الداخلية..
وتحولت جلسة البرلمان العراقي يوم الخميس 17/3/2011 إلى مباراة لاستعراض المواقف المؤيدة لانتفاضة البحرين، في وقت شعرت فيه تجمعات المتظاهرين بافتقار هذه المواقف البرلمانية للتبرير، فهي ترفض قمع تظاهرات البحرين لكنها تصمت على قمع الحكومة العراقية تظاهرات بغداد والمحافظات.
وفي الوقت الذي ألقى فيه زعيم تيار الإصلاح الوطني "إبراهيم الجعفري" كلمة رافضة للقمع في البحرين، كان على بعد مئات الأمتار من مكان خطبته في البرلمان، متظاهرون عراقيون يُضربون بالهروات ويُفرَّقون بإطلاق الرصاص وخراطيم المياه .
ثم أعلنت رئاسة البرلمان العراقي تعطيل البرلمان لعشرة أيام من دون توضيح أو تصريح واضح من رئاسة البرلمان يبين فيه: هل كان التعطيل من اجل دعم انتفاضة شعب البحرين أم من اجل الاحتفاء بكرد العراق الذين كانوا يستعدون للاحتفال بأعياد نوروز ، أم للاثنين معا ؟!
وهذا فتح الأمر لغضب جماهيري حول أداء البرلمان، وصرخ "شمخي جبر" مسؤول حركة جياع " لا يعقل تعطيل مؤسسات الدولة وتأخير أعمالها، كنوع من الدعم لانتفاضة شعب البحرين، بل بتقديم المزيد من الخدمات للشعب". وأضاف بما يشبه الغضب " يتقاضى البرلمانيون رواتب خيالية وامتيازات مبالغ فيها، مقابل لا شيء، فلدينا أقل برلمانات العالم إنجازاً، وهناك مئات من مشاريع القوانين التي لم تسن ونحن بحاجة للإسراع بتشريعها".
وقبل أن ينغمس جبر مع زملائه في كتابة بيان جديد ضد أداء البرلمان أضاف بما يشبه السخرية " إن برلماناً لا يراقب الحكومة يشبه البرلمان الحقيقي كما يشبه القرد الإنسان!"
صدام ليس تمثالاً بل هو شبح أيضا!
فتحت المقارنات بين الشعوب والحكومات والمؤسسات الدينية العربية فرصة للشباب للتفكير مليا حول مكانهم في العالم، أين هم من الثوارت العربية، ما الذي يفتقدونه وما الذي يتقدمون به عن زملائهم.
تابعوا بأسى ما يحدث في ليبيا وكيف انخرطت الحكومة في حرب أهلية ضد الثوار، وكيف تطور الأمر في سوريا على المنوال نفسه، كانوا ينظرون إلى هاتين التجربتين ويتذكرون ما حصل في العراق بعد حرب الخليج الثانية 1991 وانسحاب الجيش العراقي من الكويت، اشتعلت انتفاضتان واحدة في كردستان نجحت بمساعدة من قوات التحالف في تكوين كيان كردي شبه مستقل والثانية في الجنوب تم قمعها بقسوة من قبل قوات الحرس الجمهوري المدربة جيدا على التصدي للانقلابات.
كان ينظرون بقلق مصدره ما فعله التحالف آنذاك، لم يساند الثورة الشعبية في الجنوب، وفضل أن يتعامل مع صدام ضعيف على أن يتعامل مع عراق مختلف لم تتحمل صورته حسابات المنطقة.
وما كان ثابتا بالأمس لن يتغير اليوم، برغم الخطاب الأميركي عن الحريات، فالمهم بالنسبة للأميركيين اليوم هو الموافقة على تمديد بقاء القوات الأميركية في العراق بغض النظر عن موقف الحكومة الحالية من الحريات "إنهم على استعداد للتعامل مع الشيطان ما دام يحقق مصالحهم، والمصالح تأتي أولا في سلم الأولويات قبل حريات الشعوب" على حد قول الصحفي "علاء حميد" الذي كان احد الإعلاميين المستقلين المشاركين في جمعة الغضب.
ظل الأميركيون يتعاملون مع دكتاتوريات الشرق الأوسط طوال فترة الحرب الباردة للتصدي لخطر الشيوعية وعملوا في التسعينات معها ضد خطر المنظمات الإرهابية الإسلامية، وهم الآن لن يخرجوا عن ستراتيجيتهم من أجل أن يتحول خليج النفط العربي إلى بحيرة ديمقراطية.
أما بالنسبة للشباب فقد كانت المعركة واضحة وهي خارج معادلات السياسات الدولية، بل تتوجه بشكل خاص للبيت الداخلي، فقد خرجت التظاهرات لكي لا تعود دولة صدام البوليسية بأشكال جديدة أو تعيد إنتاج صورتها في انبعاث دكتاتوريات جديدة، وهم بذلك يقارعون الحكومة بحجتها، فهي قد ظلت تحذر من عودة البعثيين ودولتهم وحاولت أن تعامل المتظاهرين من خلال تبني خطاب مضمونه "مهما تكن أخطاء النظام الحالي فهو أفضل من سنوات صدام، فهل كنتم تتخيلون الخروج في تظاهرة في زمن صدام؟" ويرد عليهم المتظاهرون برفع شعارات مضمونها أن النظام الجديد يسير في طريق صياغة دولة بوليسية لا قيمة لحرية الرأي فيها، وأن المتظاهرين خرجوا لمقاومة صدام بأشكاله الجديدة أيضا.... لقد سقط تمثال صدام بفضل الآلة الحربية الأميركية، لكن شبحه ما يزال يتجول في الأرجاء، وكانت للمتظاهرين تعويذة لطرد أشباح الدكتاتورية تمثلت بشعار (لا للدكتاتورية ... نعم للحرية)