في الذكرى الثانية لتظاهرات شباط 2011...رموز الثورة وأيقوناتها

آراء وأفكار 2013/03/02 08:00:00 م

في الذكرى الثانية لتظاهرات شباط 2011...رموز الثورة وأيقوناتها

انخرطت ضمن التظاهرات  تيارات غير مشاركة في العملية السياسية ولم تدخل في الانتخابات مثل الحزب الشيوعي العراقي، كما حضرت المنظمات التابعة له مثل "منظمة حرية المرأة" التي تترأسها الناشطة ينار محمد،  بزخم لا يستهان به في ساحة التحرير، مع  مشاركة محدودة لبعض الوجوه السياسية المستقلة.

وشارك بعض رجال الدين أو ما يطلق عليه الشباب اسم "أصحاب العمائم"، مثل المرجع "قاسم الطائي" الذي حضر ممثلون عنه في ساحة التحرير، وكان الطائي رجل الدين الوحيد الذي أصدر بيانا يشجع فيه على التظاهرات ويؤيدها في محاولة منه لتمييز نفسه عن موقف بقية رجال الدين من التظاهرات، وأمّ  ممثله الشيخ "حسين الجبوري" عددا من المتظاهرين في أحد أركان ساحة التحرير ليؤدي صلاة جامعة تلتها تلاوة بيان بمطالب المتظاهرين.
وكانت الناشطة النسوية "هناء أدور" التي يطلق عليها المقربون اسم "أم تريزا العراق" تتنقل بين الشباب وتردد معهم الأغاني والشعارات.
 كانت هذه الناشطة النسوية التي ولدت في البصرة 1946 لعائلة مسيحية من اللاتين الكاثوليك، تحمل تاريخا من النضال امتد لعقود، وكانت في بداية سبعينات القرن الماضي ممثلة رابطة المرأة العراقية في سكرتارية اتحاد النساء الديمقراطي العالمي. وقد خاضت حروب العصابات ضد حكومة صدام في ثمانينات القرن الماضي، و قضت ثلاث سنوات في الجبال النائية على الشريط الحدودي العراقي الإيراني تعيش أحلام تشي غيفارا. وها هي الآن تشارك الأجيال الجديدة أحلامها في تغيير العالم.
ولعل إحدى الصور القوية التي سنظل نذكرها عنها بعد سنوات، هي صورتها  واقفة أمام رئيس الوزراء تعرض صور شباب شباط الذين تم اختطافهم علنا وفي وضح النهار، وهي تندد علنا برفض المجتمع المدني، خداع الجماهير بخطاب مداهن عن حقوق الإنسان، في وقت يداس فيه الدستور بأقدام رجال الأمن على ارض ساحة التحرير.
وجاء الروائي "زهير الجزائري"  من أربيل ليدخل في عالم ساحة التحرير،. أدخل رأسه مع الأصدقاء في قماشة بيضاء طويلة، وتحركوا بها عبر الساحة، ثم أحاطوا جموع المصلين لحمايتهم، قبل أن ينتقلوا بعد انتهاء الصلاة لتشكيل حاجز في مناطق الاحتكاك بين الشباب الثائر وقوات الأمن.
 كان زهير صاحب خبرة في التعامل مع جميع أنواع الحروب: معركة غور الصافي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، الصدام بين الجيش الأردني والمنظمات الفلسطينية في أيلول الأسود  1971، حرب تشرين/أكتوبر 1973 بين العرب  وإسرائيل، الحرب الأهلية اللبنانية 1975-1982، حرب الصحراء بين جبهة البوليساريو والجيش المغربي 1980-1983، الحرب بين الكرد والحكومة المركزية في بغداد 1982-1984 .
وها هو الآن شاهد على مواجهة جديدة، لقد عايش كصحفي الأحداث، وامتزجت بحواسه الحكايات، وراقب الأمور تصل إلى ذروتها، ثم تنهار، وكانت الكتابة تبدأ منذ تلك اللحظة، لحظة الانكسار والهزيمة، فأعلى أشكال الدراما في رأيه هي الهزيمة،"يعتقد الناس بفكرة ويريدون تحقيقها ثم تنهار ويصبحون ضحاياها".
وكانت الفكرة التي يؤمن بها الشبان تنمو أمامه، ولا أعتقد انه كان مراقبا حياديا باردا لانبعاثها تحت نصب الحرية، فقد بدا لي وكأنه يستعيد كل ذلك التاريخ الذي كتبه في سيرته "حرب العاجز".
كانت الساحة كرنفالا يضم طلابا، عاطلين عن العمل، رجال دين، فنانين من مسرحيين وممثلين ومغنين وسينمائيين، ونساء سافرات ومحجبات. وأصبح مثقفو شارع المتنبي الذين يمكن عدهم أقلية في المجتمع أكثر ثقة بقدرتهم على التغيير، وأدركوا أن عبارة ماركس " من المهم تغيير العالم وليس تفسيره فحسب" أصبحت حقيقة واقعة، وعلى حد تعبير أحد الأصدقاء "نحن الآن أكثر وعيا بأن من يصنع التغيير هم الأقلية الفاعلة النشطة وليس الأغلبية الصامتة" ويرد  صديق آخر بالقول " لا يكفي إطلاق صواريخ القصائد لتحطيم للعالم... بل لا بد من تطوير وعينا النقدي والانغماس في مشاكل الناس".
أما الصحفيون المستقلون فكانوا بدفاعهم عن حق الحصول على المعلومة قد مارسوا دورا فاعلا في التصدي للفساد، في وقت فشلت فيه بعض الهيئات الرقابية الحكومية عن أداء هذا الدور بسبب الثقافة السياسية السائدة وصفقة تقاسم السلطة.
وكان الناشطون المدنيون لاعبا قويا في ساحة التحرير بوعيهم المدني في مقابل تكلس الثقافة السياسية. أما الشباب الغارقون في حالة اللامبالاة، فقد استفزهم القمع الذي جوبه به المتظاهرون في الجمعة الأولى، وجذب حظر التجوال والقيود الأمنية والدينية  شرائح من الشباب كانت بعيدة عن عالم السياسة، وقد قطعت الطريق في الجمعة الثانية مع شاب قال لي إنها المرة الأولى في حياته التي يشارك فيها بتظاهرة.
 كان "وسام تظاهرة" 28 عاما كما أصبحت أطلق عليه بعد ذلك، يعمل في مكتب خدمات للانترنت وعالمه يتمحور في كتابة روايته الخيالية البعيدة عن الواقع العراقي القبيح حسب وصفه، لكن الصور التي شاهدها في القنوات المحلية للقمع الذي تلقاه الشباب في ساحة التحرير دفعه لتغيير موقفه، قال لي وهو يرفع شعره المسرّح الطويل عن عينيه "تركت روايتي وأقسمت أنني لن أعود للكتابة ما لم يتغير شيء في هذا البلد". كان قصة وسام ومثله العشرات تتحول إلى دليل حي  على الحافز الذي أطلقته الاحتجاجات للمزيد من المشاركة السياسية للشباب، في وقت ينظر فيه الناس إلى السياسة بريبة وسلبية بوصفها نشاطا "يجلب المتاعب ويلوث الروح" على حد وصف  وسام.

فوارق وتحديات

كانت الاحتجاجات الجماهيرية في العالم العربي رد فعل جماهيري غاضب على فشل مشروع الدولة الوطنية في الشرق الأوسط : أنظمة استبدادية تعيد إنتاج أشكالها السلطوية المتزمتة وحكم يمكن وصفه بحكم "العوائل السياسية" من بن علي تونس وقذافي ليبيا مرورا بصالح اليمن ومبارك مصر وانتهاء بأسد سوريا.
لكن برغم ذلك فإن هذه الاحتجاجات انطلقت في ظل أنظمة سياسية تلتف حول نواة مشروع دولة، وهذا فرق كبير عن الوضع في العراق الذي يفتقر إلى مشروع دولة وطنية، ويكاد توصيف مشروع نخبه السياسية بكونه مشروع الـلادولة أو لا مـشروع الدولة.
ومن ثم فإن أي تفكير في نتائج للاحتجاجات في العراق لا يتمخض عن تسريع مشروع بناء الدولة، أو دفع التيارات السياسية الحالية باتجاه هذا المشروع   لن تثمر عن نتائج حقيقية.
فالإصلاح المنشود هو إصلاح يتمحور حول مشروع بناء "دولة مدنية" غائبة عن سلوك النخب السياسية، وإن كانت حاضرة حبرا على ورق في برامجهم السياسية وخطبهم الإعلامية.
جادلت النخب السياسية في العراق بأنها قد جاءت عن طريق الانتخابات، ومن ثم فإنها لا يمكن أن تقارن بالأنظمة الوراثية العربية التي تفتقر إلى تطبيق الآليات الديمقراطية "نحن لسنا تونس أو مصر". كانت هذه العبارة التي تؤكد على خصوصية وهمية قد تكررت في خطب الكثير من الزعماء العرب وكأن الثورة في تونس أو مصر مرض من نوع ما.
غير أننا لا يمكن أن نختصر الديمقراطية بوصفها آليات فحسب بل هي: آليات وقيم ومؤسسات.
فالآليات ليست سوى وسيلة لتحقيق غاية، وهي لا يمكن أن تنجح في الوصول إلى هذه الغاية من دون أن ترسخ القيم الديمقراطية، و"المقدس في الديمقراطية هو القيم وليس الآليات" على حد تعبير أمين معلوف. وقد لمسنا توسل العديد من حركات الإسلام السياسي بالانتخابات كآلية للوصول للسلطة دون أن تتعدى ذلك.
وليس أسهل من أن تأتي الانتخابات بأعداء الديمقراطية إلى السلطة، حتى أن الوصف الشائع "ديمقراطية بدون ديمقراطيين" لم يعد تعبيرا مجازيا  بل هو واقع عراقي عياني .
كما أن القيم لا يمكن انتظامها في نسق ثقافة سائدة وتحولها إلى سلوك يومي من دون المؤسسات، فالديمقراطية في أبسط تعاريفها ليست سوى "مأسسة الحرية".  
لسنا أمام مباراة صفرية بين الأنظمة السياسية أو الجماهير، أو إزاء ثنوية بين المتظاهرين والحكومات يحتل فيها الآخر بالضرورة رمز آله الظلام، بل نحن أمام متقابلات صراعية لتحقيق علاقة توازن بين الدولة والمجتمع.
نريد دولة مؤسسات  وليس  دولة زعماء وقادة وأحزاب.
نريد  ثقافة ديمقراطية بمواجهة ثقافة محاصصة سائدة.
نريد برامج سياسية بمواجهة سياسات ارتجالية وشعارات انتخابية جوفاء.
نريد دولة تفكر لأن الدولة لدينا بلا دماغ...
نريد شراكة حقيقية  للدولة مع المجتمع المدني لا نظرة تنطلق إلى الشريك كمنافس.
وفي العراق كان تبني نموذج "الديمقراطية التوافقية" وكأنه صرعة سياسية عصرية ساهمت بتغليف المحاصصة الطائفية المقيتة بمصطلحات العلوم الاجتماعية.
فما الذي أنتجه تبني هذا المفهوم الذي عفا عليه الزمن غير تكرار بليد لفشل التجربة اللبنانية. فأي مستقبل للعراق إذا كان يشبه حاضر لبنان الحالي : بلد منقسم على ذاته، لم يغادر حتى هذه اللحظة المربع الأول (مربع بناء الدولة).
وأعتقد أن احتجاجات جماهيرية لا يمكن أن تسفر عن رؤية تتجاوز سلبيات النموذج التوافقي، وتدفع النخب السياسية باتجاه طرح بديل عن هذا النموذج سوف لا تسفر إلا عن إعادة  إنتاج إصلاحات شكلية سوف تبقى بذور الوضع القائم فيها، بما يحتويه من أخطار التصدع الماثلة  في كل حين.
لذا يبدو لي أن أهم تحد يرتبط بقدرة الاحتجاجات الجماهيرية على الضغط على النظام السياسي الحالي وجعله يتطور "وعيا وممارسة" ليكون أكثر انفتاحا على مطالب الجماهير... ويتحرر  من أسر ثقافة المحاصصة إلى ثقافة بناء الدولة.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top