TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > آلهة الديمقراطية

آلهة الديمقراطية

نشر في: 10 مارس, 2013: 08:00 م

في زمن مضى ، حدثني أحد الأقارب ،وكان ضابطا في الجيش العراقي عن رغبته الشديدة في عدم التصفيق لدى استقبال الرئيس السابق حين كان يزور وحدات الجيش ..كان يتمنى أن يثبت لنفسه لا للآخرين أنه قادر على خوض مثل هذا الموقف دون أن يعطي بشرا مثله أكثر من حقه في ا

في زمن مضى ، حدثني أحد الأقارب ،وكان ضابطا في الجيش العراقي عن رغبته الشديدة في عدم التصفيق لدى استقبال الرئيس السابق حين كان يزور وحدات الجيش ..كان يتمنى أن يثبت لنفسه لا للآخرين أنه قادر على خوض مثل هذا الموقف دون أن يعطي بشرا مثله أكثر من حقه في الاحترام والتبجيل ..لكنه وللأسف وجد كفيه تصفقان رغما عنه بفعل لا إرادي ما أن ظهر الرئيس وسط جحفل من حمايته ..والشيء ذاته حدث مع امرأة كانت تقف على ناصية الشارع حين مر موكب الرئيس أمامها دون أن تتوقع ذلك فوجدت ذراعها ترتفع لتحيته رغم أنها كانت من شريحة النساء المتضررات في فترة حكمه ولم تكن تتمنى أن تلتقي به يوما لكيلا تضطر إلى تحيته !!

اليوم ، نحن في زمن الديمقراطية وربما كان من الممكن لقريبي الضابط الذي فقد حياته في زمن الديمقراطية ذاته على أيدي الإرهابيين أن يحقق حلمه بعدم التصفيق لمسؤول دون أن يشي به رجال الأمن ويقاد إلى ما وراء الشمس ، وأن تتمكن تلك المرأة المتضررة بدلا من تحية المسؤول بدافع الرهبة والخوف أن تصل إليه وتلتقي به وربما تحصل على وعد منه بمساعدتها –في حالة حفاظه على مقعده الذي يهتز من تحته مع كل هزة سياسية -..لكن ماحدث قبل أسابيع يبشر بزمن دكتاتوري آخر يغلف فرسانه دكتاتوريتهم بورق الديمقراطية الملون الزاهي ليخطفوا أبصار المواطن بآمالهم الكاذبة ..

كنت في احتفالية خاصة بالأيتام حضرها مسؤول عرف بخطابه الوطني الخالي من التعصب لجهة ما ..تصورت في البداية أن المسؤول رعى الاحتفالية ليمنح الأيتام تعويضا مناسبا ، ولابأس أن يكون ذلك فقرة في حملته الانتخابية ، لكن الأطفال -كما يبدو- تلقوا تدريبا متقنا و(مدفوع الثمن ) على التهليل للمسؤول بطريقة تصورنا أنها غادرتنا مع غياب احتفالات (بابا صدام ) بميلاده المجيد ،حيث كان الأيتام يهللون لمن كان السبب في استشهاد آبائهم ..ماحصل مع المسؤول أنه انتشى بسماع أهازيج وأناشيد وقصائد شعرية شعبية وفصحى من قبل الأيتام الصغار ومعلماتهم يصفون فيها عبقريته في القيادة وأصالة نسبه وشجاعته في مقارعة من يهدد أمن الوطن وكرمه في رعاية المحتاجين وما أكثرهم في عراق الخير وعم الهتاف والتصفيق القاعة في (هرج ومرج ) لا يتناسب حتما مع المرحلة الديمقراطية التي يتشدق السياسيون بسماتها وأهمها أن تعبر الأفعال لا الهتافات عما ينوي المسؤول تقديمه للشعب المحروم من العطايا والهبات ( الحكومية )..وفي نهاية (التمثيلية ) المتقنة ، تم توزيع ظروف تحمل مبالغ مالية على المعلمات ومديرات المدارس والمشرفين على تدريب الأطفال بل حتى لجنة الاستقبال من (موزعات الجكليت ) ، أما الأيتام أنفسهم فكان نصيبهم دمى وألعاباً رخيصة تناسب أعمارهم الغضة فقط ..

بهذه الطريقة تتم صناعة الدكتاتور في بلداننا حيث تغيب الحرية ويحل محلها (الخوف أو الجوع ) وتشحذ مصادر التأثير في المواطن هممها من وسائل تعليمية وإعلامية لتحوله إلى عجينة لينة بيد الدكتاتور يشكلها حسب هواه ويصبح المواطن بعدها كالمنوم مغناطيسيا فهو يسير وفق الرؤية الديكتاتورية وإن صحا من نومته وسار بحرية فسيقوده طريقه إلى أبواب المعتقلات أو يصبح ضحية اغتيال مفاجئ ..

ويبدو أننا سنظل من المؤمنين بنظرية هوميروس اليوناني التي مرعليها قرون والتي تقول إن جميع الآلهة كانوا إما ملوكا أو أبطالا حقيقيين من البشر مادفع الإغريق وبعدهم الرومان إلى تأليه ملوكهم ،وهانحن مصرون حتى في زمن الديمقراطية على تصنيم قادتنا من خلال الهتاف للزعيم مهما كان على خطأ ،فهو لا يخطئ كما علمتنا ثقافتنا طوال عقود ونحن قطيعه الذي يدور في دوامته ويهتف له بافتتان لأنه نجح في تسويق أمجاد وهمية وانتصارات كلامية وأحاطنا بهالة دائمة من الوعود المتفائلة ..

المشكلة أن الزعيم تشظى إلى زعماء والحزب الواحد انقسم إلى أحزاب وصار لزاما علينا أن نصنع عشرات الآلهة وننجح في توزيعهم حسب (المحاصصة) لينقذونا من معاناتنا ، ومهما حاولنا بعدها أن ننال مطالبنا بأسلوب ديمقراطي دون أن نلجأ إلى التصفيق والهتاف فلن نكون ضمن القطيع وربما لن نحصل حتى على ظرف مغلق ومحشو بالمال من لدن المسؤول الكريم يوما ما !!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

نتائج اجتماعية سلبية محتملة لمقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959

العمودالثامن: لماذا تصمت نقابة المحامين؟

العمودالثامن: المندلاوي وشعار "مشيلي وامشيلك"

العمودالثامن: حين تغضب النقيبة !!

تشريع زواج القاصرات في العراق خيانة لهنَّ

العمودالثامن: حين تغضب النقيبة !!

 علي حسين لم يخترع بيان المثقفين العراقيين قصة اضطهاد وملاحقة المحاميتان زينب جواد وقمر السامرائي ، ولم يختلق المثقفون الموقعون على البيان حكاية صمت نقابة المحامين على ما جرى ويجري من شتائم واتهامات...
علي حسين

قناطر: بين طفولة الورق وشيخوخة الإلكترون

طالب عبد العزيز أشعر بغربة حقيقية أمام شاشة اللابتوب، وأنا أدوّن المادة هذه، لم أألفَّها والله، مع أنني أمضيت معها أكثر من عشرين سنة، تطالعني وأطالعها كل يوم، حتى صار بإمكاني ترتيب أفكاري، وكتابة...
طالب عبد العزيز

نتائج اجتماعية سلبية محتملة لمقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959

لاهاي عبد الحسين وإنْ ظهرت بعض التصريحات المهدئة من قبل المتحمسين لمقترح التعديل الجائر بحق العائلة والمرأة العراقية والمواطن العراقي نتيجة الجهد الثقافي والأدبي والاعلامي العراقي المعارض الذي اشتركت به أكثرية من النساء والرجال...
لاهاي عبد الحسين

المجتمع الغربي يتجه نحو الفوضى والعنف!

ايف مونتناي ترجمة: عدوية الهلالي مع أعمال الشغب الأخيرة في المملكة المتحدة، رأينا أن المجتمع البريطاني لم يعد يمثل معجزة التوازن بين السكان المحليين والسكان القادمين حديثاً. بل إننا نشعر أن التوترات التي تم...
ايف مونتناي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram