القضاء . . الوزارة السابعة والعشرون(1)

آراء وأفكار 2013/03/10 08:00:00 م

القضاء  . .  الوزارة السابعة والعشرون(1)

كان القضاء العراقي جهازا تابعا لوزارة العدل قبل عام 2003 ، ثم جاء النص فــــــــــــــــــــي القوانين والدستور بتحوله إلى  ( سلطة مستقلة ) .

فهل تحول القضاء إلى سلطة على ارض الواقع ؟ أم ظل يدار بنفس آليات الوزارة  ؟

تتكون السلطة القضائية الاتحادية وفقا لنص المادة ( 89 ) من الدستور من ستة مكونات ، ثلاثة منها ذات مهام قضائية هي جوهر السلطة القضائية ، واثنان ذات مهام رقابية فقط ، والمكون الأخير ذو مهمة إدارية وخدمية محضة .

أي أن مكونات السلطة القضائية ثلاثة أنواع:-

النوع الأول :- ( مكونات قضائية ) :- هي المحاكم بأنواعها ، بضمنها المحكمة الاتحادية العليا ومحكمة التمييز الاتحادية ، وهذه هي التي تقوم بالمهمة القضائية ، وإن غاية تشكيل السلطة القضائية بكل مكوناتها تعود إلى هذا النوع من المكونات ، لأنه يملك سلطة الحكم والفصل في الخصومات والمنازعات.

النوع الثاني :- ( مكونات رقابية ):- ، وهي جهاز الادعاء العام وهيئة الإشراف القضائي ، وهذه لا تمارس سلطة الحكم ، بل إن مهمتها تنحصر في وضع الرقابات على أعمال القضاء والمحاكم وسلوك القضاة فقط .

النوع الثالث :- ( مكونات إدارية خدمية تنظيمية محضة ) :- وهذا هو مجلس القضاء الأعلى ، الذي يظن البعض خطأ بأنه الرئيس الأعلى على القضاة والمتحكم بهم ، في حين انه الخادم للقضاة وراعي شؤونهم الوظيفية والمالية ، وإدارته البحتة هي الإدارة المسؤولة  عن تقديم الدعم الإداري والخدمي ، كالنظافة والبنايات والقرطاسية والحمايات وغيرها من عناصر الدعم اللوجستي والإداري . 

ويفترض في السلطة القضائية – كأية سلطة – أن تكون مكوناتها مستقلة عن بعضها تماما ، وتقوم العلاقة بينها على التعاون والتنسيق ، وليس على أساس خضوعها لبعضها ، أو تبعيتها لأحد المكونات ، أو علوية احد المكونات على الأخرى ،فلم يرد نص في الدستور على جعل احد مكونات السلطة القضائية الستة  أعلى من المكون الآخر ، كما لم يرد نص على جعل احد رؤساء تلك المكونات رئيسا للسلطة القضائية ، فلا يوجد رئيس للسلطات في الدستور العراقي (2 ).

و لم يرد نص – أيضا - على ربط احد المكونات القضائية بالآخر أو جعله تابعا أو خاضعا لآخر إداريا أو رئاسيا ، شأنه شأن مكونات باقي السلطات في الدستور ، فلا يرتبط مجلس الوزراء مثلا ( وهو المكون الثاني في السلطة التنفيذية ) برئاسة الجمهورية ( وهي المكون الأول في السلطة التنفيذية ) ولا يتبعه إداريا ، ولا يخضع له بأي شكل من الأشكال ، ولكل منهما وظيفته وواجباته وصلاحياته التي يمارسها بطريقة مستقلة تماما عن الآخر ، وإنما تربطهما علاقات التعاون والتنسيق فقط.

وهذا هو الحال في السلطة التشريعية ، فلا يرتبط مجلس الاتحاد ( وهو المكون الثاني في السلطة التشريعية ) بمجلس النواب ( وهو المكون الأول في السلطة التشريعية ) ويتوجب أن يكون لكل منهما مهام وصلاحيات وسلطات يمارسها بمعزل عن الآخر بشكل كامل ، ولو انصبت على عمل واحد كإصدار قانون واحد بمرحلتين .

وهذا مفترض بشأن مكونات السلطة القضائية التي يتوجب أن تكون كل منها جهة مستقلة تماما عن الأخرى ، تمارس مهامها وصلاحياتها في إطار واجباتها طبقا لأحكام القانون ، ولا يقبل – بالتالي - أن يكون تجمع مكونات السلطة القضائية  في إطار مكون واحد منها ، يبتلعها كلها بالكامل ، فتكون خاضعة له ، لان طبيعة العمل القضائي تأبى ذلك ، فالمحاكم بضمنها المحكمة الاتحادية العليا أو محكمة القانون الأعلى في البلاد ( محكمة التمييز الاتحادية ) لا يصح أن تتبع جهة أخرى قضائية أو إدارية ، وإلا فقدت استقلالها وأضحت تابعة . لان هذا يخل بالحكمة من استقلال القضاء ، ويضرب الغاية من استقلال السلطة القضائية في مقتل ، إذ ستكون المحاكم تحت التأثير المحتمل للإدارة القضائية ، ولو كانت تلك الإدارة من القضاة ، فهم بشر ، ولهم أهواؤهم ومصالحهم وقد يتأثرون بضغوطات يتعرضون لها – كإدارة - فيعكسونها على المحاكم والقضاة ، فلا يجوز تسليطهم على القضاة الذين يفصلون في النزاعات بأي شكل من الأشكال ، لأن ذلك يعني رفع تأثير إداري عن القضاة عن طريق إفرادهم بسلطة مستقلة وإعادة إخضاعهم  لتأثير إداري آخر داخل السلطة القضائية ، وذلك يفرغ استقلال السلطة القضائية من معناه ، ولا يبقي أي قيمة حقيقية له .

لكن هذا – مع الأسف – هو ما حصل فعليا بعد عام 2003 إذ ابتلع مجلس القضاء الأعلى كل مكونات السلطة القضائية الأخرى ، وأضحت تابعة له وخاضعة له إداريا ورئاسيا ، فأجهضت هنا – بالكامل - فرصة تحول القضاء إلى سلطة ، وأعيد العمل بآليات وقواعد الوزارة باسم آخر هو ( مجلس القضاء الأعلى ) واستبدلت سلطة وزير العدل بسلطة رئيس مجلس القضاء ، ولم يتغير الأمر - إلا بالأسماء - قيد أنملة ، إذ ظل رئيس مجلس القضاء – كفرد - يمارس نفس سلطات وزير العدل وفقا لقانون التنظيم القضائي الموضوع عام 1979 برؤية حزب البعث والمنطق المركزي المطلق في إدارة الدولة وشؤون الحكم .

فلم يظهر أي دور حقيقي لمجلس القضاء الأعلى كمجلس يتخذ قرارات جماعية حقيقية مطلقا ، بل ظل مؤسسة إدارية يتحكم بها رجل واحد هو رئيس مجلس القضاء الأعلى ، فهو- في الحقيقة - من يعين أعضاء مجلس القضاء ، وهو من يقيلهم ، وهو من ينقل القضاة ، ويحيلهم إلى التحقيق ، وهو السلطة الحقيقية لعقوبة القاضي ، ولو ظهرت في شكل لجان ، أو من خلال مجلس القضاء نفسه .

ظل القضاء  - من جهة ثانية - يأتمر بأوامر وتوجيهات مجلس الوزراء وأمانته العامة وبأوامر وزارة المالية في الشؤون المالية والإدارية ، ولم يطور له نظاما ماليا وإداريا خاصا به – كسلطة - فكان ذلك اكبر ثلمة في استقلال القضاء .

لذلك بقي القضاء يدار كوزارة ولم يتحول إلى سلطة أبدا إلا بالاسم فقط ، فالقضاء الآن – واقعيا – ليس إلا وزارة أخرى يحكمها وزير اسمه رئيس مجلس القضاء الأعلى ، فالقضاء هو الوزارة السابعة والعشرون . وهو أمر مخالف للدستور ولأبسط مبادئ الاستقلال القضائي ، لذلك ضرب استقلال القضاء العراقي في مقتل ، وتحول إلى كذبة كبرى .

إلا أن أملنا كبير بالقاضي الكبير الأستاذ حسن الحميري في أن يترك بصمته الحقيقية ، فيعيد بناء القضاء على أسس وقواعد السلطة ، ويعطل نهائيا التحكم بالقضاء وجهاز الادعاء العام وهيئة الإشراف القضائي بآليات وقواعد الوزير والوزارة ، ويعطي الاستقلال التام لمكونات القضاء ، وللقضاة – كأشخاص - الذين تحولوا – بسبب انتزاع استقلالهم - إلى أسرى الخوف من بطش وتحكم إدارة قضائية قمعية مستبدة

.

 

1- تتكون الحكومة العراقية من ( 26 ) وزارة ، فيكون القضاء واقعيا هو الوزارة السابعة والعشرون إذا ما ظل يدار كوزارة ، وأجهضت عملية تحوله إلى سلطة .

2 - من الخطأ الظن أن للسلطات - ( التشريعية أو التنفيذية أو القضائية ) - رؤساء ، فلا يعد رئيس مجلس النواب رئيسا للسلطة التشريعية ، لان السلطة التشريعية وفقا للدستور تتكون من مكونين هما مجلس النواب ومجلس الاتحاد الذي لم يؤسس لحد الآن بسبب عدم تشريع قانونه ، فيكون رئيس مجلس النواب هو رئيس ذلك المجلس فقط وليس رئيس السلطة التشريعية ، لأنه لا يرأس المكون الآخر ( مجلس الاتحاد ) ، وكذلك لا يوجد رئيس للسلطة التنفيذية لأنها تتكون من مكونين، الأول هو رئاسة الجمهورية والثاني هو مجلس الوزراء ، فالرئيس هو رئيس الجمهورية ، ولكنه لا يعد رئيسا للمكون الثاني في السلطة التنفيذية ( مجلس الوزراء )، لذا فانه لا يعد رئيسا للسلطة التنفيذية ، أما رئيس مجلس الوزراء فانه رئيس لمجلس الوزراء ، ولكنه منقطع السلطة برئاسة الجمهورية وهي المكون الثاني للسلطة التنفيذية ، وكذلك السلطة القضائية فهي تتكون من ستة مكونات ولم ينص الدستور على جعلها تابعة لبعضها ولا على جعل احدها رئيسا على المكونات الأخرى ، أو رئيسا للسلطة القضائية .

 

*رئيس النزاهة السابق

تعليقات الزوار

  • المحامي سعد الشمري

    سم الله الرحمن الرحيم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم، اكفرتم بعد ايمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ، وأما الذين ابيضّت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون . صدق الله العظيم انني من الوسط القانوني واقول للامانة ولا اجامل استاذي القاضي

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top