الفرص والتحدّيات
يتضح مما تقدم أن القيادة الماليزية استطاعت تكريس وتطبيق بعض المفاهيم والقناعات بنجاح، ولعل من أهم التحديات التي واجهت التجربة الماليزية :
- قيام أمة موحدة يحكمها الشعور بالمصير الواحد المشترك، وشعب متحد اجتماعيا وأمنياً، قوي ومتطور، شديد الثقة بنفسه وفخور ببلده.
- بناء مجتمع ناضج ديمقراطي، ينهض بفعالية في تطوير بلده تسوده الأخلاق والقيم والاحترام المتبادل.
- بناء مجتمع متسامح مخلص لوطنه دون الالتفات لعرق معين أو فئة.
- بناء مجتمع علمي تقدمي، غير مستهلك للتقنية فقط، بل منتج لها، وقادر على الابتكار والإبداع والتصنيع في كافة المجالات.
- بناء مجتمع يهتم بالآخرين ويعترف بهم ، تسوده العدالة الاقتصادية والاجتماعية وتسوده
روح الشراكة.
- حماية البيئة والحفاظ عليها ومنع ما يهددها من عوامل التلوث.
- تحقيق التنمية الشاملة المتوازنة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتعليمية والثقافية.
- انتشال المجتمع من الفقر والجهل ومحدودية الدخل وقلة فرص العمل والإنتاج، إلى مجتمع صناعي تقدمي ينعم أفراده بموارد مالية جيدة واستثمارات ومشاريع ضخمة وفرص عمل كبيرة.
وكنتيجة لتمكن ماليزيا من التغلب على هذه التحديات تحقق لها في أقل من ربع قرن حزمة من النتائج الباهرة وقفزات كبيرة على أرض الواقع تمثل أهمها في البناء والتشييد في كافة المجالات ،ومن أهمها الصناعة (سيارات، تكنولوجيا، مصانع متنوعة ومشاريع حكومية واستثمارية أخرى)، فضلاً عن الاستثمار الزراعي والتجاري وبناء المراكز التجارية الضخمة ووسائل النقل والطرق وصناعة السياحة .. إلخ مع توفر الأيدي العاملة المدربة التي تمتلك المهارات وأخلاقيات العمل، فضلاً عن توفر قياديين في كافة المستويات الإدارية وفي شركات القطاع
الخاص والاستثمار.
كما يمكن تلخيص الفرص والعوامل التي ساعدت على نجاح التجربة بما يلي:
1. يمثل المناخ السياسي لدولة ماليزيا حالة خاصة بين جيرانها، بل بين الكثير من الدول النامية، حيث يتميز بتهيئة الظروف الملائمة للإسراع بالتنمية الاقتصادية، وذلك أن ماليزيا لم تتعرض لاستيلاء العسكريين على السلطة.
2. يتم اتخاذ القرارات دائماً من خلال المفاوضات المستمرة بين الأحزاب السياسية القائمة على أسس عرقية، ما جعل سياسة ماليزيا توصف بتميزها الديمقراطي في جميع الأحوال.
3. تنتهج ماليزيا سياسة واضحة ضد التفجيرات النووية، وقد أظهرت ذلك في معارضتها الشديدة لتجارب فرنسا النووية، وحملتها التي أثمرت عن توقيع دول جنوب شرق آسيا العشرة المتحدة في تجمع الآسيان في العام 1995 على وثيقة إعلان منطقة جنوب شرق آسيا منطقة خالية من السلاح النووي ، وقد ساعد هذا الأمر على توجيه التمويل المتاح للتنمية بشكل أساسي بدلاً من الإنفاق على التسلح وأسلحة الدمار الشامل.
4. رفض الحكومة الماليزية تخفيض النفقات المخصصة لمشروعات البنية الأساسية، التي تمثل سبيل الاقتصاد إلى نمو مستقر في السنوات المقبلة، لذا فقد ارتفع ترتيب ماليزيا لتصبح في مجال قوة اقتصادها المحلي ضمن اقتصاديات الدول الخمس الأولى في العالم.
5. انتهجت ماليزيا ستراتيجية تعتمد على الذات بدرجة كبيرة من خلال الاعتماد على سكان البلاد الأصليين الذين يمثلون الأغلبية المسلمة للسكان.
6. اهتمام ماليزيا بتحسين المؤشرات الاجتماعية لرأس المال البشري الإسلامي، من خلال تحسين الأحوال المعيشية والتعليمية والصحية للسكان الأصليين، سواء كانوا من أهل البلاد الأصليين أو من المهاجرين إليها من المسلمين الذين ترحب السلطات بتوطينهم.
7. اعتماد ماليزيا بدرجة كبيرة على الموارد الداخلية في توفير رؤوس الأموال اللازمة لتمويل الاستثمارات، حيث ارتفاع الادخار المحلي الإجمالي بنسبة 40 % بين سنة 1970 وسنة 1993، كما زاد الاستثمار المحلي الإجمالي بنسبة 50 % خلال الفترة عينها. ويرى د. محمود عبد الفضيل أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أنه في الوقت الذي تعاني فيه بلدان العالم النامي من مثلث المرض والفقر والجهل، فإن ماليزيا كان لها ثالوث آخر دفع بها إلى التنمية منذ مطلع الثمانينات وهو مثلث النمو والتحديث والتصنيع، واعتبار هذه الثلاثية من الأولويات الاقتصادية على المستوى الوطني، كما تم التركيز على مفهوم ( الشراكة الماليزية )، كما لو كانت ماليزيا حاضنة كبرى تجمع بين القطاعين العام والخاص من ناحية وشراكة تجمع بين الأعراق والفئات الاجتماعية المختلفة التي يتشكل منها المجتمع الماليزي من ناحية أخرى، ويضيف عبد الفضيل أن هناك عوامل أخرى ساعدت على نجاح التجربة التنموية في ماليزيا منها:
• أنها تعاملت مع الاستثمار الأجنبي المباشر بحذر حتى منتصف الثمانينات، ثم سمحت له بالدخول ولكن ضمن شروط تصب بشكل أساسي في صالح الاقتصاد
الوطني منها ..
- ألا تنافس السلع التي ينتجها المستثمر الأجنبي الصناعات الوطنية التي تشبع حاجات السوق المحلية.
- أن تصدر الشركة 50 % على الأقل من جملة ما تنتجه.
- يُسمح للشركات الأجنبية التي يصل رأسمالها المدفوع نحو 2 مليون دولار باستقدام خمسة أجانب فقط لشغل بعض الوظائف في الشركة.
• أيضاً امتلاك ماليزيا لرؤية مستقبلية للتنمية والنشاط الاقتصادي من خلال خطط خمسية متتابعة ومتكاملة منذ الاستقلال وحتى الآن، بل استعداد ماليزيا المبكر للدخول في القرن الحادي والعشرين من خلال التخطيط لماليزيا 2020 والعمل على تحقيق ما تم التخطيط له.
• وجود درجة عالية من التنوع في البنية الصناعية وتغطيتها لمعظم فروع النشاط الصناعي (الصناعات: الاستهلاكية - الوسيطة - الرأسمالية) ، وقد كان هذا الأمر محصلة لنجاح سياسات التنمية بماليزيا، كما يمكن اعتباره سبباً ونتيجة في الوقت عينه.
دروس التجربة الماليزية
بعد هذا السرد يمكننا أن نخلص إلى مجموعة من الدروس يمكن لبلدان العالم النامي الاستفادة منها وهي:
1. الاهتمام بجوهر الأخلاقيات الشفافة وتفعيل منظومة القيم التي تحض عليها مبادئ العدالة وحقوق الإنسان في المجال الاقتصادي وغيره، مع عدم جدوى رفع لافتات وطنية بلا مضمون.
2. إعمال مبادئ الحوار البناء من خلال نظم ديموقراطية تحترم حقوق الأفراد.
3. في حال وجود عرقيات مختلفة يمكن التوصل إلى اتفاقات تتواءم فيها مصالح الدوائر المختلفة وبذلك يكون التنوع مصدر إنماء لا هدم.
4. الاستفادة من الظروف العالمية السياسية لبناء الاقتصادات الوطنية.
5. الاعتماد على الذات في بناء التجارب التنموية و لن يتحقق هذا إلا في ظل استقرار سياسي واجتماعي.
6. الاستفادة من التكتلات الإقليمية بتقوية الاقتصاديات المشاركة بما يؤدي إلى قوة واستقلال هذه الكيانات في المحيط الدولي.
7. التنمية البشرية ورفع كفاءة رأس المال البشري،فبدون الإنسان لا تستقيم التنمية ولن يجني ثمارها.
8. أهمية تفعيل الأدوات الاقتصادية والمالية الإسلامية في مجال التنمية مثل الزكاة والوقف من خلال وجود مؤسسات تنظم عملها والرقابة على أدائها.
9. أن تتوزع التنمية على جميع مكونات البلد دون الاقتصار على مناطق وإهمال مناطق أخرى، مما يترتب عليه الكثير من المشكلات، مثل التكدس السكاني والهجرة إلى المناطق المعنية بالتنمية وتكريس الشعور بالطبقية وسوء توزيع الدخل.
10. اعتبار البعد الزمني من حيث استيعاب التقدم التكنولوجي، وأن المعرفة تراكمية، وأن المشكلات مع الوقت سوف تزول في وجود أداء منضبط بالخطط المرسومة.
11. قد تكون هناك فترات انتقالية بخصوص التطبيق لمبادئ وأسس الاقتصاد السليم لتهيئة المجتمع للتطبيق الكامل، ولكن لا يعني ذلك التوقف عن البدء في التطبيق، فمالا يدرك جله لا يترك كله. ويفضل البدء بما تتوافر له الشروط والظروف الملائمة.
بيانات أساسية عن الاقتصاد الماليزي
• صادرات عالية ومتوسطة التقنية كنسبة من إجمالي صادرات السلع 67.4 %.
• معدل الأمية بين البالغين (النسبة المئوية لمن تبلغ أعمارهم 15 سنة أو أكثر) 13 % في العام 1999.
• ترتيب ماليزيا في دليل التنمية البشرية لعام 2001 هو الخامس والستون من بين 162 دولة.
• عدد السكان في العام 1999 هو 21.8 مليون نسمه.
• المساحة الكلية 329749 كم مربع.
• 98% من السكان يستخدمون إمكانات ملائمة من الصرف الصحي في العام 1999.
• 95 % من السكان يستخدمون مصادر مياه محسَّنة في العام 1999.
• الإنفاق على التعليم كنسبة مئوية من الناتج القومي 4.9 % خلال الفترة 95 ـ 1997.
• الإنفاق على التعليم كنسبة من مجموع الإنفاق الحكومي 15.4 % خلال الفترة من 95-1997.
• الناتج المحلي الإجمالي في العام 1999 هو 79 مليار دولار.
• نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في العام 1999 هو 8209 دولارات.
• بلغت صادرات السلع والخدمات كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي 122% في العام 1999.
• بلغت واردات السلع والخدمات كنسبة مئوية من الناتج المحلي 97% في العام 1999.
• انخفاض نسبة البطالة إلى 3.5% في العام 2000.
• انخفاض نسبة الواقعين تحت خط الفقر إلى 6.8% في العام 2000.
* خبير ومهندس استشاري
اترك تعليقك