(مرويات أطوار الكائن) ... معراج فارس..حكايات صمت ... مأهول بالأصوات

(مرويات أطوار الكائن) ... معراج فارس..حكايات صمت ... مأهول بالأصوات

تتضح معالم التعبير وهي تسعى لأن تتجسد ضمن تداخلات مجموعة من الأنساق القادرة على منح الأشياء والموجودات صفة  الحقيقة ...الحقيقة بمعيارها الذهني، تلك التي تتكون من وهج عمليات فهم ودقة محاولات ومناورات إبدال وعلاقات إزاحة، تفرضها مقومات ونواتج تلك الأنساق، لذا فإن الحقيقة بجهدها المرئي ستتمحور وفق آليات بحث واختبارات وتجارب والتماعات، قد تتراوح نواتجها ومقدار عمق تلك العمليات وفق ذلك السعي لكي تؤكد- ربما- بأن (الواقع ليس سطحاً ظاهراً... بل أعماق ودلالات).

ثمة مَن يتفق وهذا النهج  حين يدَّعي بأن ( تصوراتنا الجمالية تنبع من دواخلنا ) فضلا عن التلويح باعتقاد يفضي- مثلا - الى ان القبح  الذي نراه في الأشياء والأشخاص لا يعود الى طريقة أوضاعها الخارجية،بل  بقدرات تصورنا الفكري عنها... رأي كهذا أراه يُعاضد فكرة (عمانوئيل كانت)- الى حد كبير- عندما يذهب الى وجود علاقة  ما بين جمال الشيء وطبيعته،عادة ما ينتج جراء لعب حــر ما بين الخيال وطبيعة الفهم العام للشخص أو أي شيء مهما كانت طبيعته الخارجية.

نزعات التعبير في عموم (مرويات أطوار الكائن) وهذا هوعنوان المعرض الشخصي السادس للفنان التشكيلي (معراج فارس/تولد السماوة-1953 ) المقام على قاعة أكــد/كانون الثاني 2013 تشي بنوع من تحشيدات حسية ونفسية، مكللة بسريان ضخ مجموعة من حالات وجدانية تتوِّجها علاقات انسانية حانية –موحية - حية، لكنها محاطة بجملة من أفعال وأحلام هائمة بتصورات حذره في بناء سياق الأوضاع التي جاء يقترحها (معراج) في أغلب مروياته البصرية،وهو يُعيد صياغة أشكاله بوعي مفتوح ومراس حاذق،قادرعلى الامساك بمساحة الموضوع أوالحالة أو الموقف في أي مجال يمارس فيه سطوة الأحساس بالتعبير مدفوعاً بهاجس ملأ فضاءاته اللونية على مختلف القياسات والأمكنة المتاحة، التي كان قد هيأ لها قبل الشروع بمهام بـث محكياته الصامتة ببلاغة وعي وصدق جمال اللحظة التي يفرض فيها الصمت جلال هيبته معبراً... بليغاً... رائقاً وهو يفرد أجنحة وجوده محسوساً وملموساً في كل مسامة من مسامات لوحات ذلك العرض المبهر الخالص بجهده وتوضيحاته الأسلوبية، والمشفوع بخبرة فنان خبر أساليب عــدة بتمالك وجدان موهبته، ونجح في اجتراح آفاق وسبل تعبيرية خاصة بوحدات وعيه ومقومات تجربته السائرة على منوال التأني وركائز التجديد مع فائض التذكير وواجب التلويح- مجدداً- بأن (التجديد...استبدال التقليد بتقليد) كالذي أشار اليه (غوته) من أن : ( ما ورثته عن آبائك وأجدادك...لا بد لك من أن تعود فتكسبه من جديد،حتى يصبح ملكاً خاصاً)، وما تمهيدات (معراج فارس) الحاصل على شهادة دبلوم رسم من معهد الفنون الجميلة ببغداد ، إلا انهماك حقيقي في تقريظ مساعيه الفنية في الرسم على مختلف تنويعاته و زهو مشاركاته في عدد كبير من المعارض والمهرجانات وعلى مجمل ما تبوَّأ من مهارات واستنارات واقعية في مجالات (البورتريت/الملصق/ رسومات الجدران) وغيرها من توريدات عمودية وأفقية عمدت دواعي تميز تجربته في محراب فهم نوعي للتعبيرية،على اعتبارها علماً عاماً للفن،تدخل فيه مقومات الجمالي كمتممات إجرائية من أجزاء اضافية، أي ليست عملا فنياً خالصاً إلا بقدر الإستهواء بقيمة فرض الجمال، جمالا لوحده، وتلك مغامرات ضيقة ومحسوبة، لا تدع مجالا للتأمل والخيال في بسط نفوذه، كما أستثمر ذلك (معراج) في متممات مروياته الخاصة بملاكات البوح وكتم الأسرار ونوبات الهمس الرصين المحاط بهالة من قدسية تلك اللحظات التي يسعى لأن يؤرشفها بحس رائق، لا يخلو من مثيرات غرائبية ومساند ملهمة تتفوق في سند تلك المساعي حين تستدعي الدهشة كعنصر تحريضي في خلق حالات درامية وعلاقات انسانية متجاورة في محددات لوحات (معراج) التي لا تكتفي،غالبا بخطاب أو ابلاغ واحد، بل تبالغ في أن تؤاخي ما بين تلك المجاورات التي تتخذ شكل المربعات أو الطوابع البريدية في شأن وجودها الجمالي واستمالاتها العاطفية وأستفهاماتها الدلالية من خلال قيمة وطبيعة العلاقات التي تحملها اللوحة كمنحى بلاغي- كما ذكرت قبل قليل - وابلاغي لمجموعة من حكايا هامسة وأخرى صامتة تدور في أفلاك أحلامها ونوازع تصوراتها الاختزالية وهي تشد من أزر اللوحة الجماعية، من دون سمة الإمتاع الفردي، لذا تتناسل حشود (معراج فارس) على سطوح لوحاته الغارقة المعمدة بروح مواد التنفيذ من (أكريلك/زيت/ أقلام شمع/ اجراءات لصق) وكل ما متاح ومهيأ لأن يجد فعل سحره متجسداً بفعل استنهاضات براعة التعبير التي يلزمنا إياه (معراج) في سنا سماوات لوحات معبرة تكاد توحي بوجود قصص وفحوى حكايا وتواريخ همس وشجون في شخوص وأبطال تلك اللوحات،حتى حين يفرض أطواق محدداته التصميمية لفصل تواصل تلك الشخوص التي يعطي فيها للمرأة مهابة الحضور والتأثير أكثر بكثير من حضور الرجل، لكن التواصل يبقى راسخاً،هامساً في نفوس وأحاسيس تلك الوجوه وللرأس- هنا - مراد ذلك التأكيد،كذلك الوجوه وتناغيات وجودها بين جميع علائق مرويات أطوار كائنات (معراج فارس)،كما هو الاهتمام بمكونات الزينة وأكسسوارات المرأة كنسق انحيازي ومسعى للمبالغة في رسم الشفاه، دليلا وتثميناً لبلاغة الهمس وسمو لغة التناغي صمتاً أو بوحاً، ضمنياً.

لم أشأ أن أتوقف عند تقييمات معادلات التنفيذ النهائي، في عموم أعمال هذا المعرض ومعايير تقييم تجربة هذا الفنان،لانها – ببساطة - متفوقة في رسم وتصميم وتنفيذ مشاعرها وتطويع أدواتها وصولا لأعمال غاية في الثبات والتباري على مدار وعيها التشكيلي وعتق خبرتها المتواصل مع سُبل ومقومات التجريب ومناحي الحداثة وتفرعاتها الدلالية،ونوازع تفكيرها الضمني والتجسيدي،باستثناء اعتمادها الملفت و الكبير على تنفيذ الأفكار والموضوعات الانسانية بمادة (الأكريلك) كمنجز اجرائي وتنفيذي، كونها الأسرع بالوصل الى نتائج مُرضية في وقت أقصر مما يحتاجه تنفيذ العمل بالألوان الزيتية وهذا- ربما - هو ما أغرى (معراج) في تنفيذ اعماله بهذا الكم والكثرة جراء الاستعجال الاضطراري قي تنويع معرضه الأثير بمناح ٍعــدة، بل كان يجب التأني والتهيؤ بطرح استمالاته الفنية الرائعة الى معرض آخـــر.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top