الفشل طريق العنف

آراء وأفكار 2013/04/02 09:01:00 م

الفشل طريق العنف

تتشابه التجربتان التونسية والمصرية في السرعة التي وصلت بها تيارات الإسلام السياسي إلي السلطة، ولكن وبنفس السرعة تبين للشعبين الفشل الذريع لهذه القوي في حل أي من المشكلات التي تواجه المجتمعين سواء على الصعيد الاقتصادي -الاجتماعي أو على الصعيد الأمني.

وكان الشهيد «شكري بلعيد» قد أطلق الدعوة - على حد قول زوجته المحامية بسمة الخلفاوي للزميلة «نعمة عزالدين» في جريدة «الوفد - الدعوة لتوحيد أكبر عدد من الديمقراطيين والثوريين بعد أن لاحظ الجميع أن هذا التيار الديني فقد كثيرا من شعبيته في المجتمع التونسي لأنه وعد ولم يف، ولأنه كذب على الشعب، ولأنه قدم العديد من المشاريع الوهمية ولأنه تلاعب بأفراد الشعب أي أن التيار الديني فشل.

وكان «شكري بلعيد» في جميع لقاءاته المتلفزة يقول إذا لم تتوجه هذه التيارات السياسية الدينية لتنفيذ مشاريعها فستتجه إلى العنف.. وقال إننا نتجه إلي العنف بعد أن وصلته معلومات مؤكدة تدعم مخاوفه، ودعا لعقد مؤتمر لنبذ العنف لأنه تأكد أن حدة الفشل والصراع أصبحت كبيرة وموجودة لدرجة أنهم سينقلبون بشدة نحو العنف، ووجه شكري استغاثة لشعب تونس لكي يقف ضد العنف.. وانشغل انشغالا كبيرا بهذه المسألة وتوصل إلى أن وحدة الليبراليين واليساريين والقوي الشعبية هي التي ستقطع الطريق على العنف المنظم.

كانت مظاهر الفشل تتفاقم، فالوضع الاقتصادي متدهور جدا مع زيادة رهيبة في الأسعار تفوق القدرة الشرائية للمواطن التونسي، بينما ينمو جهاز أمن مواز نظمه الإسلاميون داخل وزارة الداخلية، وهذه واقعة تتشابه من زوايا كثيرة مع سعي الإخوان في مصر لتفكيك وزارة الداخلية وأخونتها وفرض ميليشياتها المسلحة سواء عبر الممارسة الواقعية كما حدث أمام الاتحادية حين قامت هذه الميليشيات باعتقال مواطنين وتعذيبهم قبل تسليمهم إلى الشرطة، أو في إضافة مادة للدستور تتيح للمجتمع مراقبة الأخلاق، وهي المادة التي تفتح الباب واسعا لجماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي أخذت تمارس العنف واقعيا كشرطة دينية ضد المجتمع، وكان حصار كل من المحكمة الدستورية العليا ومدينة الإنتاج الإعلامي إعلانا عن قدرة الإسلاميين على ممارسة العنف وعدّه  آلية ناجعة لحل الصراع السياسي بعد انسداد الأفق نتيجة للإخفاق في كل المجالات.

وفي ظل تفاقم التدهور الاقتصادي وزيادة البطالة تنشغل الطبقات الشعبية في البلدين بالبحث عن العمل والرزق وتدور في الساقية وتنشغل الطلائع المثقفة بالدفع عن نفسها ضد القمع المتزايد الذي يصل إلى حد القتل بعد أن يكون التحريض قد تم باسم الدين فقد تم التحريض ضد «شكري بلعيد» من قبل أئمة المساجد التابعة لحركة النهضة، كذلك من قبل وزير الداخلية وأجهزة الدولة وتقول بسمة «كنت متأكدة أن قيادات في حزب النهضة كانت على استعداد لدفع أموال كثيرة في حالة لو أمدها الأمنيون بملفات ضد شكري بلعيد».

ولأن الإسلاميين في البلدين وفي كل مكان مهووسون جنسيا ومسكونون بالخوف من النساء مع اشتهائهن «قالوا إنني دبرت اغتيال زوجي مع عشيق، ولأنني امرأة أعرف نظرتهم جيدا للمرأة، وأيضا لأنني كنت متأكدة أنهم يريدون تغيير الاهتمام الشعبي بقضية «شكري» وبالبحث عن قاتله وإغراق الناس في سفاسف الأمور».

وتماما مثلما يصل اليائسون وبعض مرضى الاكتئاب العميق إلى الانتحار يقود الفشل والإخفاق الشامل في السياسة والاقتصاد والأمن جماعات الإسلام السياسي إلى العنف كآلية لتغطية فشلهم.

وأذكر أنني حين كنت مسجونة سياسية مع الذين اعتقلهم السادات سنة 1981 من سجن القناطر للنساء كنت شاهدة على تكرار السجينات في جرائم السرقة أو الدعارة لعملية «تشريط» وجوههن بموس حادة أمام المأمور بعد أن تكون مخالفاتهم التافهة من سرقات أو مشاجرات أو تجارة في المخدرات قد انكشفت، وتنقلت حالة من العنف في السجن تنتهي بهن للتأديب ولكن الإسلاميين لا يقومون بإيذاء أنفسهم بعد أن انكشف إخفاقهم الشامل بل يؤذون الآخرين وهم لا يدركون أنهم حين يقطعون الطريق برؤاهم القديمة وممارساتهم المتخلفة على حركة التاريخ بهدف العودة إلي الخلف إذ يسكنهم وهم استعادة الخلافة لا يدركون أن العملية التي يقومون بها وتنطوي بذاتها على العنف لا تقف في وجه التاريخ فقط وإنما أيضا تصب المياه في طاحونة الثورة المضادة.

وتفتح هذه الثورة المضادة بالعنف الذي تطلقه في المجتمع الباب واسعا أمام المشروع الاستعماري الذي أطلق عليه أصحابه وصف الفوضى الخلاقة، هذه الفوضى التي تمكنهم من تفكيك المنطقة وإعادة تشكيلها طبقا لمصالحهم وبذا تصبح الثورات وبالا على الشعوب لا انفتاحا على مستقبل أفضل كما حلم الثوار والشهداء.

ولكن وعي صانعي الثورات بهذه الحقائق سوف يؤدي حتما إلى إفشال مشروعي الإسلاميين والإمبرياليين.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top