غزوة منتصف النهار

علي حسين 2013/04/02 09:01:00 م

غزوة منتصف النهار

ما جرى أمس من حصار وتهديد وهجوم على بعض وسائل الإعلام يثبت أننا لا نزال نعيش في عصر آخر وزمن يريد لنا البعض أن لا نغادره. مجموعات تستبيح كل شيء تنفيذا لإشارة من شيخها. يطاردون الناس في أماكن عملهم. وتراهم يفتخرون بذلك.. إنها حرب بين أزمنة مختلفة، زمن الكهوف حيث الكلمة فيه لأشباح لا أحد يراها فقط، نسمع أصوات مريديها. وزمن يصر فيه الإعلام المستقل أن يفتح أبواباً ونوافذ على المستقبل بين زمن الطاعة البدائية في أتعس صورها، وزمن الديمقراطية التي ركب الجميع على ظهرها، غزوة منتصف النهار بكامل هستيريتها تؤكد أن البعض لا يريد أن يغادر كهف العصور الوسطى.
سيقول البعض إنها بروفات لإرهاب الإعلام تحت سمع وبصر الأجهزة الحكومية.. وان ما جرى هو مجرد بالونات اختبار تريد منا أن نرفع أيدينا إلى أعلى ونستسلم ومن الغريب أن الأمر جرى في وضح النهار برغم أنف الحكومة وأجهزتها الأمنية التي تملأ الطرقات وتجلس فوق أنفاس الناس.
ما جرى مع وسائل الإعلام لا يخرج عن فكرة تلازم بعض الجماعات الدينية والتي تدفع إلى إنشاء ميليشيات تشبه شرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكنها عندهم تتحول إلى ميليشيا الأمر بطاعة الرجل الغامض والنهي عن كل كلام يمس شخصه المقدس.. أحلام تعشش في عقول من يمنون النفس بان تنتقل سلطة تنفيذ القانون إليهم.. وان تتحول رغبة فرض الأفكار والتعليمات بـ"السكاكين"، وترمى الناس من سطوح البنايات، وتحرق ممتلكاتها. انها قوانين الخارجين عن سلطة القانون فهم يحكمون ويتخيلون أنهم القاضي والجلاد في الوقت نفسه، فالشيخ المقيم في المجهول يخطط لفرض قبضة احتلال الإعلام ويلح على منح أفكاره وآرائه إطارا قانونيا تصبح من خلاله المليشيات أمرا واقعا لا مكان للجدال حوله مما يتيح له فكرة اقتسام سلطة تنفيذ الأمن مع أجهزة ظلت تتفرج على ما يجري، وربما تتشمت في سرها مما حصل ممنية النفس بان يصبح الإعلام تابعا لها مقابل توفير قدر معقول من الحماية ما جرى أمس يجعلنا نطرح سؤالا: اين الأجهزة الأمنية من كل ما جرى، ولماذا تصمت وهي تسمع رجال غزوة الإعلام يتحدثون عن مئات المتطوعين في انتظار إشارة الشيخ الغامض.
 عندما يصر رجل دين كان حتى لحظة غزوته على الإعلام يتظلم ويتهم الحكومة وأجهزتها باضطهاد جماعته ومطاردتهم وتعذيبهم على انتهاك حريات الآخرين، فاغلب الظن انه يتصور نفسه مبعوث العناية الإلهية لتأديب هذا الشعب وتقويمه. وعندما يعتقد البعض أن الدفاع عن آرائهم لا يتم إلا في التخلص من وسائل الإعلام ومحاصرتها. وليس في الاستفادة من هذه الوسائل في إقامة حوار جدي، فعلينا ان نشعر جميعا بالخوف على مستقبل الناس وامنهم، لان من قام بغزوة الصحف ربما يحول الأمر إلى غزوات أخرى تقضي برجم كل من يخالف رأيه، يخطئ البعض من رجال الدين وأتباعهم حين يعتقدون ان الخلاف معهم هو خلاف بين مسلمين وكفار، محاولين إيهام البسطاء من أتباعهم أنهم يدافعون عن الإسلام، متناسين ان المعركة اليوم يجب ان تكون بين قوى سياسية تستغل الدين الحنيف لتنفيذ مخطط سرقة البلاد وهو أمر يرفضه الإسلام لانه دين المحبة والتسامح، ولنا في الامام علي بن أبي طالب أسوة حسنة، حين قال للخوارج "أنها كلمة حق أريد بها باطل" من المسؤول عما جرى لبعض وسائل الاعلام من ترهيب، لماذا لايوجه بعض رجال الدين جهودهم لنصرة المظلومين والأرامل والأيتام ويقول معنا بصوت واضح لا لسرقة ثروات البلاد، لا لمنطق العصابات، لا للقتل على الهوية، لا التدهور الأمني والسياسي والخدمي، هذه هي مسؤولية رجل الدين الذي يتعامل مع الآخرين باعتبارهم مواطنين لا رعايا، مواطنين لهم حق إبداء الرأي والعيش بأمان بعيدا عن غزوات منتصف النهار.

تعليقات الزوار

  • الموج الهادر

    انا شخصياً لا استبعد دور الحكومه في ذلك .. اذا نظرنا للحادثه فأعتقد تنقصها فقط الكامرات لتكون فلم اكشن وسقوط هوية شخصية لشخص تثبت انتمائه لاحد المجموعات الدينية .. اعتقد كله معد بطريقه طرب عصفورين بحجر واحد ... والله اعلم

  • صحفي عراقي

    حياتي للزميل العزيز علي حسين.. اطلعت على مقالتك الرائعة ووجدت فيها حقائق ما يجري اليوم في العراق. وباختصار نحن في العراق في ظل دولة عصابات متحرفة واي قانون لا يردعها لان حكومة المالكي هي التي تسهل لهم هذه الاجراءات العصابجية.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top