ماذا فعل المالكي في ميسان؟

سرمد الطائي 2013/04/16 08:01:00 م

ماذا فعل المالكي في ميسان؟

إن للأمر صلة بيوم حزين أمضاه المالكي في محافظة ميسان للتبشير بولايته الثالثة. إذ لم يجد ما يفعله هناك بعد أن سرق المحافظ التابع للتيار الصدري، أضواء تجاوزت مدينته وأثار الإعجاب في كل مكان. فانشغل سلطان بغداد بافتتاح أشياء لا تستحق الافتتاح، كما يخبرني مهندس ذكي وفاضل من أهل العمارة.
أقرأ رسالة المهندس الشاب عن منجزات المالكي في ميسان، وأتصفح جرائد إيران المنهمكة في فك ألغاز انتخاباتهم الرئاسية القريبة أن أحمدي نجاد الحالم بفوز صهره رحيم مشائي يجعل كل عائلة إيرانية تحلم بقطعة ارض مساحتها ألفا متر! بينما يقول له معارضوه: أنت الرئيس الوحيد الذي حصل على ألف مليار دولار كموازنات في زمن النفط وأسعاره المرتفعة، لكنك تسلم الرئيس المقبل شعبا جائعا وبلدا محاصرا يعجز عن بيع نفطه.
سعيد حجاريان هو المنظّر الأيديولوجي للتيار الإصلاحي ، يقول في حوار مع مجلة إيرانية مسترجعا صعود وانتكاسة تياره المعتدل: كان رفسنجاني يعتقد أن التطور الاقتصادي هو الحل. جاء عبد الكريم سروش وقال إن التطور الفكري هو الحل. وكلاهما قاما بعمل كبير في إيران، لكن رفسنجاني انتهى إلى تجميد، وأولاده في السجن. أما سروش فمطرود وتلاميذه في السجن. لذلك فإن سعيد حجاريان الذي خرج لتوه من معتقل ايفين ونجا بأعجوبة من محاولة اغتيال أقعدته نصف مشلول، يصر على أن التطور السياسي هو الحل الجذري الذي يمكن أن يسمح بتطور الاقتصاد والأفكار. فحيث تكون معايير الحرية والقانون والتعدد محترمة، يمكن لقواعد التنافس أن تصطفي أفضل حلول الفكر والاقتصاد لتحقق التنمية.
ولذلك فإن كل منجزات رفسنجاني الاقتصادية، وما تركه سروش من أثر فكري عميق على شباب إيران، بل وألف مليار دولار حصل عليها احمدي نجاد خلال ٨ أعوام من رئاسته.. هي أمور لم تنقذ إيران ولم تعصمها من قيود دولية رهيبة تهددها بالمجاعة والحرب.
أما عراقياً فإن المالكي يريد أن يمارس تفريغا لمعايير العمل السياسي، ليدير البلاد غير الآمنة، بنظرية الأمن التي تصفي خصومه وتتيح له التخلص منهم وتسمح له بمصادرة التعدد السياسي والحريات الأساسية، باستخدام ذريعة العنف والانهيار الأمني. ويقول للشعب في الوقت نفسه: لا تفكروا كثيرا بثرثرة المثقفين عن مبدأ فصل السلطات واستقلال القضاء و...، اسمحوا لي أنا وحدي أن أزج بالإرهابيين (خصومه السياسيين) في السجن، وأقضي على العنف، وأبني لكم مجمعات سكنية ومحطات غازية.. وكونوا حامدين للسماء شاكرين للآلهة، وإلا فستتحول ساحة البرلمان إلى "حلبة ملاكمة" وتستمر التفجيرات.
يريد المالكي أن يتشبث بمشروعية عرجاء، هي إحلال الأمن وبناء البيوت (دفع الاقتصاد) ويبرر لنفسه كل الأخطاء مع الشركاء. ويقدم لنا تصورا متخلفا لإدارة الأمم، ولكن ماذا حصل في ميسان؟
بحسب المهندس الفاضل الذي شاهد المالكي عن قرب، فإن رئيس وزرائنا لم يجد منجزاً لحكومته في ميسان. كل المشاريع الناجحة كانت بفضل مثابرة المحافظ علي دواي ، ولا يعقل أن يقوم المالكي بافتتاح مشروع ينطوي على مديح لمحافظ التيار الصدري. فلم يبق أمامه سوى مشروعين صغيرين. الأول مدرج صغير أنشأه الصينيون في حقل الحلفاية لنزول طائرات رجال الأعمال الصغيرة، فذهب وافتتحه بكلمة كبيرة ترجمت إلى الصينية طبعا. والمفارقة أن هذا المدرج مفتتح منذ ٥ أشهر أساساً.
أما المشروع الثاني فهو محطة لإنتاج الغاز وضع المالكي حجرها الأساس على أرض مساحتها ٢ كم. والأرض محل نزاع بين الدولة والفلاحين والمشروع متلكئ أساساً.
والحكاية لم تنته هنا. فالمالكي ارتبك في توزيع وقته وأهدره بين مدرج أهل بكين، وأرض الفلاحين الغازية، بينما ظل جمهوره ينتظر في إحدى الساحات تحت الشمس الحارقة طيلة ساعتين. وبمجرد أن وصل زعيم دولة القانون لإلقاء كلمته، شعر الجمهور بالغضب والخذلان. اعتذر لهم: "كنت مشغولا مع الصينيين، بالتخطيط لتحويل ميسان إلى جنة". وحين تلفظ بكلمة "جنة" بدا وكأنه ارتكب خطأ العمر! فعشر سنوات من الفشل وإهدار ٦٠٠ مليار دولار من عوائد النفط، لم تحول أي شبر عراقي إلى ربع جنة.. لذلك انسحب معظم الجمهور تاركين المالكي يكتب قصيدة حزن أخرى، وحده تحت الشمس. فلا قيمة للفراديس ووعودها إذا خسرت صدقك السياسي. سيتبخر النمو الاقتصادي إذا لم تتوفر الكرامة واللياقة وأسباب التعايش والحرية. العراق ليس كتيبة دبابات يمكنها انتظارك لساعات تحت حر الشمس. كما أنه ليس حقلا نفطيا تساوم عليه. إنه بلد ثري بالمال والشعر، تعرض للفشل دوما بسبب حماقة السلاطين في الإدارة. ولا يوجد مال يداوي غياب الحكمة. هذا هو درس ميسان.

تعليقات الزوار

  • قيران المزوري

    كم أنت رائع وجميل في كتاباتك واختياراتك , لا خوف على المستقبل طالما وجد مخلصون وأبطال وعظماء ومثقفين أمثالكم يا أستاذ سرمد , ولكن ألست على يقين بأن لكم ملف متكامل على طاولة المالكي وجلاوزته ,

  • abo telef

    كلامك كله صحيح، ولكن عوام الشعب من أصحاب العقول المتعبة نتيجة تراكمات المصائب...نحتاج منك الى ان تكتب بلغة تحاكي هكذا عقول لينجح نفيرك التحذيري لتجنب حقبة اخرى من حكم متخلف وسلطوي.. آه لو تعلم يااستاذ سرمد كيفصدموني اليوم أهالي حسينية_معامل بآرائهم فهم أو

  • abo telef

    كلامك كله صحيح، ولكن عوام الشعب من أصحاب العقول المتعبة نتيجة تراكمات المصائب...نحتاج منك الى ان تكتب بلغة تحاكي هكذا عقول لينجح نفيرك التحذيري لتجنب حقبة اخرى من حكم متخلف وسلطوي.. آه لو تعلم يااستاذ سرمد كيفصدموني اليوم أهالي حسينية_معامل بآرائهم فهم أو

  • باسم غفوري

    استاذ سرمد..تحية بغدادية ما الأفضل.. محاولة فاشلة أم فشل من دون محاولة؟ الا ترى ان الوقت قد حان لتاسيس منتدى أو حركة او تيار (ليبرالي) عنوانه ثقافي وطابعه سياسي؟.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top