اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > نتائج انتخابات مجالس المحافظات..من سيكولوجيا السطوة إلى سيكولوجيا المساومات

نتائج انتخابات مجالس المحافظات..من سيكولوجيا السطوة إلى سيكولوجيا المساومات

نشر في: 10 مايو, 2013: 09:01 م

  هنالك أربعة مصادر للسطوة: المنصب والثروة والخبرة والعلاقات.أولها وأخطرها، سطوة المنصب التي تعتمد على السلطة الرسمية. والسطوة في النظام الدكتاتوري تمر بأربع مراحل: في الأولى يبدأ الدكتاتور المتوقع بتشكيل علاقات مع أناس لديهم نوايا أو مطامح

  هنالك أربعة مصادر للسطوة: المنصب والثروة والخبرة والعلاقات.أولها وأخطرها، سطوة المنصب التي تعتمد على السلطة الرسمية. والسطوة في النظام الدكتاتوري تمر بأربع مراحل: في الأولى يبدأ الدكتاتور المتوقع بتشكيل علاقات مع أناس لديهم نوايا أو مطامح نحو السلطة، وقد لايكون هؤلاء أكثر من مجرد مفكّري مقاهي أو كانوا قد نجحوا في تكوين نوع من الهوية السياسية. وفي الثانية ينتقل إلى مرحلة تكوين التحالفات بأن يستغل صاحب سطوة المنصب مهارات اجتماعية وأنماط  تأثير مراوغة، وقدرة على الإقناع السياسي، وتفكير سياسي له وجاهة، ووعد بتحسين الأوضاع بعمل مشترك..رسمي وشعبي..ويعمد إلى استيعاب من يطمح لدور قيادي فيضعه في مركز يرضى به.. ويصبر على التخلص من منافسيه لفرصة ملائمة..ليصل إلى المرحلة الثالثة..السيطرة..بطريقة (ناعمة).
فهتلر جاء إلى السلطة بانتخابات ديمقراطية، ولكن ما أن صار زعيما" للحزب القومي الاشتراكي الحاكم حتى أسرع بتثبيت أركان الحكم مكتسبا" قدرة كبيرة على التأثير في الناس تخوله أن يقرر ويسيطر ويوجّه ويكافئ ويعاقب و(يحيي ويميت!)..وينشد التلاميذ له كل صباح:( أيها الفوهرر الحبيب نحبك أكثر من آبائنا وأمهاتنا ).
    أما حين يصل صاحب سطوة المنصب المرحلة الرابعة فإنه يتوجه نحو التخلّص من منافسيه السياسيين ووضع الموالين له في مناصب سلطويه ، وبناء آلية تمكّنه من بث الخوف والهيبة فيهم وفي الشعب بأكمله لدعم سطوته..ولها وصل صدام حسين.
 والمفارقة أن الأنظمة الديمقراطية الجديدة (العراق ومصر مثلا) قدمت لنا أنموذجا جديدا للسطوة!. ففي العراق استمكن بعض السياسيين في الزمن الديمقراطي من مصادر السطوة الثلاثة : سطوة الثروة، بحيازته القاعدة الذهبية ( من يملك الذهب هو القادر على وضع القواعد)، وسطوة الخبرة بامتلاكه دراية ومعلومات تكسبه التأثير في العامة، وسطوة العلاقات باكتسابه قبول أناس يمتلكون سطوة عشائرية،أو اجتماعية، أو دينية، أو ثقافية أيضا".وبعضهم اجتاز المرحلتين الأولى والثانية من السطوة وكاد أن يدخل المرحلة الثالثة منها لولا نتائج انتخابات مجالس المحافظات التي جاءت على غير  ما يتمنى من هو في السلطة. فبرغم تصدر قائمة (دولة القانون) نتائج الانتخابات في سبع محافظات من مجموع اثنتي عشرة محافظة إلا أنها لم تحرز نفس تفوقها في انتخابات( 2009 )الذي مكّنها من السيطرة على معظم مجالس المحافظات الوسطى والجنوبية. ومع أنها ظلت الأقوى على صعيد القوائم الشيعية إلا  أنها لم تعد تملك نفس قوة السطوة التي كانت تتمتع بها من عام 2006.ففي بغداد حصلت دولة القانون على (20) مقعدا من مجموع (58)،وفي البصرة (16 من 35)، وكربلاء (7 من 27 )،والقادسية (8 من 28)، والمثنى (8 من 26)، وبابل (8 من 31)،وواسط (7 من 28)،وميسان (8من 27)،والنجف (5من 29)،وذي قار (10 من 31)بينها مقعد واحد فقط لحزب الدعوة الإسلامية..وبحسب جريدة الصباح (العدد 2815)فإن قوة دولة القانون  تمثل 26%في عشر محافظات باستثناء ديالى وصلاح الدين(و21%بشكل عام)،غير أنها خسرت 30%من نفوذها مقارنة بدورة 2009 بحسب جريدة المدى (العدد 2789)،فيما حققت كتلة الأحرار زيادة قدرها (41%) والمواطن زيادة بنسبة (7%).وهذه النتائج تؤشر لنا حقيقة مهمة هي حصول تغيير في أوزان القوى الشيعية سينعكس على انتخابات 2014..وحصول مراجعة نقدية لأداء من ضعف رصيده بين الناخبين لاسيما الكتل ذات النفوذ الكبير.
  إن أهم دلالة قدمتها نتائج انتخابات مجالس المحافظات هي أن الخطر من السطوة التي تفضي إلى صنع دكتاتور قد ضعف.وأن السياسيين انتقلوا من سيكولوجيا السطوة إلى سيكولوجيا المساومات،وان المساومات هذه قد تغيرت في النوع والكم.فبعد أن كانت المساومات محصورة بين ثلاث إلى أربع كتل،ظهرت كتل من أحزاب وقوى جديدة..ستضطر الكتل الكبيرة إلى المساومة معها لأن الصوت الواحد قد يحسم الأمر لصالحها.والدلالة الإيجابية الأخرى أن القوى الشيعية الثلاث(دولة القانون والمواطن والأحرار)ما عادت مؤتلفة..وأنها ستمارس المساومات مع بعضها أو مع قوى أخرى جديدة.فالمتوقع أن تتحالف دولة القانون مع المواطن في النجف والبصرة وذي قار..وأن يتحالف الأحرار مع المواطن في ميسان أو مع قوى أخرى. وكل هذا يجعلنا نطمئن إلى أن الانفراد بإدارة الحكم لم يعد ممكنا إلا في حالة المجازفة حين تضع الأزمة من بيده الأمر في عنق الزجاجة.
 لقد دخلنا الآن مرحلة (سيكولوجيا المساومة).وكما كان لمرحلة (السطوة) رذائلها وأقبحها شيوع الفساد وعدم الاكتراث بتلبية الحاجات الخدمية للناس،فان لمرحلة (المساومات) رذائلها أيضا..وأقبحها النفاق وضعف الضمير الأخلاقي.فقد تتحالف كتلتان متنفذتان لضمان الأغلبية وتعلنان أنهما تعملان من اجل المحافظة وأهلها فيما تعملان لمصلحتهما الشخصية.وبحسب جريدة الصباح فإن الحكومات المحلية "تتأرجح بين الأغلبية والتوافقية".وللتوافقية هذه معنيان:فإذا احتوى التوافق الكتل الصغيرة في تشكيل الحكومات المحلية..فإنه يتوقع له أن يخدم المحافظة وأهلها ،وإن اقتصر التوافق على أكبر كتلتين فإنه يكون نوعا من المساومة التي تخدم مصالح الكتلتين.
ويبدو أن (جوكر)التوافقات أو المساومات هو كتلة (المواطن) ،كونها الكتلة الشيعية الأكثر قبولا من دولة القانون وكتلة الأحرار والقوائم الصغيرة الفائزة أيضا،فيما دولة القانون والأحرار لا يلتقيان،فضلا عن أن القوائم الصغيرة الفائزة تميل إلى الأحرار أكثر.
 ومع أن التيار الديمقراطي حصل على نسبة بائسة(2.2%)  بفوزه بعشرة مقاعد ،بينها مقعد واحد في العاصمة بغداد فإنه سيكون راصدا وفاضحا للمساومات ما لم تقدّم لبعضهم إغراءات تزحلق من يدهن ضميره بزيت الورق الخضر ،أو يمنح  صوته لمن تكون اللقمة معه أدسم!..أو يبررها كآخرين معه يلبسون العمامة  بأن الضرورات تبيح المحظورات!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض اربيل

مقالات ذات صلة

قلب بغداد والمسؤولية الاجتماعية: الدرس الذي تعلمنا إياه رابطة المصارف الخاصة

خالد مطلك غالبًا ما يُنظر إلى المركز التقليدي للمدينة القديمة على أنه الوصي الشرعي على هويتها المعمارية، ويجسد القيم التاريخية والجمالية والثقافية. لذلك فأن عملية إحياء المباني القديمة داخل مجال محدد يحتل موقع النواة، يعد أمر بالغ الأهمية في الحفاظ على استمرارية هذه الهوية. فمن الناحية الأكاديمية، يمكن فهم هكذا مبادرات من خلال عدسة "إعادة […]
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram