من (ألبومات) تجربة (شوقي الموسوي) .. عتبات الصمت فوق سلالم البوح

من (ألبومات) تجربة (شوقي الموسوي) .. عتبات الصمت فوق سلالم البوح

(مت بداء الصمت خير من داء الكلام )
. أبو نؤاس

لم أجد غير التأني اللازم والتأمل الضروري ... مبررا لدواعي وأسباب تأخري في تناول تجربة(د.شوقي الموسوي/تولد كربلاء1970/ دكتواره فلسفة فن إسلامي/ فنون تشكيلية- رسم/جامعة بابل2005)عبر تفويض الكتابة عنها بما يناسبها ويحيط بجوانب وعيها النوعي،على الرغم من تتبعي المباشر لها ورهن اهتمامي بها منذ عام/2000 ،حيث مشاركته الواثقة في المعرض التدشيني لقاعة (دالي للفنون) ببغداد، وصولا إلى محافل أعمال معرضه الشخصي الخامس/ قاعة أكد للفنون/2012 تحت عنوان لافت ومباغت يندرج تحت اسم (قطاف عنصر الصمت).

ولعل مرامي هذا التمهيد أو الاستهلال يصبو لتوضيح بعض مقاصد ذلك الاعتناء الضمني بمنجزات هذا الفنان وتميز مهاراته الذهنية والأدائية في الرسم،تلك التي أصرت على أن تحاذي و تحايث خطى دراسات نقدية وجمالية وفلسفية شاء لها أن تتعانق مع انتقاءات من رواسخ جهود وضمائر حداثوية بحتة،وأخرى تراثية ، لكنها كانت تمتلك خواص وعيها المعاصر في أنساق وجذور سياقات المنجز التشكيلي في العراق...ومن تلك الدراسات- مثلا- (ذاكرة بلا حافات في رسومات شاكر حسن آل سعيد) و(تنوع أساليب تصوير مقامات الحريري)و(أطيان وأطياف وبشر في خزفيات سعد شاكر) وغيرها من إسهامات تراتبية مهيأة وجاهزة للطبع هي محصلات موسوعات معاصرة حول (الخزف العراقي) و(النحت العراقي)و(الرسم العراقي)، وتلك مهاد وثراء استنهاضات ،ربما أكلت من جرف إنجازات (شوقي الموسوي) في ربوع تجاربه في الرسم وتنويعاته التجريبية وصولا لصدق تطلعات قلق الباحث الحقيقي عن ذاته المبدعة،بيد أنها (أي انهماكات دراساته النقدية والجمالية) قد أضاءت له مسالك التفكير الحر والتأمل الحيوي في حسبان وقع خطواته وثقة مجساته التجسيدية على خرائط ومثابات الوعي البصري والجمالي العام، في بلد- مثل العراق- تتبارى فيه الفنون التشكيلية وتتوالد من أرحامها –باستمرار- تجارب متطلعة وجادة في حمى تنافس وجودها الحي مقرونة،بهواجس تحديثية تنزع بجذورها - بشكل شعوري أو غير شعوري- صوب ركائز حضارية عريقة جدا،لم تزل ماثلة- ناصعة في مرايا وثنايا الضمير الجمعي لعموم ما وصلت إليه نواتج الحضارة الإنسانية حتى الآن.
*****
تغري إمدادات (شوقي الموسوي) البصرية جهود الباحت والمتتبع لأعماله- بدقة وانتباه جادين- بإجراء مسوحات بحث إجرائي،جراء ما تمتلكه أغلب تلك الأعمال من بواعث وسمات ونزعات تقصي تبتعد كثيرا عن مجرد التعامل معها وفق معادلات النظر للموضوع ومهام الفكرة بفرض وجودها العياني،وبمعزل عن قيمة الغزل العادي والاستجابة الآنية في تقييم تلك البواعث التي يجهد (شوقي) في تبرير منطلقاتها الفكرية،قبل الشروع بتنفيذها على سطوح مهاراته المستمدة من خبرة ومراس ومقدرة عالية على التنظير،فضلا عن إصرار واثق في تبني معالجات التجريب نهجا وسبيلا كان قد مهد للارتقاء بأعماله من مناسيب العادي واليومي والمتوقع ،إلى مصاف الاستثنائي والذهني والتوريدي لجملة من القيم الفنية الحاذقة والرائقة، من حيث (عمق المضمون) وفي تمرير خطاباتها الجمالية من ناحية (مهابة الشكل)،ثم تثمين نواتج لقائهما معا (الشكل والمضمون) جراء منح العمل مؤهلات تنفيذية أضحت تسير بوهج معادلات ومجريات التجريب الذي عاهد عليه (شوقي) قوام تجربته المدافعة- ببسالة فردية - عن فعلها الإبداعي المستميت بفرض هيمنة التحدي للسائد والمألوف ،وأهمية تفويض التفكير و رفد التأويل بعناصر الفعل والمواجهة الحتمية ،كالتي اتبعها (د.شوقي الموسوي) في ملاك معرضه الأخير وعنوانه الدال بالنسبة لما كان يبغي ويأمل ... أعني معرض ( قطاف عنصر الصمت ) والتي ألزمتني تلك المواجهة بجدية فكرتها،التفكير- مرارا- بمعنى مقاصد السعي لاستنطاق ذلك الصمت المفترض والذي أباح فيه الفنان للوحاته حرية التعبير عن نفسها،عبر اتحاد روحي ما بين أشخاص ووجوه تلك الأعمال وما بين محيطها الذي راحت تسبح فيه،وبحجم طاقة تلك الحرية الهائلة التي وفرها (شوقي) لموجوداته و أشيائه المرهونة بسحر شوقها العارم لذلك الحنين الطاغي لقيمة الاستذكار وغزارة التوضيح الفكري والعاطفي لضرورات علاقات التجاور والتحاور ما بين حتمية العلاقات التي احتوتها مربعات ومصفوفات وهيئات بعضها التي اتخذت من شكل الطوابع البريدية استمالات تعبيرية مسالمة-ضمنا- وأخرى أرادت استيضاح بعض معان ذهنية كي تشيد عليها وطأة و أثر سطوة الإحساس بالقطيعة والتباعد النفسي و الاجتماعي الذي حصل ويحصل- قصدا- في مقدرات طبيعة حياتنا الراهنة، وتوالي نسف مقومات مجموعة التواشج والتواصل الروحي والمحيطي، وفي الوقت الذي سيج فيه (شوقي الموسوي) مرتسماته اللونية مستفيدا من تعويم مرتهنات وحداته الشكلية حتى ضمن محددات مربعاته ووحداته المرتبطة بنوازع وحقيقة أشجان ما تسكن أرواح وجوه أبطاله المدعومة بوحشة انتظارات واكتظاظات هواجس مرت على مر ذلك التأريخ المقترح- تاريخ متعدد المراحل والحقب- وهو يتسلسل في متممات وأرضيات لوحاته الناطقة بهمسها المضني وأبهة حضورها الذهني الوجداني وسلامة صدق نطقها المسموع همسا وتصورا واقعا من خلال فرض أقسى لحظات ذلك الصمت المفكر القادر على ترجمة أحاسيس أنفاسه وتتبع توجساته،عبر مهارات توريد أسرار ذلك الصمت حين يتهيب مأهولا بالأصوات،من خلال ضخ حوارات وتقابلات وتداخلات حاضرة بفعل وديمومة ما أتاح (شوقي) لتأملاته وتمليات أفكاره وتقديس مقدرات مصائر شخوصه ومفرداته من وجوه آدمية/ دمى/علامات/أيقونات/أشكال حيوانات/ أشارات/واستفهامات راحت تتنازع بتكرارات قصدية تتابعية ومحسوبة على منوال أشكال وتضرعات وحركات زادت من نبض ووهج علاقات اللوحة الواحدة داخل ملاكات حيوية تترامى في نسق أشكال هندسية غدت مثل أرحام ومناجم فاضت بما يسكن في داخلها من تنافر وتضادد واستجابات حسية ونفسية وحضارية استكملت لوازم جمع الحاضر بالماضي تمهيدا إجرائيا لما يمكن أن يحمله الغد،بحكم توقع ما يمكن أن تحتويه مستقبلات (شوقي الموسوي) بجماليات و تحريضات وعيها المزمن على ضخ وطرح أسئلة كونية ،كالتي يرى فيها (ريلكه)على أنها (أي الأسئلة) مفاتيح ...أتوجسها تتلاءم- الآن- مع طبيعة فلسفة(شوقي) التحديثية مشفوعة بالموهبة والدراسة والبحث،في نهاية المطاف...عبر نواتج مجمل قطاف تجاربه في الرسم.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top