كان جمهور نادي السرد في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق على موعد يوم السبت الماضي 18 أيار مع محاضرة الناقد الدكتور فاضل عبود التميمي المعنونة؛ ( ملامح الاستشراق والحوار الحضاري في رواية ـ ترنيمة امرأة.. شفق البحر ـ للكاتب سعد محمد رحيم ). وقد استهل الناقد محاضرته بتعريف مفهومي الاستشراق والحوار الحضاري قبل أن يبحث عن تمثيلاتهما السردية في تفوّهات شخصيات الرواية. متسائلاً: هل يمكن للرواية ،وهي محض نصّ أدبي تخيّلي أن تمثل واقعا ماضيا في حياة شعب، أو أمّة؟، ومؤكداً أنّ الرواية بتمثيلها السردي لما جرى تستطيع أن تقدّم قراءة جديدة للماضي غير خاضعة لثبات النظرة الأحاديّة التي ترى الواقع ولا تمثّله. وتحدث الناقد عن تعاطي الروايات العربية مع موضوعة العلاقة مع الآخر/ الغرب في نصوص روائية سبقت رواية سعد محمد رحيم. وقد لاحظ الناقد أنه؛ "في رواية:(ترنيمة امرأة.. شفق البحر)، جرى تمثيل ثيمتين مهمّتين من ثيمات الوعي الإنساني السابح في فضاء العلاقة الرابطة بين الشرق والغرب أعني :(الاستشراق) الذي بدت ملامحه واضحة القسمات في تفوّهات بطلة الرواية الايطالية (كلوديا) ، وكذلك في (الحوار الحضاري) الذي جاء ليكمل ما بدأه عصر الاستشراق القديم من انفتاح على (الآخر) بهدف ايجاد انسجام حضاريّ، ونفسيّ بين الشعوب". وقد بيّن الناقد أن شخصية كلوديا جسدت مركز الوعي الاستشراقي في الرواية. وقال أن الرواية استطاعت أن تقدّم نسق كلوديا الخاص بدقة ،حتى حلمها الرومانسي كان مرتبطا بفضاء الليالي العربيّة تأكيدا على تقديم الصورة الخاصة بها بما يقرّبها من أجواء الشرق، وشخصيّة (سامر).
ولاحظ الناقد أن صورة شخصية سامر هي صورة الشرق في عيني كلوديا وهي فضلا عن كلّ ما ذُكر مخلِّصة لـ (سامر) من محنته ،فهي على حدّ تعبيره:"تريد أن تنقذني من نفسي، من عبء الذكريات، وسطوتها". والأشهر القليلة التي عاشها في كنف رعايتها جعلت منه شخصا آخر يشعر عندها بالأمان: "هذه الأشهر القليلة معك انضجتني أكثر لاشك".
وأوضح الناقد لماذا اختار الكاتب الاستشراق الإيطالي وليس الإنكليزي أو الفرنسي أو الأميركي مُرجعاً السبب إلى أن الروايات العربية تناولت فروع الاستشراق الثلاثة الأخيرة آنفة الذكر ولم تتناول الفرع الإيطالي، ولأن إيطاليا؛ أعرق أمم الغرب التي اتصلت بالشرق الأدنى اتصالا وثيقا منوّعاً.
أما بخصوص الحوار الحضاري فقال الدكتور التميمي أن (الحوار الحضاري) ثيمة أخرى استطاعت رواية (ترنيمة امرأة.. شفق البحر) تمثيلها، وتحديد أبرز منطلقاتها لتشير إلى حالة متخيّلة تستند إلى الحوارات التي تجري بين اثنين، أو أكثر تتناول شتى الموضوعات التي تظهر الإبانة عن المواقف، والكشف عن خبايا النفس، وهذا ما كان واضحا في الحوارات التي كان (سامر) قد أجراها مع (كلوديا) ومجموعة السيّاح الغربيين التي بمجموعها تحيل على نمطين من التفكير، أو نمطين من التوصيف الذي يجمع بين عالمين متناقضين: عالم الشرق ببراءته المعروفة ، وفهمه الخاص للحياة، وعالم الغرب بقوة آلته الاقتصاديّة ، ونفوذ سلطته السياسيّة ، ونقده الحاد للذات. وأومأ الناقد إلى الطبيعة الحجاجية التي ظهرت في الخطاب الحواري الذي ميّز الرواية. وأن خاتمة الرواية تلفت النظر الى أنّ حجاجيّة الحوارات في دلالاتها الخاصة، والعامّة ليست من نتاج الشخصيات إنّما هي خطابات تمّ انتاجها، وأعِيد تسويقها في المجتمعات التي ينتمي إليها المتحاورون ، فيما المحاوِر لا سلطة له على خطابه.
ثم فتح باب النقاش فتحدث القاص صلاح زنكنة عن الرواية والتماهي بين بطل الرواية وكاتبها. ورأى الناقد بشير حاجم أن دراسة المحاضر تدور في إطار النقد الثقافي غير أنه لم يبحث عن الأنساق المضمرة في الرواية وقد أثنى على جهد التميمي وعدّ الرواية موضوع البحث واحدة من أهم الروايات التي صدرت خلال السنوات الأخيرة. أما الناقد عبد الله الراضي فقد أشار إلى ما في الرواية من مزايا أسلوبية مثل اهتمامها بالحبكات التكرارية وكيف أنها صورت حالة الهرب من الداخل إلى الخارج وبالعكس. ولاحظ الناقد محمد يونس أن الرواية انطوت على إشكالية التقابل والتعارض بين شخصيتي المرأتين حنان وكلوديا. وأشار القاص طارق العزاوي إلى أهمية العودة إلى موضوعة الاستشراق الآن، مقترحاً إحياء مصطلح آخر هو الاستغراب. واعترض الروائي حميد الربيعي على تصوير كلوديا بالمستشرقة لأن أبيها ألبرتو هو أقرب نمطياً إلى الاستشراق وأن الحوار الذي ساد بين شخصيات الرواية كان متوترا وليس حضارياً تماماً. وتكلم الشاعر صفاء ذياب عن واقعية المصادفات في متن الرواية. ثم تحدث الروائي سعد محمد رحيم عن سعادته بإقامة الجلسة، شاكراً الباحث والمشاركين والجمهور.
وأخيراً رد الناقد الدكتور فاضل التميمي على مداخلات الحاضرين مؤكداً أن دراسته لم تُعن بالنقد الثقافي وإنما عمدت إلى الكشف عن مضمون الافعال السردية في ثيمتي الاستشراق والحوار الحضاري.
أدار الجلسة الناقد الأستاذ خالد ياس.
اترك تعليقك