كـــلام اليـــوم: التوتر بين الإعلام والسلطات

كـــلام اليـــوم: التوتر بين الإعلام والسلطات

المدى لا ينبغي التطيّر من هذا الشدّ الذي نراه بين بعض وسائل الإعلام والسلطات التنفيذية..برغم أنه شد محكوم بالخوف وبسوء الظن، أكثر مما هو محكوم بعوامل أخرى أكثر اطمئنانا وركوناً لقوانين بقيت غائبة وبقيت (الأعراف) وحدها التي يُفتَرض أن تعوِّض عن غيابها.

تحرك هذا الشد عوامل كثيرة من بينها الطبيعة الملتبسة للظرف الأمني والسياسي والتي تلقي بظلالها حتما على العلاقة بين السلطات والإعلام، وهي سلطات تواجه تحديات كثيرة واعداءً ظاهرين ومتخفين مما يجعلها في ظرف ما تغلِّب عوامل الشك وتتصرف على وفق أسوأ الاحتمالات..بينما الإعلام يريد حقه في التحري والوقوف على الحقائق ونقلها وممارسة دوره الرقابي والنقدي الذي يطلبه الجمهور. السلطات تفتقر إلى ضوابط وتقاليد لم تتأسس بما يكفي بعد لمعرفة الحدود بين ما هو مسموح به وما هو في دائرة الحظر والمنع، الأمر الذي يجعلها عرضةً لأخطاء أدواتها التنفيذية، وهي أدوات لا تتمتع بالتأهيل الديمقراطي الكافي ليصونها من أخطاء قاتلة، وفي هذا الحال سيكون للمراقبة الدقيقة والمستمرة لقيادات الدولة لمثل هذه الأخطاء وتقويمها ومنعها الدورُ المهم في تنمية التقاليد وتعزيزها لصالح الديمقراطية التي تضمن سلامة الجميع: السلطة والإعلام والمجتمع. الإعلام من جانبه متعدد ومتنوع، وبينه من يحرص على ممارسة دوره الحقيقي كإعلام مجتمع ديمقراطي، بينما بينه أيضاً وسائل إعلامية تريد دحر التجربة الديمقراطية باستخدام التسهيلات التي تبيحها الديمقراطية ذاتها..وهذا السلوك يتجاوز الإعلام إلى جهات تعمل داخل العملية السياسية وخارجها من أجل الوصول إلى الهدف التدميري ذاته.كما يتباين مستوى التأهيل المهني بين مختلف المؤسسات الإعلامية وحتى داخل المؤسسة الواحدة، مما يجعل إمكانية الخطأ قائمة، وتتباين درجات الأخطاء بين الجهل البريء إلى التعمد المقصود المحكوم بأجندة مسبقة. لكن في كل الأحوال لا ينبغي لأخطاء الخصوم، عبر السلوك الإعلامي، أن تجر إلى أخطاء، عبر السلوك السلطوي الذي ينفعل، تحت ضغط الظروف والأخطاء، فيلجأ إلى المنع أو القمع كأسهل طريقة للمواجهة. مثل هذا السلوك المخطئ المتبادل هو الذي يدفع باتجاه توترات وشد يعتمد التشهير والقاء التهم جزافاً والاحتكام إلى سوء الظن لتضيع الرؤية الحقيقية للعلاقة المطلوبة بين الإعلام والسلطة في دولة ديمقراطية. لا ينبغي لأخطاء الأجهزة التنفيذية ضد وسائل إعلامية أو إعلاميين أن تتضخم في التداول الإعلامي لتتحول إلى موقف بلون واحد ضد السلطة، موقف يدفع إلى أخطاء مهنية وسياسية قد تتعارض حتى مع حقيقة موقف الوسيلة الإعلامية، مهنياً وسياسياً..فيما لا ينبغي لانزعاج حكومي، محق أو غير محق،أن يستحيل إلى جدول عمل ضد مؤسسة إعلامية أو ضد العاملين فيها يحول دون ممارسة حقوقهم المشروعة في الحصول على معلومات ونقلها وممارسة واجب تأشير الأخطاء ونقدها. ولهذا لا ينبغي التطيّر من مشكلات الشد والتوتر بين وسائل إعلامية وبين أجهزة تنفيذية، إنها مشكلات محكومة بظروفها..لكن لا بدّ من تأشيرها ومعالجتها والحد منها كوسيلة لحفظ السلطات من الانرلاق إلى أخطاء تنفيذية وحفظ الإعلام من الانجرار إلى أخطاء مهنية ومن التنازل عن حقه المهني المعروف. وسيكون الالتزام بأخلاق الديمقراطية وأعرافها وتقاليدها وحده الذي يصون من الخطأ، خطأ السلطة وخطأ الإعلام، ويضمن حق المجتمع بسلطة عادلة وإعلام حر غير منحاز.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top