يا وطني الطيب

سعدون محسن ضمد 2013/06/11 10:01:00 م

يا وطني الطيب

يعتبر علماء الأنثروبولوجيا أن ما يسمى بـ(طقوس الانتقال) التي تؤديها مختلف الجماعات البشرية، لغرض نقل أفرادها من مرحلة عمرية أو حالة اجتماعية، إلى أخرى مختلفة عنها، هي طقوس ضرورية. كما هو الحال بالنسبة لطقوس ـ أو حفلات ـ الختان، أو طقوس الزواج. إذ الختان عملية انتقال من الطفولة إلى المراهقة، والزواج انتقال من العزوبية إلى الزوجية.
هناك من يعتقد أن طقوس الانتقال زائدة هنا، فانتقال الطفل يتحقق، سواء أجرينا الطقوس أم لا وكذلك الزواج. لكن هذا الكلام غير دقيق، ففي بعض الأحيان يحتاج المَعْنِيُ بالانتقال إلى الشعور بحقيقة انتقاله، والطقوس تساعده على ذلك، وفي بعض الأحيان يحتاج أفراد الجماعة إلى أخذ العلم بانتقال احد أفرادها، إلى الطفولة، أو البلوغ، أو الزواج، خاصَّة في الحالات التي يترتب على هذا الانتقال واجبات أو حقوق. كما هو الحال في الزواج الذي يتحقق سواء أجرينا طقوسه أم لا، لكننا نجريها بشكل علني ليعلم أفراد الجماعة أن فلاناً وفلانة اصبحا زوجين.
طقوس الانتقال مهمة جداً، والأهم منها عملية العبور ذاتها. فلا بد لكل كائن أو كيان ـ أو حتى حالة أو موقف ـ من أن يغادر مرحلة ويبدأ بأخرى. لا يمكن ولا يجوز أن يبقى أي شيء على حالة واحدة، حتى الجمادات تتغير حالاتها. إلا العراق وحده لا يريد أن ينتقل من طفولته إلى بلوغه. إلا العراق فهو لابث في عبث الطفولة ولا مسؤوليتها وعدم انضباطها أو خضوعها لأي منطق أو قانون.
لماذا يا بلدي الطيب؟ ما الذي يعجبك في حالة الجنون هذه التي أنت عليها؟ حتى الأطفال لا تخدعهم ألعاب الطفولة ولا تغريهم حريتها ولا يفتنهم دلالها. لذلك تراهم يتوقون ليوم يبلغون فيه. حتى الأطفال يستعجلون الانتقال لمرحلة البلوغ يا بلدي، فما الذي يعجبك بنزق طفولتك؟
وحتى إذا كنت تريد البقاء بمرحلة الطفولة، وحتى إذا كنت تريد أن تتخذ منّا ألعاباً تلهو بها، فافعل، ولكن تعلَّم أن لا تحرق ألعابك يا وطني. تعلم أن تلعب كما يلعب الأطفال الهادئون، فهؤلاء لا يُقَطِّعون أوصال ألعابهم، ولا يحرقونها بالمتفجرات، ولا يسمحون للأطفال المتنمرين بالاستيلاء عليها وتشويهها.
أما إذا أردت رأيي، فأنصحك بالبلوغ يا وطني، فهذه الطفولة لم تعد لائقة بك، وتكاد أن تتحول بسببها إلى نكتة مضحكة بين رفاقك من بقية الأوطان، ممن غادروا طفولتهم منذ زمن بعيد، بعيد جداً.
اكبر يا عراق، غادر طفولتك واستمتع بالطقوس التي سنجريها احتفالاً ببلوغك، فقط اقتنع بأنك لم تعد طفلاً يا وطني وكفَّ عن الاعتقاد بأننا ألعاب صالحة حتى للإحراق وتقطيع الأوصال.

تعليقات الزوار

  • د.علي قاسم

    حكمومات دولتنا الرشيدة المتعاقبة لم تكن رشيدة يوما و الحمد لله و كانت حكومات صبيانية متهورة كما بشر بها علي الوردي في مؤلفاته أتمنى أن نعيد قراءةروايةوليام كولدين {الهة الذباب }الحائزة على جائزة نوبل لنفهم دولة الصبيان

  • د.علي قاسم

    حكمومات دولتنا الرشيدة المتعاقبة لم تكن رشيدة يوما و الحمد لله و كانت حكومات صبيانية متهورة كما بشر بها علي الوردي في مؤلفاته أتمنى أن نعيد قراءةروايةوليام كولدين {الهة الذباب }الحائزة على جائزة نوبل لنفهم دولة الصبيان

  • مؤيد جاسم محمد

    ا رؤية نظيفة وسط هذا الضباب الاستعماري . وشكرا لكم

  • أحمد جبار

    كلام وجميل ومنطقي , وأيضاً جميل هذا السرد والربط بين حالات اجتماعية وحالة وطننا , لكن أعتقد أن الطفل عندما يكبر هناك من يرعاه حني يكبر , والزواج هناك أيضاً راعي لكل من الزوج والزوجة لكي يصلوا إلى مرحلة الزواج . فإذا رجعنا إلى العراق فلا يوجد من يرعاه حته

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top