الاستقالة الجماعية..

آراء وأفكار 2013/06/12 10:01:00 م

الاستقالة الجماعية..

ما يحصل في العراق منذ عشر سنوات ولغاية يومنا هذا لا تستوعبه موسوعة غينيز ولا قصص الغرابة والفنتازيا ولا الواقعية السحرية في الرواية ، انه حالة فريدة في التاريخ ، فملايين الناس التي قُتلت وتعوقت والنساء التي ترملت والأطفال التي سابت في الشوارع وتقاطعات الطرق بعد ان فقدت ولي أمرها وصارت تبحث في المجهول عن ولي امر جديد عسى ان تجده في التسول أو في الجريمة أو السرقة أو الانحراف فقد ضاع الأمل وضاع الرجاء والكل يجاهد كي يحافظ على ملامحه بعد ان هدد التلاشي والذوبان والضياع كل شيء ،حتى الوطن الذي يريد هؤلاء سياسيو الصدفة ان نصحو يوما وقد سقط اسم العراق كورقة خريف يابسه ولم يبق منه إلا أشلاء ممزقة نهشها الفساد والتزوير والمصالح الحزبية الضيقة والأجندات الغريبة...عشر سنوات من النكوص والتراجع والالتفاف على الديمقراطية التي يتشدقون بها التي أوصلتهم جميعا إلى قيادة هذا البلد..عشر سنوات من الموت المجاني والأزمات المتواصلة ومن الكراهية السياسية ، ما ان تكون هناك بوادر لحل أزمة خانقة يتبارى فيها المتخاصمون ويتنابزون بالحجج المذهبية والطائفية في الشوارع وضحيتهم المواطن الأعزل المهموم بتوفير لقمة عيشه وأبنائه في هذا الزمن الصعب ،حتى تظهر إلى السطح أزمة لم تكن في الحسبان ولكنها تستل من التاريخ الأصفر فتكون فاتورتها مكلفة يقسطها المواطن من حياته ووجوده وكينونته وحريته وهذا ما ادرج المواطن العراقي كأبأس مخلوقات الأرض رغم خيرات بلده التي يتنعم بها اللصوص وتهدر أرقام فلكية منها بسوء التخطيط  ،إذ ان القائمين على ادارة شؤون هذا البلد كانوا يحلمون بان يديروا الدوائر التي يعملون بها فكيف سيكون الحال اذا سلّم اليهم العراق بكل مقوماته وإمكاناته وتنوعه الديني والعرقي وبكل ثقله السياسي في المنطقة وهو قلب أمة العرب وحبل سري دسم مغذي للعالم..عشر سنوات من الفضائح التي أنزلت العراقي من عليائه حين كان ينظر اليه مخلوقا فيه سجايا من الآلهة القديمة إلى الدرك السفلي حتى ان كثيرا من الشعوب ترفض التعامل معه كونه الآن نتاجاً لواقع مخزٍ يسود فيه الإرهاب واللصوصية ومزايدات سياسيين عرضوه للبيع في سوق النخاسة ، ما يخز القلب ان كل هذه الانهيارات لا تقابلها ، كمعادل موضوعي ، سلوكيات متحضرة لبعض السياسيين سواء كانوا نوابا او مسؤولين في سلم الدولة ، فالجميع قد اعمت عينيه المصالح ما عدا حالة او حالات تعد على اصابع اليد يقف في مقدمتها النائب السيد جعفر محمد باقر الصدر والذي كان متعاليا على السلوك الغرائزي لبعض النواب فقدم استقالته دون ندم فهو لا يبيع سيرته ولا سيرة والده الشهيد السيد محمد باقر الصدر بكل اموال الدنيا وجاهد ان تبقى صفحته بيضاء لا يشخطها تكالب على منصب حكومي او منفعة دنيوية..حين يسأل المواطن من هو المسؤول عن هذا الخراب وهذه المرحلة التاريخية الاسوأ في عمر العراق والذي تجاوز السبعة آلاف سنة..؟ لا احد يجيب والكل يلقي باللائمة على الكل والجميع ينأى بنفسه عن الشبهة والمسؤولية وهذا دليل على افتقارهم للشجاعة وعلى تمسكهم المرضي بكرسي الحكم ..الدكتاتوريون يعتقدون بانهم وحيدون في هذه الحياة وان النساء لم تنجب أمثالهم في ما بعد ،فهم يدفعون بأنفسهم ومجتمعاتهم الى الهاوية وشعارهم الأوحد ما ننطيها وان من يستلم الحكم وراءنا ،لأي سبب كان ، فان يديه لا تمسكان سوى التراب..بعد كل هذا الذي حصل في العراق فان أراد المسؤولون ان يبرئوا ذمتهم أمام الذين انتخبوهم فعليهم ان يقدموا استقالة جماعية واعتذارا رسميا عن كل ما لحق بالوطن وبالبشر من أذى وخراب ،وان ظهر هنا او هناك سياسي وقد لبس لباس الحمل الوديع وتقمص دور حمامة سلام في تصفية الأجواء بين الطائفيين المتخاصمين فهذه جزء من لعبة سياسية أهدافها صريحة وعلنية ،فالكل عينه على خيرات هذا البلد ويطمح ان يمسك بدفة قيادته ولا يتعامل معه بالروح الوطنية وبمبدأية عالية يجب ان يتحلى بهما السياسي النبيل والدليل على ذلك ان امثال هؤلاء هم من كان ينادي ومن اليوم الأول بالتوافقات والتوازنات في العملية السياسية ولا يرتضي التنازل عن درجة وظيفية مخصصة لكيانه او حزبه حتى لو كان عاملا بسيطا في دائرة ويكفي انه أغمض عينيه ولا نقول انه ساهم بشكل وبآخر في هذا الخراب والتراجع في الحياة العراقية..عشر سنوات من الطائفية وحروب المليشيات ،وعشر سنوات مما يسمى بالشراكة الوطنية وعشر سنوات من التوافقات وعشر سنوات من غياب المعارضة السلمية الحقيقية وعشر سنوات من شلال دم وفوضى ومصادرة الحريات الشخصية وسرقة في وضح النهار وغياب لملامح الدولة لكن لم يخرج  صوت واحد يفضح ما حصل ،يقيم القانون ويقاضي هؤلاء المتوافقين ..متى تتشكل في العراق حكومة أو مجلس نواب حين تشعر أي منهما بأنها تطاولت على حقوق المواطن تستقيل وتحيل نفسها إلى القضاء..يبدو ان الواقع المخرب نتاج الفوضى السياسية يخلق وعيا اجتماعيا قاصرا..    

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top