السيرة في السينما

علاء المفرجي 2013/06/12 10:01:00 م

السيرة في السينما

-4-
في إطار الحفر في التاريخ والغوص في ما وراء الوثيقة التاريخية ، تختار السينما السير ذات الاشكالية التاريخية ، تطرح من خلالها الاسئلة، وتستجلي الحدث من خلال البحث والتقصي، فبعض سير الشخصيات وخاصة الشخصيات التي صنعت تاريخا في مجالها مازال الغموض يلف مصائرها وجوانب  من سيرتها .
وخلال اكثر من مئة عام على اختراعها تكشف السينما في كل مرة كفن خاصية تغني بها خطابها ولعل ابرز ما يقوم به  هذا الفن هو قدرته على اثارة الاسئلة القلقة والمنسية ، لتتجلى اهميته في مقدرته الفائقةعلى التحول من مجرد عرض فني تنحصر مهمته في الاستعراض المحايد لسيرة الشخصية الى اداة للكشف .  
  فقد تناولت السينما قضية اختطاف واغتيال المعارض المغربي مهدي بن بركة بعد أربعين عاماً من وقوعها، وهي القضية التي أثارت حينها الرأي العام الفرنسي، للطريقة التي تمت ولغموض دوافعها.. فأخبار السينما أفادت بعزم المخرج الفرنسي سيرج لوبيرون تصوير هذا الفيلم الذي يحمل عنوان (لقد شاهدت مقتل بن بركة) وهو عنوان المقال الذي نشره جورج فيغون في صحيفة (لكسبرس) قبل أسبوع من العثور عليه ميتاً في ظروف غامضة أيضاً.ولعل نظرة متفحصة لمسعى السينما في هذا المجال، تؤكد نجاحها في الخوض بمثل هذه القضايا الشائكة، والإجابة على الكثير من الأسئلة، باعتماد الوثائق واستنطاق شهود الحدث، وكشف الحقائق المسكوت عنها بفعل التواطؤات والصفقات غير المعلنة التي يقف وراءها أصحاب النفوذ والقرار.وإذا كان لابد من أن نتوقف عند هذا النوع من الأفلام، فيجب أن نشير إلى فيلم المخرج الإيطالي الكبير فرانشيسكو روزي (قضية ماتي) بداية السبعينات الذي يتناول قضية مصرع (انريكو ماتي) رئيس إحدى الشركات الإيطالية الكبرى الذي تجرأ على خرق قوانين احتكار اتحاد ملوك النفط الذي تتزعمه الاحتكارات الأميركية ليكون مصيره القتل خلال كارثة جوية غامضة لم تكشف حتى الآن.وقد لجأ روزي في مسعى إلقاء الضوء على خفايا هذه القضية إلى تحليل الوقائع وإلى وصف الشخصية للوصول إلى استنتاجات وتعميمات محددة تجعل الإمساك بخيوط القضية أمراً متاحاً.. فلم يكتف باعتماد التقصي الرسمي لأسباب الكارثة الذي أجرته السلطات. بل اعتمد تقصيه الخاص معيداً خلق الوقائع والنبش في الوثائق، واستجواب الشهود ليكشف المعنى الحقيقي للحدث وكان أهم ما تضمنه مسعى روزي في هذه القضية هو كشف الكثير من الحقائق في حياة (ماتي) التي توضح الدافع لاغتياله.ولم يبتعد المخرج الإيطالي رينسو مارتينيللي عن هذا الموضوع عندما تناول اغتيال شخصية إيطالية أخرى هي (الدو مورو) زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي بعد اختطافه في فيلم حمل عنوان (ساحة الأقمار الخمسة).. فبينما أشارت تفاصيل القضية إلى مسؤولية الألوية الحمراء عن حادث الاغتيال، يذهب الفيلم إلى كشف حقائق جديدة في القضية تتعلق برغبة مورو في أن يمارس الحزب الشيوعي الإيطالي الذي كان ثاني أكبر قوة سياسية في البلد، دوره في الإسهام الفعلي في معالجة المشكلات الاقتصادية المتفاقمة، مما لم يرق لمتشددي حزبه مثلما لم يرق للإدارة الأمريكية.. وهو ما قدمه الفيلم من خلال الاتهام المباشر للاستخبارات الأميركية في عملية الاغتيال التي نفذها مقاتلو الألوية الحمراء وهي المفارقة التي عمد الفيلم الخوض فيها.ويأتي الفيلم الفرنسي عن اغتيال بن بركة في المسعى ذاته خاصة بعد رفع الحكومة الفرنسية السرية عن جميع الوثائق المتعلقة بـ(بن بركة) ولتخوض السينما مرة أخرى في ملابسات قضية مازالت بحاجة إلى الكثير من الكشف بما تمتلكه من قدرة على الإقناع واعتمادها على إعادة صوغ الواقع وتقديمه مرئياً ومسموعاً.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top