مكالمات عدنان الغانم التي لم يرد عليها أحد

طالب عبد العزيز 2013/06/22 10:01:00 م

مكالمات عدنان الغانم  التي لم يرد عليها أحد

أمن المواطن في العراق هو واحدة من القضايا التي عجزت الحكومة الفدرالية والحكومات المحلية عن تأمينها، ولعل دعوة احد الكتاب في الشأن الأمني إلى خصخصة الأجهزة الأمنية لم تأت من فراغ، ذلك لأن مدنا كبيرة في العالم ، ربما تكون مدينة دبي مثالا لها، أو وكلت قضية أمنها إلى شركات عالمية متخصصة تدار بهيئة وطنية (شكلية) لأغراض سيادية بحت، أحكمت قبضتها على مدينة معقدة فيها وافدون عاملون وأصحاب مصالح كبرى لأكثر من 120 دولة، وبذلك تمكنت من حسم ملف الأمن وتوجهت للبناء لتصبح دبي واحدة من أهم المدن في العالم وأسرعها نموا وأنشطها اقتصاداً.
  وهنا لا نريد أن نقلل من جهد أجهزتنا الأمنية في حفظ الأمن لأننا نقف أمام حالات نادرة واستثنائية تناولتها وسائل الإعلام بالثناء والتبجيل، وهي مستحقة ذلك. لكن ما حدث للشيخ عدنان الغانم (أحد شيوخ أهل السنة) في محلة الطويسة بالبصرة قبل أيام كان موضوعا يستحق التوقف. فالشيخ كان أوقف سيارته أمام أحد البيوت ودخل لأداء مهمة اجتماعية (فصل عشائري) مع مجموعة من الشيوخ والوجهاء، ثم فوجئ بمن يقول له إن عبوة ناسفة زرعت تحت السيارة. حينها هبَّ الجميع لرؤية هول ما يحصل فاتصل الشيخ الغانم بمديرية مكافحة المتفجرات، لكن أحدا لم يسع لنصرته، وتجمهر الناس بعيدا عن السيارة، مع ترقب لوصول رجال الأمن الذين تأخروا عليه فكرر الاتصال بهم ثانية وثالثة لكن أحدا منهم لم يستجب لمكالماته، وبعد مضي أكثر من نصف ساعة انفجرت السيارة على مرأى الجميع، ومسمع من مديرية مكافحة المتفجرات.
  القصة تشير إلى أكثر من احتمال وسؤال على المستوى الشعبي –الأمني-السياسي، ترى من صاحب المصلحة في ذلك، ولماذا لم تصل مجموعة مكافحة المتفجرات في الوقت المناسب بعد اتصال الشيخ بهم؟ وهل للتأخير علاقة بما يحدث سياسيا في المدينة التي تتضرر سلبا بما يدور في بغداد، وهل لاستشهاد مدير مكافحة المتفجرات في حادثة تقاطع العروسة قبل أسبوعين علاقة بذلك؟ هل بدت مخاوف المجموعة أكبر من معالجة نزع عبوة ناسفة؟
أسئلة كهذه كان يمكن تفاديها، لكن الاحتمال الذي جرى تداوله أن الذي قام بالتفجير كان رجلا بين الحاضرين، قام بتفجيرها بعد  أن يئس من إمكانية صعود الشيخ فيها ثانية.
   ما حدث لسيارة الشيخ الغانم (الفكسارة) 2010 التي انفجرت أمام عينيه، يحصل كثيرا في المدن العراقية، وما تتحدث السلطات الأمنية عنه من مقدرة على ملاحقة الإرهاب وإمساك للأرض، لا يتناسب مع ما نشهده من حوادث. فقد شاهدت بأم عيني مجموعة من عشيرة ما، وهم يمرون أمام مركز شرطة بهراواتهم وبنادقهم وسكاكينهم للهجوم على مجموعة من عشيرة أخرى، ولم يستوقفهم رجال شرطة المركز، وفي الحقيقة فان شرطيا استوقف أحدهم وحين اخبره الرجل بان القضية "عشائرية ولا علاقة لها بالشرطة" تركه ومر الجميع وحدث ما حدث، وهذه مشاهد لا حاجة بنا لطرح أمثلتها لأنها تتكرر يوميا بعموم مناطق الوسط والجنوب. ترى عن أي قضية أمن نتحدث؟ وبأي مستقبل أمني نحلم؟
   يقول بائع الخمور (ن) إن أفراد مفرزة الشرطة تأخذ منه حصتها من المشروبات الروحية مقابل السماح له بالبيع ، لكن أحدهم وضع الكلبجة بيديه حين طالبه بكارتون البيرة التي نفدت لديه، وراح (ن) يقسم بأغلظ الأيمان بان ما لديه من مخزون نفد، لكن الشرطي قرر سحبه لمركز الشرطة بدعوى المتاجرة بالحشيش. في النهاية سوي الأمر وانتهت الدعوة بعشرة آلاف دينار.
ويحدثني الصائغ (و) وهو صابئي اضطر للسكن في أبي الخصيب بدعوى أن أهلها متسامحون معه، قائلا بأن محله الذي سُرقت مصوغاته بالكامل يقع وسط السوق بين مفرزتين للشرطة، ولا يبعد سوى بضعة أمتار عن بناية المحكمة وعناصر حماية المسجد الكبير، وأن أقفاله محكمة وغير قابلة للتجاوز السريع، بمعنى انها لا يمكن ان تفتح بسهولة ما لم تكن هناك آلات تعمل بالكهرباء، وحين يصف مشهد السرقة يقول بأن القاصة بما فيها من مصوغات وأموال كانت قد ربطت بسلك وسحبت بسيارة ساعة سرقتها. ان هذه عملية صعبة، لكنني رجل مسالم وفقير وعليَّ ان لا أتهم فيها أحداً .
وفي جولة لموظفي البيت الثقافي في البصرة بقصد جردة للأماكن الأثرية (مساجد، منازل، حسينيات، كنائس ...) حكى لي احد الموظفين هناك بأن أحدهم اتخذ من غرفة داخل كنيسة الآثوريين بمحلة الجمهورية (لم يبق منهم في البصرة سوى 30 عائلة وكانوا أكثر من 2000) وجعل من الغرفة مخبزاً، او فرناً للصمون ولم يتمكن راعي الكنيسة من استرجاعها حتى الساعة، والفرّان يهدده بفعل انتقامي إن أقدم على إجراءات رسمية لاسترداد الكنيسة، ولا يريد الرجل ان يطرح القضية هذه أمام المحاكم لأنها ستكلفه حياته بكل تأكيد، إذ من يحمي مسيحيا آثوريا لا عشيرة له ولا يجد دولة ترعاه ولا مجتمعا ينصفه وقد شرد أهله على وفق الطريقة هذه أو تلك؟
فيا شيخ عدنان الغانم، تذكر أن أكثر المتضررين في العراق من قضايا الإرهاب لا يختلفون عن قضيتك، وإذا كنت خسرت سيارتك فاحمد الله على نجاتك، كذلك أنت أيها الصائغ المندائي، الخصيبي ويا أخانا المسيحي الآثوري، لكم أربابكم التي في السماء. ذلك لأن بني جلدتكم من رجال السلطات الأمنية لديهم ما يشغلهم عن حمايتكم، فاستعينوا بالصبر والصلاة، لأن الحكومة في واد وانتم وحيواتكم وأموالكم في واد آخر.    

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top