ثمة دول لا تتمتع بالاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني عندما يتمكن بعض الوصوليين من أصحاب المصالح الخاصة من الولوج إلى مواقعها المهمة وتكون إدارة شؤونها تحت هيمنتهم ، وفق هذا المنظور لن تسلم الدولة على مالها العام لأنها ستصبح دولة منهوبة .
إن تهريب المال العام من قبل بعض المحسوبين رسميا على الدولة ظاهرة خطيرة جدا ، لأن ذلك يعد ابتزازا للدولة ذاتها ومصادرة لهيبتها وهدرا لأهم حق من حقوق مواطنيها ( المال العام ) كما أنه سلوك شاذ يفرغ الدولة من محتواها القانوني والأمني لتصبح بلا غطاء حماية ، فالدولة الحقيقية هي التي يدير شؤونها أمناء وحكماء وأكفاء إداريا يحرصون على ممتلكاتها لأنها أمانة في أعناقهم ، لا ننكر وجود بعض المخلصين في دولتنا لكن لا تأثير لهم مقابل مافيات الفساد بشتى أنواعه ، وهذا ما أكدته لجنة النزاهة النيابية حيث كشفت عن ان حجم الأموال العراقية التي تم تهريبها إلى خارج البلاد منذ 2003، تصل إلى 130 مليار دولار، إضافة الى ملاحقة 120 مسؤولا حكوميا، بينهم وزراء ومدراء عامون، على صلة بملفات الفساد المالي والأموال المهربة لكن من يملك السلطة والقوة لملاحقة هؤلاء بعد ان سرقوا المال العام ؟ إن تحقيق هذا المطلب مستصعب جدا باعتبار أن السراق انتهجوا طريقة جديدة هي تهريب الأموال والهرب معها إلى الخارج ليكونوا بمأمن من الملاحقة والعقاب القانوني . أما بخصوص نسبة الفساد فهي في ارتفاع مطرد حسب الأمم المتحدة التي أعلنت، في حزيران الماضي، ان نسب الفساد الإداري في العراق في تزايد مستمر، مؤكدة ان نحو 60% من موظفي الخدمة المدنية في العراق عرضوا اخذ رشاوى ، فيما أكدت ان نسب الفساد في بغداد اعلى منها في بقية المحافظات، فيما كانت محافظات إقليم كردستان الأقل، مبينة ان العراقي يضطر إلى دفع رشوة اربع مرات في السنة في المعدل، وأكدت ان الفساد يزداد اذا كانت المعاملة مع الشرطة أو موظفي العقارات. وفق هذه المعطيات لا يزال المواطن الشريف ضحية من قبل نظيره المواطن الذي يتربع على سلم المسؤولية والسلطة ، وهنا تكمن نقطة ضعف الدولة التي تفتقر إلى نهج رقابي دقيق وصارم ، كيف يمكن تحقيق ذلك وثمة من يمسك بزمام أمور الدولة لكنه يعبث بمقدراتها كيف ما يشاء دون ضمير رادع أو قانون مانع ، الملفت للنظر ان كثيرا من هذه الأموال هربت عن طريق صندوق إعمار العراق الذي بدأ عمله عام 2003 ولغاية 2008. وهذا مؤشر خطير على افتقار الدولة لمقومات الحماية ، والمؤسف أن لجنة النزاهة قدمت إلى القضاء العراقي ملفات فساد اكثر من شخصية على مستوى وزير ومستشار ومدراء عامين لكن القضاء العراقي أخفق حتى يومنا هذا في التعامل معهم ومحاسبتهم ولم يمارس دوره الرسمي القانوني الرادع ، رغم تزايد عدد المسؤولين الهاربين سراق المال العام خارج العراق الذين بلغ عددهم 37 مسؤولاً بينهم 3 وزراء و9 مدراء عامين و25 آخرين دون مستوى مدير عام مع استبعاد استرجاع هذه الأموال لأن جميع المتورطين يمتلكون جنسيات غير عراقية ، لكن كيف لم يتم إلغاء ازدواجية الجنسية الأجنبية ومن سمح لهؤلاء بالتسلل إلى الدولة لسرقتها ؟ هل ثمة مزايدات سياسية تجري في الخفاء بين مجموعة لصوص ؟ لك الله أيها المواطن من يرحمك ومن ينصفك ؟ فأنت تحت رحمة دولة هي مثل أم يأكلها أولادها لا شأن لها مطلقا ولا قيمة ولا تماثل الدول المتقدمة المتحضرة التي ترتكز على معايير القانون والوعي الأخلاقي وروح التعاون والحفاظ على المصلحة العامة.
اترك تعليقك