TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > أزمة الكهرباء في العراق.. وغياب الستراتيجية الثابتة في معالجتها

أزمة الكهرباء في العراق.. وغياب الستراتيجية الثابتة في معالجتها

نشر في: 16 أغسطس, 2013: 10:01 م

(1-2)تسع سنوات استغرقت عملية وضع اول انسان على سطح القمر, بينما برنامج صناعة اول قنبلة ذرية انطلاقا من نقطة الصفر استغرق خمس سنوات. فكم من الوقت تحتاج حكومتنا المنتخبة لحل ازمة الكهرباء العراقية؟. وهل اصبحت هذه الازمة الازلية احدى معجزات الارض. في عا

(1-2)
تسع سنوات استغرقت عملية وضع اول انسان على سطح القمر, بينما برنامج صناعة اول قنبلة ذرية انطلاقا من نقطة الصفر استغرق خمس سنوات. فكم من الوقت تحتاج حكومتنا المنتخبة لحل ازمة الكهرباء العراقية؟. وهل اصبحت هذه الازمة الازلية احدى معجزات الارض. في عام 2003 وبعد سقوط نظام صدام حسين وعلى الرغم من الفوضى وخراب البلد كان معدل توليد الطاقة الكهربائية 3,400 ميغا واط (م.و) بينما معدل الاستهلاك 4,650 (م.و) وكان اعلى حمل ذروة يصل الى 6,500 (م.و). بعد ثماني سنوات, ارتفع معدل الاستهلاك الكهربائي الى ما يقارب الـ12,000 (م.و) (اربعة اضعاف ما كان عليه عام 2003) مع حمل ذروة يتعدى 15,000 (م.و) بينما ارتفع معدل التوليد الى حوالي ستة آلاف (م.و) (1.7 مرة فقط). خلال هذه الفترة تمت إضافة اكثر من 6,640 (م.و) مع التأهيل الكامل لقدرة ما قبل 2003 الانتاجية والتي تبلغ 10,335 (م.و) مما يعني توفر قدرة تصميمية متاحة تصل الى اكثر من 16,000 (م.و), بينما مازالت معدلات الطاقة الانتاجية لاتصل الى 6,000 (م.و), ما يدل على نسبة جاهزية (ثقة او عامل الاهلية) تتراوح حول (37 بالمئة). هذه النسبة في باقي الدول تصل الى اكثر من 85 بالمئة.
مما يدل على وجود خلل كبير في التشغيل والصيانة والتأهيل والادامة وتنفيذ مشاريع محطات التوليد وانعدام الستراتيجية الثابتة والجذرية في معالجة ازمة الكهرباء. فقط اذا نظرنا الى الحل الذي التجأت اليه سياسياً وليس فنياً وزارة الكهرباء مؤخرا بانشاء خمسين محطة ديزل مع العلم عالمياً لاتحقق هذه المولدات عامل اهلية (نسبة الاستخدام السنوي) اكثر من 3 بالمئة يضاف اليه فشل هذه الانشاءات التي نفذت خلال الثماني سنوات الماضية فشلاً ذريعاً. ايضا لو نفذت خطة وزارة الكهرباء الاخيرة بحذافيرها فسوف يترتب عنها الحاجة الى استهلاك 550 الف برميل يوميا من النفط الاسود (زيت الوقود) مما يتطلب وفرة مصافي نفطية بقدرة تشغيلية حقيقية تصل الى 1.8 مليون برميل يوميا تخصص لتجهيز وحدات التوليد. العراق لايملك طاقة التكرير العملاقة هذه ولايوجد في الافق ما يؤشر الى امتلاكها. زيادة القدرة التكريرية للمصافي النفطية تكلف 12 مليار دولار وتستغرق عملية تشييدها خمس سنوات اذا بدأت عملية بناء المصافي غدا. ايضا استيرادها من دول الجوار سوف يكون مكلفاً للغاية زائدا عدم توفرها بهذه الكمية أصلاً. ايضا سياسة الترقيع هذه سوف تؤدي الى ارتفاع خسائر وزارة الكهرباء التشغيلية الى 32 مليار دولار سنويا (الفرق بين الواردات والصرفيات) . شخصيا اشك بقدرة الحكومة المالية وموارد البلد على دعم وزارة الكهرباء سنوياً بهذا المبلغ الضخم. ما اتوقعه هو الاهمال الكلي لعمليات الصيانة والتأهيل والادامة, اما في حالة عدم توفر وقود التشغيل محلياً وهو الاكثر احتمالية وواقعية فأن تلك الخسائر سوف تصل الى ما يقارب 40 مليار دولار سنويا في حالة الاضطرار الى الاستيراد الخارجي مع اضطرار العديد من وحدات التوليد الى غلق ابوابها نتيجة شحة الوقود والضائقة المالية. فحتى اذا تمكنت الدولة من دعم وزارة الكهرباء ماليا فأن الدولة سوف لن تكون قادرة على تمويل مشاريع التوليد والنقل والتوزيع التي تحتاجها الشبكة مستقبلا, مما يؤدي تلقائيا الى تكرار نفس الازمة بعد اقل من سنتين من حلها هذا اذا حلت أصلا.
للاسف ليست هناك ستراتيجية ثابتة اطلاقا في معالجة ازمة الكهرباء حيث بناء محطات التوليد وتحديد سعتها ونوعيتها ووقودها يعتمد على استقرار واستمرارية الشبكة وتوفر خطوط النقل وتجهيز الوقود ونوعية الصيانة وكلفة انتاج الكهرباء. بدون ستراتيجية موحدة وثابتة وبعيدة المدى تأخذ في نظر الاعتبار وتتزامن مع السياسة النفطية والغازية وخطوط نقل الكهرباء وخطوط نقل وانتاج الغاز والمشتقات النفطية فأن المشكلة تزداد تعقيداً وسوءاً كل يوم. بعد سقوط صدام حسين اتبعت سلطة الاحتلال سياسة تتكون من ثلاثة محاور وهي:

1: المحور القصير الذي ينفذ خلال ستة اشهر يتمثل بتحسين دورة المياه للمحطات البخارية العاملة واضافة وحدات توليد بقدرة 1-50 (م.و).
2: المحور الثاني والذي كان يفترض اكماله قبل نهاية 2004 يتمثل في الاستمرار باضافة الوحدات صغيرة الحجم و تأهيل المحطات القديمة.
3: المحور طويل المدى يتمثل بتفعيل العقود التي وقعها صدام حسين ضمن برنامج النفط مقابل الغذاء في انشاء محطات التوليد البخارية في اليوسفية والزبيدية والموصل وصلاح الدين والانبار وتنفيذ عملية تأهيل كاملة للمحطات القديمة من اجل اعادتها الى قدرتها وثقتها التصميمية. وعندما شكلت اول حكومة عراقية بقيادة اياد علاوي كانت سياسة وزير الكهرباء ايهم السامرائي متمثلة باستخدام الميزانية المخصصة لوزارة الكهرباء من صندوق تبرعات اعمار العراق والهبة الامريكية في انشاء وحدات انتاج سريعة النصب متكونة من مولدات ديزل ووحدات غازية صغيرة الحجم. هذه الستراتيجية اسوة بستراتيجية سلطة الاحتلال اثبتت فشلها. وفي هذا الصدد قال د.محسن شلاش وزير الكهرباء في ندوة مع الفضائية العراقية مساء 4/7/2005 ما يأتي: تم صرف 2.5-3مليارات دولار خلال السنتين المنصرمتين كان من الممكن ان تصرف بشكل افضل على بعض المشاريع ومنها الوحدات الغازية بحيث اصبح العراق مقبرة لهذا النوع من الوحدات. سنقوم بغلق الحدود أمام الوحدات الصغيرة التي تم استيرادها بسبب الجهل او لاسباب أخرى وقال ايضا (تكلمنا خلال الزيارة – للولايات المتحدة – بصحبة السيد رئيس الوزراء الى امريكا مع البنك الدولي وبوش وتشيني، وقد ذكرت لهم أننا توقفنا من استيراد الوحدات الصغيرة." ستراتيجية د. محسن شلاش كانت متمثلة ببناء المحطات البخارية وخصوصا تلك التي توقف العمل بها اثناء اندلاع حرب احتلال العراق ولكن تدهور الاوضاع الامنية في عهد حكومة الجعفري حال دون ذلك. عندما تسلم وحيد كريم وزارة الكهرباء عام 2006 كان توجهه لحل ازمة الكهرباء كما يلي:
1: التأهيل الشامل للمحطات القديمة واعادتها الى قدرتها التصميمية مما يترتب عنه اضافة 350 (م.و)عام 2007, 955 (م.و) عام 2008, 450 (م.و) عام 2010, 320 (م.و) عام 2011 . او ما مجموعه 2,075 (م.و).
2: المباشرة باكمال المحطات البخارية وتوسيعها واضافة محطات بخارية وغازية مركبة جديدة منها:
الف: محطة اليوسفية البخارية: اكمال الوحدات الاربع (210 (م.و) للوحدة الواحدة) التي توقف بها العمل عام 2003 بنسبة انجاز تقارب الـ 40 بالمئة واضافة اربع وحدات جديدة مما يرفع قدرة المحطة الى 1,680 (م.و).
باء: اكمال محطة الشمال البخارية التي كانت تنفذها شركة سيمنز وتوقف العمل بها عام 1990 بواقع اربع وحدات (350 (م.و)) وبقدرة اجمالية مقدارها 1,400 (م.و).
جيم: اكمال الوحدات الاربع سعة 300 (م.و) لمحطة صلاح الدين البخارية بقدرة اجمالية 1,200 (م.و).
دال: تفعيل انشاء محطة الانبار البخارية (اربع وحدات سعة 300 (م.و)) وبقدرة 1,200 (م.و).
هاء: تفعيل عقد انشاء محطة الزبيدية البخارية (اربع وحدات سعة 330 (م.و)) وبقدرة اجمالية 1,320 (م.و).
واو: انشاء محطتي شمال بغداد البخارية (اربع وحدات سعة 300 (م.و)) ومحطة الكفل البخارية (اربع وحدات سعة 300 (م.و)) وبقدرة اجمالية لكلا المحطتين 2,400 (م.و).
زاء: اضافة ما مقداره 7,066 (م.و) من الوحدات الغازية المركبة.
هذه المحطات الجديدة (البخارية والغازية المركبة) تدخل الخدمة حسب الجدول الزمني التالي: 1,238 (م.و) عام 2007, 1,648 (م.و) عام 2008, 5,110 (م.و) عام 2009, 3,440 (م.و) عام 2010, 1,380 (م.و) عام 2011, 3,900 (م.و) بين 2012-2015. مما يعني وصول القدرة الانتاجية المتاحة الى 13,441 (م.و) عام 2009 والذي يشهد نهاية ازمة الكهرباء, والى 19,416 (م.و) عام 2011 والى 24,596 الف (م.و) عام 2015. وبما ان في العراق الجديد التخطيط والتنفيذ خطان متوازيان لايلتقيان. لم ينفذ السيد وحيد كريم مشروعا ستراتيجيا واحدا من خطته المركزية للاعوام 2006-2010 واكتفى فقط بتشييد الوحدات الغازية صغيرة الحجم ووحدات الديزل مكملا الطريق الذي سلكه قبله ايهم السامرائي يضاف اليه تدهور الوضع الامني وشحة التخصيصات الاستثمارية. عام 2008 وبعد اقتناع وحيد كريم بفشل الحلول الترقيعية ونتيجة تأزم ازمة الكهرباء, وقع العراق عقدا مع شركتي جنرال الكترك وسيمنز الالمانية لتجهيز العراق بستة وخمسين وحدة غازية من نوع (اف9ي) و10 وحدات نوع (في 94.2) سعة 160 (م.و)وست وحدات نوع (في 94.3) سعة 265 (م.و) وبقدرة اجمالية مقدارها 10,000 (م.و) في حالة استخدامها في الدورة المفتوحة ومايقارب 13,000 (م.و) في حالة استخدامها في الدورة المركبة. هذه المولدات وبعد ثلاث سنوات من وصول اغلبها لازالت وزارة الكهرباء في مرحلة تقييم العقود واختيار شركات التشييد وايجاد مصادر التمويل. في عام 2009 وعندما تسلم حسين الشهرستاني وزارة الكهرباء تغيرت الستراتيجية مرة اخرى فقد تم التريث بنصب وحدات جي ي وسيمنز والتحول نحو المحطات البخارية وذلك بتفعيل عقد محطة الزبيدية والذي كانت شركة شنقهاي تماطل به منذ 2004 والذي ينص على انشاء اربع وحدات بخارية بسعة 330 (م.و) لكل وحدة بعد رفع قيمة العقد من 700 الى 924 مليون دولار مع اضافة وحدتين جديدتين بسعة 610 (م.و) لكل وحدة بقيمة اضافية مقدارها مليار و80 مليون دولار. كان يفترض بدء التشييد في صيف عام 2009 والانتهاء من الوحدات الست وبطاقة اجمالية مقدارها 2,500 (م.و) في ربيع 2013. لحد هذه اللحظة لم تبدأ عمليات البناء الفعلية ولازال العمل مقتصرا على فحوصات التربة على الرغم من اقالة مدير المشروع. ايضا تم تفعيل عقد محطة اليوسفية البخارية مع الشركة الروسية لتكملة ما تم انجازه من 40 بالمئة للوحدات الثلاث (210 (م.و) لكل وحدة) مع اضافة خمس وحدات جديدة بنفس السعة ومن المؤمل الانتهاء من التنفيذ الكلي في صيف 2012. ايضا لا اعتقد ان الشركة باشرت بعملها. في حكومة المالكي الجديدة تم تغيير الستراتيجية مرة اخرى فبدلا من المشاريع الغازية والبخارية تم تبني انشاء 50 محطة ديزل بطاقة 5,000 (م.و) وبكلفة 6,500 مليون دولار, كل محطة تحتوي على 25 وحدة ديزل بقدرة 4 (م.و) من اجل ان تصبح جاهزة صيف العام المقبل مع تمديد خطة نصب وحدات جي ي وسيمنز وتغيير موعد اكتمالها حتى عام 2015. اما المحطات البخارية فقد تم تأجيلها حتى 2015-2017. عالميا فأن عامل الاهلية (نسبة الاستخدام السنوي) لوحدات الديزل لا يتعدى 3 بالمئة (تستخدم لمدة 10 ايام سنويا), بينما عامل الاهلية للمحطات البخارية 85 بالمئة والمحطات الغازية المركبة 87 بالمئة والمحطات الغازية احادية الدورة كالتي تنفذ في العراق 30 بالمئة فقط.

هل هناك حل في الافق القريب لأزمة الكهرباء؟
حسب الخطة التي اعلنتها حكومة المالكي الثانية فأن صيف عام 2012 سوف يشهد الانتهاء من نصب محطات الديزل الخمسين زائدا دخول بعض الوحدات الغازية قيد التنفيذ مما يعني توفر قدرة توليد اجمالية مقدارها 23,000 (م.و) واذا اخذنا نسبة الجاهزية (عامل الاهلية) التي تعمل بها وحدات وزارة الكهرباء (37 بالمئة) فهذا يعني توفر قدرة توليد حقيقية قيمتها 9,000 (م.و) مقارنة مع معدل حمل يصل الى 12-13 الف (م.و). واذا اخذنا بنظر الاعتبار حجم التجاوزات واستهلاك قطاعات الطوارئ فأن نسبة التجهيز من الناحية النظرية قد تصل الى 16 ساعة في الشتاء وحوالي 12 ساعة في الصيف في عام 2012. اما في عام 2015 وفي حالة الانتهاء من نصب وحدات جنرال الكترك وسيمنز فأن القدرة التصميمية التوليدية سوف تصل الى 28 الف (م.و). مقارنة مع توقعات وزارة الكهرباء لحمل صيف 2015 والتي تضعه عند 19,500 (م.و) مما يعني حلا نظريا لازمة الكهرباء في حالة اقتراب ثقة وحدات التوليد من نسبة 70 بالمئة وهذا ما اشك به حيث حتى في حالة تنفيذ هذه الخطة الجديدة بحذافيرها فأن عدد الوحدات المتوفرة في عام 2015 سوف يصل الى 320 وحدة بخارية وغازية وكهرومائية زائدا حوالي 1,500 وحدة ديزل. فاذا افترضت ان كل ما مقداره 30 (م.و) من مولدات الديزل يمكن معاملته على انه وحدة انتاج واحدة تحتاج الى نفس ايدي التشغيل والصيانة التي تحتاجها وحدة انتاج غازية بحجم 30 (م.و). فإن القدرة الانتاجية الكلية (28 الف م.و) سوف تتكون من 504 وحدة انتاج. اي معدل القدرة التصميمية للوحدة الواحدة 55 (م.و). هذا المعدل يصلح لشبكة حملها لايتعدى الالفين ميغا واط وليس لشبكة حجمها يفوق العشرين الف ميغا واط. لشبكة بهذا الحجم وحتى تستقر وتصبح كلفة انتاجها معقولة وعملية صيانتها وادامتها واقعية وفعالة فأن معدل قدرة الوحدة الواحدة يجب ان لايقل عن 300 (م.و) بأقل تقدير. هذا العدد الهائل من وحدات الانتاج ذوات القدرة المنخفضة سوف يترتب عنه الآتي:

1: استحالة الصيانة والادامة الدورية وارتفاع تكلفتها: وحدات توليد الطاقة الكهربائية بحاجة الى دورات تأهيل وادامة مستمرة وبمعدل مرة كل ثلاث سنوات للوحدات الغازية والبخارية. لكل وحدة عملية التخطيط والدراسة واستحصال البيانات وتدقيقها وتحديد الاولويات والترتيب والتحضير والتعاقد واستحصال قطع الغيار تبدأ قبل سنتين من موعد التأهيل وهي عبارة عن عملية مكثفة ومستمرة يشترك بها فريق يتكون من 20-30 شخصا لكل وحدة زائدا التشاور والتداول مع مئات المختصين بتلك الوحدة وانظمتها (بمعدل 300 الف ساعة عمل لكل 100 م.و). الجهد وعدد الموظف/ساعة في التحضير وصيانة عشر وحدات بحجم 50 (م.و) لكل وحدة لايعني اطلاقا نفس الجهد وساعات العمل مقارنة مع التحضير وصيانة وحدة انتاج واحدة سعتها 500 (م.و). عدد الموظفين والجهد والوقت الذي يصرف بمنظومة معدل انتاج وحداتها 55 (م.و) يساوي تقريبا اربعة اضعاف الجهد والايدي العاملة لصيانة منظومة بنفس الحجم يكون معدل انتاج وحداتها 300 (م.و) مثلا. لذلك فأن من الصعب جدا عمليا وفنيا وماديا وزمنيا اجراء الصيانة الدورية المثمرة والفعالة لهذا العدد الهائل من وحدات التوليد خصوصا اذا كانت الوزارة تدار سياسيا وليس فنيا بحيث اغلب الاجراءات تتطلب موافقات الجهات العليا وتخضع لتدقيق ورقابة وآراء ومقترحات عدة هيئات محلية ومركزية تجهل ابسط الامور الفنية المتعلقة بالموضوع.

2: وفرة الوقود: في عام 2009, انتاج الكهرباء في العراق اعتمد على زيت الغاز (النفط الابيض او وقود التدفئة (المازوت) او الديزل (غاز النفط)) بنسبة 13 بالمئة, و28 بالمئة نفط خام, و32 بالمئة نفط اسود (زيت الوقود), و 26 بالمئة غاز طبيعي. في حالة نصب محطات الديزل الخمسين ووحدات جنرال الكترك (اف 9 ي) وكلاهما يستخدمان النفط الاسود الثقيل والخفيف (زيت الوقود) فأن نسبة استخدام النفط الاسود في توليد الكهرباء سوف ترتفع الى 72 بالمئة ولكي يتحقق الاكتفاء الكهربائي الذاتي فأن العراق بحاجة الى 550 الف برميل يوميا من النفط الاسود مما يتطلب توفر مصافٍ نفطية بقدرة تشغيلية حقيقية تصل الى 1.8 مليون برميل يوميا لتجهيز وحدات التوليد. العراق لايملك طاقة التكرير العملاقة هذه ولايوجد في الافق ما يدل على قرب امتلاكها. زيادة القدرة التكريرية للمصافي النفطية لتلبية مثل هذا الطلب بحاجة الى 12 مليار دولار وعملية بناء وتوسيع تستغرق خمس سنوات اذا بدأت عملية بناء المصافي غدا. ايضا استيرادها من دول الجوار سوف يكون مكلفا للغاية زائدا عدم توفرها بهذه الكمية اصلا.
النفط الاسود الثقيل او ما يسمى بزيت الوقود رقم 6 و 5 والذي يحتوي على كبريت بنسبة 3 بالمئة, معدل انتاجه في العراق خلال السنوات الخمس القادمة 45 الف طن يوميا. منه ستة آلاف طن تستخدم للاغراض الصناعية, مما يترك 39 الف طن يوميا لانتاج الكهرباء, هذه الكمية واخذا بنظر الاعتبار الكفاءة الحرارية المنخفضة لوحدات الانتاج والتي سوف اتطرق اليها في الفقرة القادمة تنتج حوالي 3,400 ميغا واط. ايضا خلال الاعوام الخمسة القادمة معدلات انتاج النفط العراقي يقدر لها 2.7 مليون برميل في عام 2011, 3.1 مليون برميل في عام 2012, 3.7 مليون برميل في عام 2013, 4.1 مليون برميل في عام 2015. هذه الكمية يصاحبها كميات غاز طبيعي غير مصفى بمقدار 1,500 مليون قدم مكعب قياسي (مقمق) في عام 2011 و 2,750 (مقمق) عام 2015. بعد تصفيتها وتجفيفها ينتج عنها كميات صالحة للاستخدام مقدارها 960 (مقمق) في عام 2011 وحوالي 2,000 (مقمق) في عام 2015. بعد طرح الاستخدام المنزلي فأن الكمية الممكن استخدامها في توليد الكهرباء في حالة استثمار الغاز المصاحب لانتاج النفط كاملا تولد 3,096 ميغا واط عام 2011 وحوالي 7,096 ميغا واط عام 2015. لحد اعداد هذه الدراسة مشاريع استثمار الغاز المصاحب لانتاج النفط لازلت متعثرة اسوة بخطوط نقلها الى محطات التوليد. في حالة افتراض تمكن هذه المشاريع من بلوغ اهدافها المرسومة, فأن العراق يظل بحاجة الى استخدام بالاضافة الى طاقته القصوى من انتاج النفط الاسود الثقيل والغاز الطبيعي الى 350 الف برميل عام 2011 وحوالي 350 الف برميل عام 2015 من الديزل او النفط الاسود الخفيف (رقم 2) او غاز النفط او النفط الخام من اجل تحقيق الاكتفاء الكهربائي الذاتي اخذا بنظر الاعتبار خسائر منظومتي النقل والتوزيع الحرارية. اما في حالة تعثر مشاريع استثمار الغاز فهذه الكمية باهظة الكلفة ربما تصل الى 550 الف برميل يوميا عام 2015.

3: القدرة المنخفضة لوحدات الديزل والغازية: الارقام الاجمالية التصميمية لمولدات الديزل والغازية التي نسمع عنها عبر وسائل الاعلام على لسان المسؤولين العراقيين لاتمثل اطلاقا القدرة التوليدية الحقيقية لهذه الوحدات في ظل اجواء العراق الحارة ومعامل القدرة للمنظومة وخسائر خطوط النقل والتوزيع. فكل وحدة توليد بحاجة الى استهلاك داخلي لتغذية اجهزتها ومعداتها تقدر بحوالي 5 بالمئة. قدرة الوحدات الغازية والديزل ترتفع بارتفاع درجة حرارة الجو. وحدات الديزل تفقد 20 بالمئة من قدرتها عندما ترتفع حرارة الجو الى 45 درجة مئوية بينما الوحدات الغازية تفقد مابين 15-25 من قدرتها نتيجة ارتفاع درجات حرارة الجو بسبب انخفاض كثافة الهواء مما يقلل من كميات الهواء التي تسحبها الضاغطة لنفس الجهد والذي يقدر بحوالي (0.5 الى 1 طن في الثانية). معامل القدرة للمنظومة العراقية منخفض جدا حيث في حالة الحمل المتوقع لعام 2015 مثلا فأن محطات التوليد بحاجة الى تجهيز الشبكة في اوقات حمل الذروة بالاضافة الى ماتحتاجه من قدرة حقيقية بحوالي 21 الف (ام في اي) مفاعلية المنظومة. مما يقلل قدرة المولدات بنسبة لا تقل عن 10 بالمئة. ايضا القدرة التصميمية للمولدات الغازية يمكن الوصول اليها في حالة اسخدام الغاز الطبيعي ومشتقات النفط الخفيفة, عندما يتم استخدام النفط الاسود الثقيل او نفط الخام في توليدها كما في برامج وزارة الكهرباء للاعوام الخمسة المقبلة فأن ذلك يؤدي الى فقدان 15 بالمئة من قدرتها. الى ذلك فأن القدرة الحقيقية لمولد غازي سعة تصميمية 125 ميغا واط في حالة الظروف التشغيلية اعلاه لا يصل الى 80 ميغا واط (او 65 بالمئة من قدرتها التصميمية). فعندما يتحدث المسؤول عن انشاء محطة غازية سعة 500 ميغا واط تعمل على وقود النفط الاسود الثقيل فهو بالاحرى يتحدث عن 330 ميغا واط فقط. ايضا هناك خسائر حرارية في منظومة النقل والتوزيع وبما ان المنظومة الحرارية لاتكفي لمعدلات الحمل المتوقعة مما سوف يؤدي حتما الى تحميلها اكثر من طاقاتها التصميمية (مثلا خطوط نقل ال 400 كيلو فولت قدرتها التصميمية 1,000 (ام في اي), تكفي لنقل اقل من 800 ميغا واط في احسن الظروف). الخسارة الحرارية لخطوط النقل والتوزيع في المنظومة العراقية لاتقل عن 10-15 بالمئة. الى ذلك فأن القدرة الحقيقية التي تصل الى المستهلك لا تصل الى 50 بالمئة من القدرات التصميمية لمحطات التوليد. حمل الذروة لعام 2012 يتوق ان يصل الى 17 الف ميغا واط والى حوالى 19.5 الف ميغا واط عام 2015, ومع توفير احتياط قيمته 30 بالمئة لضمان استقرار واستمرارية المنظومة فأن العراق بحاجة الى قدرة توليدية تصميمية مقدارها 44 الف ميغا واط عام 2012 وحوالي 51 الف ميغا واط عام 2015 في حالة افتراض جاهزية اختيارية تصل الى مائة بالمئة. اما في حالة انخفاض عامل الاهلية الى 70 بالمئة وهو المتوقع فأن العراق بحاجة الى قدرة تصميمية مقدارها 62 الف ميغا واط عام 2012 وحوالي 72 الف ميغا واط عام 2015 من اجل تغطية احتياجات ذروة فصل الصيف.
ايضا الكفائة التصميمية للمولدات الغازية لايمكن الوصول اليها الا في حالة اشتغال الوحدة بطاقتها التصميمية مستخدمة الغاز الطبيعي او مشتقات النفط الخفيفة في تشغليها وعند حرارة جو تبلغ 25 درجة مئوية. في حالة ارتفاع حرارة الجو عن 25 درجة مئوية وتشغيل المولدة عند قدرة تبلغ 60 بالمئة من قدرتها التصميمية وعندما يستخدم النفط الاسود الثقيل في تشغيلها فأن كفاءة المولدات الغازية تنخفض الى اقل من 20 بالمئة وقد لاتصل الى 15 بالمئة اصلا. هذا الامر ايضا ينطبق على وحدات الديزل. الى ذلك فعند حساب كلفة الوقود والكميات التي تحتاجها الوحدات الغازية والديزل يجب استخدام الكفاءة الحرارية الحقيقية والمنخفضة نتيجة ظروف التشغيل وليس الكفاءة التصميمية المثالية والتي لايمكن تحقيقها في ظل ظروف المنظومة العراقية وعمليات تشغيلها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: أحلام المشهداني

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

قناديل: بغدادُنا في القلب

عنوانان للدولة العميقة: "الإيجابية.. و"السلبية"

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

 علي حسين ما معنى أن تتفرغ وزارة الداخلية لملاحقة النوادي الاجتماعية بقرارات " قرقوشية " ، وترسل قواتها المدججة لمطاردة من تسول له نفسه الاقتراب من محلات بيع الخمور، في الوقت نفسه لا...
علي حسين

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
د. فالح الحمراني

السرد وأفق الإدراك التاريخي

إسماعيل نوري الربيعي جاك لوغوف في كتابه "التاريخ والذاكرة" يكرس الكثير من الجهد سعيا نحول تفحص العلاقة المعقدة، القائمة بين الوعي التاريخي والذاكرة الجماعية. وقد مثل هذا المنجز الفكري، مساهمة مهمة في الكتابة التاريخية،...
إسماعيل نوري الربيعي

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

توماس ليبلتييه ترجمة: عدوية الهلالي بالنسبة للبعض، تعتبر الرغبة في استعمار الفضاء مشروعًا مجنونًا ويجب أن يكون مجرد خيال علمي. وبالنسبة للآخرين، فإنه على العكس من ذلك التزام أخلاقي بإنقاذ البشرية من نهاية لا...
توماس ليبلتييه
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram