نجلاء سعيد تتحدث عن كتابها وهويتها العربية الأمريكية ووالدها إدوارد سعيد

نجلاء سعيد تتحدث عن كتابها وهويتها العربية الأمريكية ووالدها إدوارد سعيد

في مرحلة طفولتها لم تكن نجلاء سعيد تختلف كثيرا عن أقرانها من سكان الطوابق العلوية في نيويورك المحسوبين على الطبقة المتوسطة حيث قالت أنها نشأت في مورنينج وهو حي من أحياء مانهاتن الذي يضم بنايات مرتفعة في مدينة نيويورك خلال سبعينات القرن الماضي حيث حضرت دروسا في التمثيل في إحدى مدارس شرقي مانهاتن بسبب شغفها الكبير به ، لكنها لم تكن تملك الشعر الأشقر والعيون الزرق واللياقة البدنية كزملاء دراستها حتى تستطيع أن تكون نجمة فقبلت بأدوار صغيرة إرضاءً لذلك الحب ، لكنها سعت جاهدة لتكون كاتبة على خطى أبيها المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد مع ما واجهته من مضايقات في كلا العملين بسبب هويتها العربية مع أن ولادتها في أمريكا ، هذا ما أوضحته في مذكراتها التي تنشرها لأول مرة في أمريكا تحت عنوان " أبحث عن فلسطين " .
في جزء من هذه المذكرات تقول عن نفسها أنها وبعد ان كرست نفسها ممثلة وكاتبة مسرحية ظهرت لأول مرة عام 2010 كبطلة لإحدى مسرحياتها خارج برودواي التي حاولت أن تنقل فيها تجربتها كعربية أمريكية فلسطينية ناقشت من خلالها شؤونا شخصية وسياسية وأعطت رأيها بالمعاهدات وقرارات الأمم المتحدة والغطرسة العسكرية الإسرائيلية التي قالت عنها أنها لا تحترمها جميعا لأنها لم تنصف شعبها العربي في فلسطين ، وعندما ذهبت إلى بيروت عام 2006 نقلت في مذكراتها قصة الحرب هناك وكيف ناقشت مع طبيبها اليهودي في نيويورك بعد عودتها منها تداعياتها على المستويين العربي والعالمي والتي قالت عنها أنها لا تتكلم عن هذه الحرب بجعلها أطروحة أو درسا في التاريخ ، بل هي تروي قصتها لتشجع الآخرين على قول الحقيقة بشأنها بغض النظر عما إذا كان المتحدث عربيا أو يهوديا أو غربيا .
هذه المقدمة التي نسوقها لقارئ " صالون " كانت ضرورية ونحن نلتقي نجلاء سعيد لتتحدث لنا عن كتابها وكفاحها ضد مرضها فقدان الشهية وعن والدها وسوء الفهم الذي يلاحق من يحمل الهوية العربية الأمريكية ، كان سؤالنا الأول لها :
- أردت أن أبدأ بسؤال مقتضب عن نشأة هذه المذكرات الخاصة بك وهل يمكن أن تخبريني عن الإلهام الذي وقف وراء هذا المشروع ؟
- حسنا ، يبدو أنها كانت لعبة في البداية ، دفتر يومية كان معي وقد شجعني الوقوف في المسرح على تدوين ما يمكن ملاحظته هناك ، فعلت ذلك منذ عام 2005 في المدرسة الثانوية في نيويورك ولسنوات عديدة بعدها ، كان فعلا ناجحا والكثير من الناس يرغبون في قراءة ما وراء المسرح بالحصول على نسخة مكتوبة أكثر شمولا ، ولأنني لا أستطيع السفر دائما إلى مناطق عديدة من العالم كي انقل رؤاي عن قصتي العربية الأمريكية مع أنه كان هناك من سبقني في الكتابة عن هذه القضية خاصة الشباب منهم الذين يشعرون أنهم غرباء بحيث يمكن أن يكون هذا الكتاب بحسب شعوري الأقرب إلى تجربتهم تلك خصوصا في السنوات الخمس عشرة الماضية التي أصبحت فيها فكرة العرب الأمريكيين واضحة وبتنا نسمع الكثير عنها والناس هنا يحاولون باستمرار تحديد ما يعتقدون به لتأسيس مجموعة عرقية جديدة ، المهم في كل هذا ترك الناس لما يعتقدون به ويشعرون .
- لذلك ، هل ترى أن العرب الأمريكان كمصطلح أدبي بحاجة إلى تعريف ؟
- نعم ، نعم ، وأيضا لأنه ببساطة فقط شعور متداخل ، ومع أنني ولدت في عائلة أصولها عربية فمن المتوقع أن أقوم بمعرفة كل شيء عن الشرق الأوسط بطبيعة الحال واضطررت إلى اكتشاف كل ذلك بمفردي والكثير من الناس الذين هم من العرب الأمريكان أيا كانت خلفياتهم يخافون من الدخول في مناقشات سياسية لأنها لا تريد أن تنعت بالهجومية وأنهم يعتقدون أن هذه المسألة معقدة جدا ويقولون أشياء مثل أنا دون هذا المجتمع ولا أريد أن يساء فهمي ، إنه صراع قديم أردت أن أدع الجميع المشاركة في مناقشته للتعرف على حجمه وسط هذه المنطقة المحاطة بالألغام من كل جانب ، إنها وسيلة لنزع فتيل الحرب من الجميع ليأخذ الناس حقهم في رحلة التعايش الأبدي .
- وجدت في مذكراتك بعض التفاصيل الشخصية سواء أكانت تتحدث عن مرض والدك ووفاته بسبب سرطان الدم عام 2003 ، أو صراعك مع مرض فقدان الشهية الذي استمر معك لعدة سنوات ، لماذا تم سرد كل هذا وهل له علاقة بموضوع الساعة  الهوية العربية الأمريكية ؟
- لم أكن قادرة فعلا الكتابة عن ذلك ، أو حتى الحديث عنهما لفترة طويلة ، لقد وجدت من الصعب أن أكتب عن وفاة والدي الذي كان قبل عشر سنوات تقريبا ، لكنه لايزال يشكل لدي الكثير من الألم كلما تذكرت آلامه ، أما عن فقداني لشهيتي فقد تكون لهويتي أسبابها الرئيسة بإصابتي بها وعندما كنت أعمل على مسرحيتي " المدير " ساعدني والدي على كتابة فصل كامل منها قال لي حينها :
- لولا فقدان شهيتك لما حصلت على فكرة هذه المسرحية ، إنها جزء من قصة حياتك .
كنت قد أصبت بهذا المرض في السنوات الثامنة والتاسعة من عمري وقد لازمني سنوات طويلة لم يسمح لي بعدها الذهاب إلى الشرق الأوسط بسبب الحرب شعرت حينها أنني أحد المنفيين الذي لا يستطيع زيارة موطنه الأصلي ، ظل هذا الشعور معي دون انقطاع حتى تمكنت أخيرا من زيارته فأصابني الكثير من الانتعاش فقد كان بلدي هو الغذاء الذي عوضني عن فقدان شهيتي واصبح هذا الموضوع جزءا من ثقافتي أحملها معي كلما تذكرت رحلتي له حتى أصبحت راغبة بالكتابة عن ذلك لأنني وجدت علاقة قوية بينهما .
- لم تقومي بتوفير الخلفية التاريخية أو السياسية لكل ما تصفينه من أحداث ، هل تعتقدين أن هناك أي فوائد في الكتابة عن قضية معقدة أسمها الهوية العربية الأمريكية أو الصراع في الشرق الأوسط ؟
- هذه بعض أسباب كتابة مذكراتي ، فقد ترعرعت في عائلة كانت تستقبل أصدقائها من السياسيين والمفكرين الذين يعرفون والدي جيدا ، كيف نشأ وما هي الأفكار التي كان يحملها وكثيرا ما كنا نجادل في قرارات الأمم المتحدة وغيرها من الأمور التي تجعل رأسي يدور بسبب خلط أوراق المناقشات تلك ، هذا كل ما كنت أعرفه وتعرفه عائلتي التي كانت تستمع جيدا لكل الأفكار والآراء المطروحة بكل إيجابية حتى وإن كانت هناك خلافات بين الحضور .
- هل سبق لك أن لاحظت أن هناك تعاطفا أو تطورا أو تغيرا في مواقف الجمهور الأمريكي تجاه القضية العربية الإسرائيلية خاصة منها الفلسطينية ؟
- نعم ، كما تعلمون أنني تنقلت في المدارس الخاصة والثانوية حتى الجامعة وجدت فيها الكثير من الطلبة ومنهم اليهود يدافعون عن إسرائيل ولم يكن أحدا منهم مؤيدا للفلسطينيين ، وحتى العرب الأمريكان كان يتحاشون لبس ملابسهم العربية ومنها الكوفية أثناء الاحتفال بمناسباتهم الرسمية والأعياد ، لكنني لاحظت كيف اختلف الوضع عليه الآن ، أعتقد أن هذا ربما نتيجة لحرب العراق أو أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، فقد وجدت الناس أكثر انخراطا مع ما يحدث في العالم ومحاولة لمعرفة المزيد عن منطقة الشرق الأوسط ويشاركون في هذا الموضوع بالذات ، أذكر عندما كنت أصغر سنا كان الناس فقط من العرب واليهود الأمريكان يهتم كل واحد منهم بما هو أقرب لهم إسرائيل أو فلسطين ، لكنني الأن أشعر أن هناك الكثير من الناس يريدون تعلم اللغة العربية كمحاولة لمعرفة ما يعتقدون .
- هل لديك ملاحظات لمرحلة تظهر نوعا من التحول والتغيير مع التطورات في العالم العربي ، مثل الربيع العربي ؟
- نعم ، هذا مثير للاهتمام بالتأكيد ، وكنت قد توقعت أن يحدث ذلك ، لكنه تأخر كثيرا للأسف ، الأمور مختلفة الآن وردود فعل الجمهور أصبحت أكثر من رائعة ، الربيع العربي أصبح ربيعا عالميا نشاهده هنا حتى في امريكا يتغلغل بين الناس ، عندما كنا نعرض مسرحية في غزة عام 2008 كانت هناك حرب ، اليوم نعرض أعمالنا بقناعات قوية أكثر دون خوف  وترفض الظلم والحروب .
عن: صالون.كوم

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top