اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > القوات الأمنية العراقية بين هاجس الأمن والمواطن.. وصراع القيم والمفاهيم

القوات الأمنية العراقية بين هاجس الأمن والمواطن.. وصراع القيم والمفاهيم

نشر في: 4 سبتمبر, 2013: 10:01 م

ما زال المشهد العراقي بفوضاه وسوداويته وقساوته المفرطة يثير الوجع والخيبة لدى شرائح ونخب متعددة كانت تحمل أمالا وطموحات كبيرة لعيش واقع  مليء بالأمل والتفاؤل والإشراق.هذه النظرة الوردية والحالمة اصطدمت بالنظام السياسي الجديد الذي لا يفقه شيئا من

ما زال المشهد العراقي بفوضاه وسوداويته وقساوته المفرطة يثير الوجع والخيبة لدى شرائح ونخب متعددة كانت تحمل أمالا وطموحات كبيرة لعيش واقع  مليء بالأمل والتفاؤل والإشراق.
هذه النظرة الوردية والحالمة اصطدمت بالنظام السياسي الجديد الذي لا يفقه شيئا من أسس الحكم والسياسة،فحكومة المحاصصات الطائفية والحزبية الجديدة أدخلت البلد في نفق مظلم أفقد الناس القدرة على التواصل مع أحلامهم وطموحاتهم ورغبتهم في مواصلة الحياة بسبب النفاق السياسي والمهاترات والنزاعات والأزمات المتعددة التي يفتعلها بعض السياسيين والبرلمانيين ولا يدفع ثمنها إلا المواطن البريء والمسالم من دمه وتضحياته وعمره المستنزف وتطلعاته المقموعة  وأمواله التي نهبها بعض الديمقراطيين الجدد الذين تحولوا بين ليلة وضحاها إلى مافيات وتجار ومستثمرين وأصحاب رؤوس أموال وشركات لا تعد ولا تحصى.
قد يستطيع العراقيون بصبرهم وطيبتهم وقدرتهم على حرق السنوات والمراحل والنسيان أن يتجاوزوا كل هذا الخراب والانكسار والنهب المنظم والمدروس للمال العام ولكنهم لن يستطيعوا بسهولة أن يتناسوا بأن أهم مؤسستين وهما المؤسسة القضائية والمؤسسة العسكرية ينبغي أن يكونا بعيدا عن كل الأجندات والصراعات الدائرة في البلد ولاسيما المؤسسة العسكرية التي ينبغي ان يكون الانتماء للمواطن والوطن هو ضمن أولوياتها وستراتيجياتها وإلا ما جدوى التغيير الذي حدث عام 2003 وأطاح بالنظام السابق الذي شوه قيم وأهداف هذه المؤسسة الفاعلة وخرب تاريخها عبر استغلالها في قمع الناس والحركات الوطنية ومختلف شرائح المجتمع وعدم احترامه لمهنية وحيادية هذه المؤسسة التي تورطت بدماء الأبرياء من أبناء الشعب العراقي الذين كانوا لا ينسجمون مع توجهات النسق والنظام القمعي والاستبدادي وكانوا يحلمون بمساحة بسيطة من الحرية يعبرون فيها عن تطلعاتهم ورؤاهم في العيش بحرية وكرامة ومحبة، أقول ان مختلف طبقات المجتمع كانت بعد عام 2003 تعول على هذه القوات في الحفاظ على حياتها وأمنها واستقرارها ولا سيما مع اشتداد موجات العنف وظهور التطرف والإرهاب المحلي والعربي والدولي،  فبدأت الأصوات المعتدلة ومنها بعض  وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني وشرائح المثقفين بكل توجهاتها وانتماءاتها تدعو إلى ضرورة التكاتف والتعاون مع الأجهزة الأمنية للتصدي لهذه الحرب المسمومة والطاحنة التي عاثت فسادا بأرواح العراقيين وخرابا بمدنهم وشوارعهم وقراهم، ولكن بعد عدة سنوات وللأسف الشديد ظهر  لنا الكثير من المسميات الجديدة والتشكيلات المتعلقة بالمؤسسة الأمنية، ومنها قوة مكافحة الشغب وسوات وغيرها  التي أصبحت مرتبطة مباشرة ببعض القيادات والتوجهات السياسية التي أدخلتها ضمن منظومة الصراع السياسي والحزبي والمناطقي الذي أفقدها الكثير من مهنيتها وهيبتها ودعمها من قبل قطاعات واسعة من الجماهير التي بدأت تسترجع الانتهاكات السابقة التي مارستها الأجهزة القمعية والأمنية المرتبطة بمنظومة السلطة السابقة  التي كانت أداة طيعة بيده يوجهها حيث وكيفما يشاء، وأحداث الانتفاضة الشعبانية الباسلة فيها الكثير من الأمثلة والشواهد على الممارسات اللا إنسانية والانتهاكات الكبيرة التي تعرض لها أبناء الشعب العراقي في الجنوب وباقي مدن العراق. نحن نقول هذا ونشعر بحيف ومرارة كبيرة على أخوتنا في الأجهزة الأمنية  الذين هم جزء مهم وفاعل ضمن المنظومة الاجتماعية ويشكلون أعدادا لا يستهان بها في المشهد العراقي الحالي ونتمنى ان تكون روح الأخوّة والدافع الإنساني هو الموجه لكثير من سلوكياتها وتعاملها مع الآخرين ولا سيما الطبقات والأصوات المسالمة التي ليس لها هدف وهاجس سوى حرصها على مصلحة الوطن وخوفها على أمنه واستقراره وخيراته التي ذهبت ضحية استشراء الفساد المالي والإداري.
أنا أتحدث هنا عن ثقافة التظاهر السلمي التي تبنتها بعض الشرائح وسيلة مدنية وديمقراطية وعصرية للمطالبة بالحقوق المنتهكة والمغصوبة، وهذه التظاهرات قد كفلتها الشرائع والقوانين وأقرها الدستور العراقي الذي شهد إجماعا وطنيا على فقراته ومضامينه فلماذا تجابه هذه التظاهرات من قبل قوات الأمن ووزارة الداخلية بالقمع والتضييق والتعسف على الرغم من اخذ الموافقات الأمنية والقانونية التي تجيز هذه التظاهرات وعلى الرغم من تصريح السلطتين التنفيذية والتشريعية بسلمية وأحقية مثل هذه التظاهرات،فهل استلمت القوات الأمنية صكوكا من السماء بالتضييق والتجاوز الأخلاقي والإنساني على أناس عزل وأبرياء يحلمون بواقع أكثر أملا وكرامة وتفاؤلا وهل   تلك القوات تحولت إلى قوات مكافحة الشعب بدلا من الشغب ووقفت بالضد من رسالتها وأهدافها المهنية والوطنية وتصدت لمجموعات تتمنى لها الخير والسلامة وتنشد لها ولأسرها مستقبلا زاهرا ومعبدا بالأمل بعيدا عن الخوف والعوز والصراعات؟، إن ما شاهدناه ومررنا به من يوم عصيب وقاس في الحادي والثلاثين من آب الماضي ونحن نرى الغضب والاحتقان والخوف  غير المبرر لتلك الأجهزة وهي تتطاول وتتجاوز على أبناء مدينة الناصرية من مثقفين وإعلاميين ورياضيين وأكاديميين وناشطين مدنيين وكل الشرائح الأخرى وهم يصطفون  في بانوراما وطنية خالصة جسدت التلاحم الإنساني والشعبي بين مختلف شرائح المجتمع في التعبير عن إرادة أبناء الوطن وهم يدافعون عن حقوقهم المسلوبة وثرواتهم المنهوبة من قبل السياسيين والبرلمانيين. أقول إن ما شاهدناه من هذه التصرفات التي لا يوجد ما يبررها مهنيا وأخلاقيا إضافة إلى قطع الطرق والجسور يدفعنا لأن نوجه دعوة لكل المعنيين بالشأن العراقي ولا سيما القيادات الأمنية بأن يكونوا بمستوى المسؤولية والرسالة التي يحملونها في الدفاع  عن الوطن والشعب وكل القيم والمبادئ التي ينتمي لها العراقي والمسلم الأصيل وان يكسبوا أخوتهم وأبناء وطنهم إلى جانبهم لا أن يجعلوا منهم أعداء وهميين مما يوسع الهوة بينهم وبين الجماهير التي يتطلب الوقت الراهن تعاونها ومساندتها للقوات الأمنية في مواجهة ثقافة الموت والتطرف والإرهاب الذي حول البلد إلى مستنقع من الدماء والخراب والدمار مما يحث الجميع على وقفة وطنية حازمة تجاه كل ما يعكر سلامة وأمن الوطن وحياة الأبرياء وليتكاتف كل أبناء العراق لبناء وطنهم وترميم ما تصدع من كيان الدولة والمجتمع على أسس من العدالة والمشاركة والتسامح والإخاء.  
•أديب وصحفي*

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملاحق المدى

مقالات ذات صلة

كيف يتصوَّر العقل الشيعي (الشعبي) الوجود؟

غالب حسن الشابندر الكون كما نفهمه ظاهراً هو هذا العالَم الذي يحيط بنا، شمس وأرض وبحر وجبال وصحراء وحيوانات ونباتات… كائنات ومخلوقات وظواهر شتى، هذا هو البادي للعيان، وفيما رجعنا إلى القرآن الكريم نجد أكثر من مستوى نظري للكون، فهو قد يكون هذه الاشياء الظاهرة والخفية، أو هو العلاقات التي تربط بين هذه الاشياء، أو […]
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram