التشكيلية مديحة عمر.. رائدة اللوحة الخطية المعاصرة

التشكيلية مديحة عمر.. رائدة اللوحة الخطية المعاصرة

التشكيلية العراقية الراحلة – مديحة حسن تحسين و (عمر) نسبة الى زوجها الدبلوماسي العراقي
(ياسين عمر)، ولدت عام 1908،تخرجت من دار المعلمات البريطانية في بيروت عام 1933 وبعد عودتها الى بغداد انيطت بها مناصب تربوية عديدة في دورات اعداد المعلمات، فضلا عن كونها من الرعيل الذي بدأت على يديه النهضة النسائية العراقية وقتذاك .
واصلت دراستها بإسطنبول و من ثم بإنكلترا وهناك حيث بدأت تمارس رحلتها الإبداعية في فن الرسم وفي عام 1943 درست النقد في جامعة جورج واشنطن الأمريكية، كما حصلت عام1950 على البكالوريوس في الرسم والنحت من كلية الكوركون، فضلاً عن اقامتها معارض شخصية كثيرة في دول عربية وعالمية عدة ، وبوصفها زوجة لدبلوماسي عراقي تنقلت معه في دول عديدة، وكانت زياراتها لبغداد بين الحين والاخر ,لكنها متواصلة بمشاركاتها الفنية في المعارض الجماعية العراقية ... وقد نظمت لها وزارة الثقافة والاعلام معرضاً تكريمياً شاملاً على قاعة الرواق يوم 26\آذار \1981، كذلك أقامت معارض شخصية ايضا في بغداد كان اخره عام 1988، حيث قدمت فيه اكثر من (136) لوحة مثلت نتاجها من عام 1931 ...
وتعد مديحة عمر أول امرأه تشكيلية حررت صورة الحرف العربي من قيوده المنهجية الصارمة واطلقت له عنان حريته في فضاء سطح لوحاتها منذ ثلاثينات القرن المنصرم ... فهي ليست خطاطة متمرسة او (مجودة) حسب مصطلح الخطاطين المتخصصين ... بل هي رسامة بدأت انطباعية في مسيرتها الفنية .. الا انها استطاعت بطقوسها البيئية وقراءاتها الثقافية ان تكشف وظيفة فنية اجتهادية في جمالية صور الحرف العربي ومحاولة تطويعه وفق رؤية تشكيلية معاصرة ... وليست صورة اقرائية او تزويقية للوحة خطية خالصة .. فكانت لوحات قد البستها رداءً ذات نقشة تقترب من السريالزم .
فسكون مفرداتها الحروفية توحي للمتأمل لأعمالها كأنها تسبح في فلك فضاء مشاهدها ذات الألوان المتسمة بالعمق الروحي قبل ان تتميز بالغمق اللوني المتشرب بالالوان الاسلامية كالازرق والشذري والاخضر والاسود ..
تذكر مديحة عمر في دليل معرضها التكريمي بهذا الخصوص : لطالما اعجبت بطفولتي بالخطوط العربية المتشابكة على أبواب المساجد المحيطة بالقباب والمآذن وسَحرت بها .
لقد كانت مديحة عمر في استخدامها الحروفي الحر رائدة اللوحة الفنية العراقية من غير منافس .. الا انها فتحت الافاق الفنية والفكرية لمجموعة من جيلها من الفنانين الاخرين، نحو امكانية توظيف صورة وجمالية الحرف العربي في المجال التشكيلي المعاصر .. والاستفادة القصوى من أبعاده الفنية الهندسية التي تتمثل في (الاوت لاين) او رشاقته لخصوصية التعبيرية لتجعل منه رمزا دلاليا او مكانيا او إشارة فلكلورية زمنية .. أي إعطاء الحرف شخصيتين : الشخصية البصرية (الشكلية) الفنية وبلاستيكيتها الانسيابية، والشخصية الصوتية المقروءة (الفونوتيكية) التي نحتاجها احيانا لفك طلسم ما.
يقول الناقد شاكر حسن ال سعيد : أسهمت السيدة مديحة عمر منذ الاربعينات في البحث عن الحرف العربي عبر الفن التشكيلي متوخية الكشف عن طاقاته الابداعية كبعد واحد وكرمز حياتي، خاصة في استخدام الحرف الكوفي، ومن هنا تبرز اهميتها في البحث حيث تعود الى كونها من الرواد الاوائل لوضع الحرف في محله الملائم كأحد عناصر الابداع للفكر المعاصر .
وتتحدث مديحة عمر في مقابلة صحفية معها عن تجربتها الفنية فتقول : قرأت صدفة كتاب (الكتابة العربية في بلدان شمال أفريقيا، الذي يبين تأريخ وتطور الاحرف العربية لفترات سحيقة، منذ ذلك الحين تأكد لي بأن الخط العربي له تاريخ عريق وقيم وقد وصل الى ما هو معروف عليه الآن، بعد تطور طويل .. وكانت بداية توجهي نحو التجريد بفعل القراءة، تقول : لم اقف عند هذا الحد بل استكملت هذه الحلقة بحلقات اخرى نتيجة مشاهداتي للحروف المستخدمة كنقوش .. ولكن بإطار هندسي حول المنارات وعلى القصور (الجوانب العمرانية والحياتية) والمتاحف (في الشرق والغرب) .. وتواصل حديثها : الخط العربي عبارة عن معان مجردة، وهو في جوهره رمزي لذا فمن الخطأ النظر اليه بوصفه مجرد أبعاد وأشكال هندسية ... وهذه النظرة في اعتقادي من وجهة التصميم الفني تسيء الى فردية كل حرف من حروف الخط فيه القابلية الكافية، وله شخصية متحركة قادرة على ان تكون صورة مجردة اني لا ارى ان كل حرف من الحروف صورة كاملة تعطي معنى , خاصة ان تلك الحروف على اختلافها في التعبير تصبح مصدراً للاهتمام .
وعندما سئلت مديحة عمر عن عملية الابداع قالت: هي الحقيقة التي لا تموت.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top