عـناوين الــزور

آراء وأفكار 2013/09/28 10:01:00 م

عـناوين الــزور

ما أن تـتـنـدر عليك الحياة ، فـتجمعـك وإياه ، سواء في الواقع الحقيقي أو الآخر الافتراضي ، حتى يدهمك وهو يُقدم نفسه ـ مُختالاً فَخوراً ـ على انه مفكر أو مبدع أو أكاديمي أو استشاري أو خبير أو عالم .. لا ترقى إلى عبقريته الشبهات !!!
نخبويٌ يعني ..
توافق أنت أو ـ بعبارة أدق ـ لا تتحفظ ، على أن تتجاذب معه أطراف حديث ما ، وقد رفعت سقف توقعاتك إلى مالا يتجاوز عنوانه ( المُدّعى ) ، وإذا بسيلٍ جارف من الفراغ المهول ، يحطم عليك السقف ، ويُطيح بأكثر توقعاتك رجحاناً .
شخصياً .. لا أجادل مطلقاً ، في أن الحقيقة أكبر من كل ما يمكن أن نراه أو ندركه منها . إلا ان صديقنا النخبوي هذا ، غير مهموم بها بالمرّة ، وإن حدث وتحامل على نفسه وعُني بها ( الحقيقة ) بعض الوقت ، فهو في الحال هذه لا ينظر إليها ، إلا بعينٍ واحدة ، هذه العين لا تبصر إلا من خلال منظور براغماتي ، انتقائي ، مقيت ، يتجاهل كل ما سوى مصالحه الشخصية ، ورغباته النرجسية ، وأطره الضيقة ، وانحيازاته المسبقة المنغلقة على بؤسها .
ليس هذا حسب ، بل إن المصيبة دائماً ( أعظمُ ) ..
فالنخبوي إياه ، واثقٌ من علمه وفطنته وحدسه وسداد رأيه وصواب رؤيته ، في كل مسألة وموضوع وكارثة ، ثقة الراسخين بجهلهم ، أولئك الذين لا يحتملون أن يصدقوا أن العالم ومنذ وقت ليس بالقصير ، قد أضحى عالم الاختصاصات الدقيقة ، بل والدقيقة جداً. ولم يعد مقبولاً أن يطرح المرء نفسه ، مرجعاً أصيلاً في مالا  يختص .
ومن عظم المصيبة نفسها ، أن الغباء عادة ما يأتي مهذاراً ، والحماقة كثيراً ما تراود عن نفسها .. الأمر الذي جعل صديقنا أعلاه ، لا يتوانى أبداً عن إصدار أحكامه الكيفية المطلقة ، إزاء ما يعرف وما لا يعرف ، كما ان انطباعاته السطحية الغارقة في سذاجـتها ، جاهزة لكــل حدثٍ ومـقام !
وهو غالباً ما يُصيّر ظنونه وشكوكه إلى حجج وأفكار ، حتى دون أن يقيم الدليل عليها ! وكأنه في هذا كله يُراهن على ( جهل الآخر ) كستراتيجية لتسجيل الحضور وإثبات الـتـفـرّد .
ولأنه غير آبهٍ بالمعنى من الأساس ، بل مهووس بالظهور والازدهار والنجومية على حساب كل معنى ، فانه كثيراً ما يُجهز على الآخر بخطابٍ ممتلئ بالخواء ومفعم بالفجاجة ، تورطه في هذا لغة سوقية رثة ، يتوافر على أفضل منها مرتادو مراتع السفه ومدمنو صالونات التفاهة .
وسط مهزلة الادعاء هذه ، فان ( نخبوي عصره ) بدلاً من أن يبدو ( مثالاً ) يحتذى ، غدا ( أمثولة ) صارخة ، تثير السخرية مرة ، وتبعث على الأسف في أغلب المرات .
زمنٌ فيه الخيبة تبلغ حدها الأقصى ، والرداءة تحقق درجة الامتياز ، هو زمن أهوج بالتأكيد . إذ  الصوت الأعلى لا يقول شيئاً ، والأكثر حكمة لا يسمع أحداً .

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top